مرحباً بكم في مدونة المسيح مخلصي وهى تحتوي على موضوعات مسيحية متعددة بالاضافة الي تاريخ الاباء البطاركة المنقول من موسوعة تاريخ اقباط مصر للمؤرخ عزت اندراوس بالاضافة الي نشر الكثير عن تاريخ الاباء

الأحد، يونيو 20، 2010

ظهور الأسقف أرسانيوس حياً الذى إتهم الإريوسيين أن أثناسيوس قتله

ظهور الأسقف أرسانيوس حياً الذى إتهم الإريوسيين أن أثناسيوس قتله
أما بخصوص أرسانيوس الذى أتهم البابا أثناسيوس بقتله فقال :
[ فلما استلمت هذا الخطاب ( به الدعوى ) ولو أنى لم اهتم كثيراً بالموضوع لأنى أعلم أن الأمر كله عار عن الحقيقة , ولكن لما وجدت الإمبراطور قد أهتم هكذا وإنشغل بالموضوع كتبت (3) إلى زملائى فىى الخدمة ( أساقفة وكهنة ) مصر وأرسلت شماساً راغباً فى تقصى الحقائق عن أرسانيوس , لأنى لم أكن قد رأيت هذا الرجل منذ خمس أو ست سنوات ..
ووجدوا أرسانيوس فى مخبئة - وجدوه فى دير عند بلدة بتيمن سركيس التابعة للعاصمة أنتوبوليس على الشاطئ الشرقى للنيل - والذين كانوا مع أرسانيوس شهدوا بذلك , وأنه كان مختبئاً لهذا الغرض حتى يحيكوا الإدعاء بموته , أما الشخص الذى كان متولياً حراسته فى مخبئة فكان يدعى بنيس وهو كاهن هذا الدير , وهذا الكاهن بنيس أرسل خطاباً إلى يوحنا ( أركاف) مؤداه ذلك (4) :
( ... بنيس كاهن دير بتيمن سركيس بإقليم أنتيوبوليس يكتب إلى أخيه المحبوب يوحنا مرسلاً تحياته , أود أن تعلم أن أثناسيوس أرسل شماسه إلى الصعيد ليبحث عن أرسانيوس فى كل مكان , وقد تصادف مقابلته أولاً مع الكاهن بسيسيوس وسلوانس أخى إلياس وتايناسيراميوس وبول راهب إبسيله ( مدينة شطب ألان) وهؤلاء إعترفوا له بأن ارسانيوس كان موجوداً معنا بالفعل , فلما سمعنا هذا وضعنا أرسانيوس فى الحال فى مركب أقلعت إلى الجنوب مع إلياس الراهب , وفجأة عاد إلينا هذا الشماس مع آخرين ودخلوا ديرنا باحثين عن أرسانيوس فلم يجدوه , لأنه كما قلت لك كنا قد أرسلناه جنوباً , ولكنهم قبضوا علينا أنا وإلياس الراهب وأبحروا بنا إلى الإسكندرية , وقدمونا أمام الدوق ( الحاكم ) ولما وجدت أنى غير قادر على الإنكار أعترفت بانه حى وأنه لم يقتل وإعترف أيضاً كذلك الراهب الذى أخذوه معى , من أجل هذا أردت أن أعرفك بهذه الأمور حتى لا ترتب إتهامك لأثناسيوس معتمداً على هذا , لأنى قلت إنه حى وأنه أجرى إخفاؤه بيننا , وكل هذا أصبح معروفاً فى مصر ولم يعد الأمر سراً ... ) (5)
وبعد ذلك وجدناه ( أى أرسانيوس) للمرة الثانية مختبئاً فى مدينة صور , والمدهش جداً أنه حتى بعد أن أكتشفوا (6) أمره هناك , لم يشأ أن يعترف أنه هو أرسانيوس حتى حرموه وشهدوا عليه أمام بول أسقف صور ( الذى كان يعرفه منذ القديم ) وأخيراً ومن شدة الخجل أعترف بغير إرادته ] (7)
ورفع تقرير بهذه الحدث الجديده للأمبراطور وقال البابا اثناسيوس :
[ فكتبت للأمبراطور بهذا ان أرسانيوس حى , وقد إكتشف مخبأه , وذكرته بموضوع إسخيراس , وما كان قد سمعه سابقاً من كاهنى مكاريوس فى نيقوميديا , فأوقف الأمبراطور كل إجراءات محاكمتى , وكنت شاجباً كل الإتهامات الموجهة ضدى حاكماً ببطلانها , وارسل إلى يوسابيوس ( اسقف قيصرية المؤرخ الكنسى المشهور وصاحب كتاب تاريخ الكنيسة ) وكل مرافقيه الذين قد صدر لهم المر بالتوجه إلى الشرق لإجراء المواجهات معى أن يعودوا ] (8)
الإمبراطور يعتذر للبابا أثناسيوس
قسطنطين فيكتور مكسيموس أوغسطس .. إلى البابا أثناسيوس
قد قرأت خطابات "حكمتكم" وشعرت بدافع ان أكتب بالتالى إليكم لكى تتشددوا .. أما بخصوص هؤلاء الأشخاص المستحقين كل لعنة , وأقصد بذلك المليتينيين المتمردين الجاحدين الذين اثبتوا حماقتهم بأعمالهم المجنونة , الذين رفعوا هذا الشغب ولفقوا هذه الفتنة بسبب حقدهم ليكشفوا بالأكثر جحودهم , أقول أن هذا يكفيهم , فالذى ادعوا عليه أنه ذبح بالسيف هنا هوذا موجود وحى بعد .
وفيما تمادى فيه هؤلاء الميليتينيون من أتهامكم أنكم تهجمتم بعنف ووضاعة ومسكتم الكأس وكسرتموه فى المكان المقدس ( الهيكل) مع أنه لا صدق لهذا الإتهام ولا وجود لهذا العنف وإن هذا كله ملفق ... أمور أصبحت حقيقتها واضحة أكثر من أنهم يخططون مؤامرة ضد حكتكم , وبعد ذلك من ذا الذى يرضى أن يتبعهم بعد ذلك ( مع الأسف أنه سمح بالتحقيق فى إتهاماتهم للمرة الثالثة فى مجمع صور ) هؤلاء الناس الذين لفقوا مثل هذه التهم للإيذاء بالآخرين , يتهمونكم بجرائم كاذبة , وأخيرا أحب أن أضيف أننى أرغب فى أن يقرأ هذا الخطاب مراراً بواسطة حكمتكم علناً حتى يصير معروفاً لجميع الناس , وبالأخص لكى يصل إلى آذان هؤلاء الناس الذين يعملون هذه الأمور ... وليعلموا أنهم إذا أثاروا شيئاً من هذا الشغب مرة أخرى فسأحقق بنفسى معهم وليس بعد بحسب القوانين الكنسية , ولكن بحسب القوانين المدنية ... لأنهم لصوص ليس إذاء الناس فقط بل وإذاء التعاليم الإلهية , ليت الرب يحفظكم دائماً أيها الأخ المحبوب .
إعتراف الأسقف أرسانيوس
وكتب أ{سانيوس إعتذاراً للبابا أثناسيوس : [ إلى المطوب البابا أثناسيوس , يكتب أرسانيوس أسقف على الذين كانوا " أى سابقاً " تحت ميليتيوس فى مدينة الإيسيليين ( وهى مدينة شطب الآن ) مع الكهنة والشمامسة يطلبون الصحة لكم من الرب , إذ أصبحت فى غاية الإشتياق إلى السلام والإتحاد مع الكنيسة الجامعة التى تترأسونها بننعمة الرب , راغباً فى أن أخضع أنا نفسى ومن معى لقانون الكنيسة تحت التقليد القديم ( تبادل خطابات الشركة ) نكتب إليك أيها البابا العزيز والمحبوب معلناً بإسم الرب أننا لن نجرى شركة فى المستقبل مع الذين يستمرون فى إنشقاقهم وكل من هم ليسو فى سلام الكنيسة الجامعة , سواء أكانوا أساقفة أو كهنة أو شمامسة .. ]
[ وليس أدل من إنسحاب يوحنا أركاف دليلاً على نوع المؤامرات التى كانت تحاك ضدنا التى أصبح الإمبراطور قسطنطين المحبوب لدى الرب والمطوب الذكر شاهداً عليها بنفسه عندما أرسل يوحنا خطابات إلى الإمبراطور هكذا : ... لقد سررت غاية السرور بخطاباتك إذ علمت منها ما كنت أشتاق طويلاً أن أسمعه أنك تركت جانباً كل مشاعرك الصغيرة وأنك صرت فى إتصال الشركة مع الكنيسة كما يليق بك , وإنك صرت فى إتفاق كامل مع الكلى الوقار الأسقف أثناسيوس .. ] (9)
ولم يظهر البابا أثناسيوس إعترافات وتوبة الأسقف أرسانيوس وأخفاها ولكنه أظهرها فيما بعد فى الوقت المناسب .
المــــــــــــــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة الطبعة الثانية 2002 م ص 83- 87
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) كان البابا أثناسيوس يستجم فى إحدى قلاع أمونياكا بالمدن الخمس على شاطئ البحر وذلك سنة 332م
(4) لم يتضح الطريقة التى وقع خطاب رئيس الدير الكاهن بنيس فى يد البابا أثناسيوس والذى أرسله إلى يوحنا اركاف رئيس جماعة المليتينيين .
(5) Apolgia contra Ar.67
(6) أما عن كيفيه إكتشافه فى صور فإن بينما كان خدام القنصل أرشيلاوس فى حدى الحانات سمعوا أن أرسانيوس مختبئ فى إحدى البيوت فعملوا له كميناً وقبضوا عليه .
(7) Apolgia contra Ar. 65, 67
(8) Ibid
(9) Apolgia contra Ar.68

شجاعة‏ ‏القديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الرسولي


نحن‏ ‏اليوم‏ ‏نمجد‏ ‏القديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏ونحييه‏ ‏ونفتخر‏ ‏به‏,‏ونقول‏ ‏إنه‏ ‏حامي‏ ‏الإيمان‏,‏والعالم‏ ‏كله‏ ‏معنا‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الإكرام‏,‏العالم‏ ‏كله‏ ‏ينحني‏ ‏احتراما‏ ‏وإجلالا‏ ‏لهذا‏ ‏الرجل‏,‏الذي‏ ‏يعتبر‏ ‏بحق‏ ‏مؤسس‏ ‏المسيحية‏ ‏الثاني‏.‏بعد‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏,‏أن‏ ‏المسيحية‏ ‏كادت‏ ‏أن‏ ‏تنتهي‏ ‏لولا‏ ‏أثناسيوس‏.‏


البدعة‏ ‏الأريوسية‏:‏


البدعة‏ ‏الأريوسية‏ ‏كانت‏ ‏بدعة‏ ‏دقيقة‏ ‏وصاحبتها‏ ‏ظروف‏ ‏جعلت‏ ‏هذه‏ ‏البدعة‏ ‏تنتشر‏,‏وأيدتها‏ ‏عوامل‏ ‏اجتماعية‏ ‏وسياسية‏ ‏جعلتها‏ ‏تكاد‏ ‏تبتلع‏ ‏المسيحية‏ ‏نهائيا‏,‏وانضم‏ ‏إلي‏ ‏هذه‏ ‏البدعة‏ ‏الأريوسية‏ ‏كثيرون‏ ‏من‏ ‏الشعب‏,‏وأيضا‏ ‏من‏ ‏الكهنة‏ ‏والأساقفة‏,‏وانضم‏ ‏رجال‏ ‏الدولة‏ ‏وانضم‏ ‏آخرون‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏المسيحيين‏ ‏إلي‏ ‏هذه‏ ‏البدعة‏ ‏وأصبحت‏ ‏الحركة‏ ‏حركة‏ ‏ضخمة‏ ‏واسعة‏ ‏كبيرة‏ ‏شملت‏ ‏قطاعات‏ ‏واسعة‏,‏لا‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏وحدها‏ ‏بل‏ ‏في‏ ‏العالم‏ ‏بأثره‏,‏وبالإيجاز‏ ‏كادت‏ ‏المسيحية‏ ‏أن‏ ‏تنتهي‏.‏المسيحية‏ ‏علي‏ ‏صورة‏ ‏الصفاء‏ ‏التي‏ ‏أرادها‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏,‏التعليم‏ ‏الذي‏ ‏علم‏ ‏به‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏,‏هذا‏ ‏التعليم‏ ‏كاد‏ ‏أن‏ ‏ينتهي‏,‏لم‏ ‏يكن‏ ‏الشعب‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏الوقت‏ ‏من‏ ‏القدرة‏ ‏علي‏ ‏الإيغال‏ ‏في‏ ‏الموضوعات‏ ‏اللاهوتية‏ ‏بحيث‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يفهم‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏تعليم‏ ‏أثناسيوس‏ ‏وتعاليم‏ ‏أريوس‏,‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏وجه‏ ‏الخطر‏ ‏في‏ ‏الموضوع‏,‏لذلك‏ ‏كان‏ ‏أثناسيوس‏ ‏هو‏ ‏الرجل‏ ‏الوحيد‏ ‏الذي‏ ‏اعتبر‏ ‏معارضا‏ ‏واعتبر‏ ‏عنيدا‏.‏وقيل‏ ‏إنه‏ ‏الرأس‏ ‏الوحيد‏ ‏الذي‏ ‏لو‏ ‏انحني‏ ‏لحلت‏ ‏المشكلة‏,‏وبالطبع‏ ‏حل‏ ‏المشكلة‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏أرثوذكسية‏ ‏التعليم‏.‏حل‏ ‏المشكلة‏ ‏باختفاء‏ ‏أثناسيوس‏ ‏كان‏ ‏معناه‏ ‏سيادة‏ ‏الأريوسية‏ ‏وانتهاء‏ ‏المسيحية‏ ‏الأرثوذكسية‏,‏لذلك‏ ‏سمي‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الذي‏ ‏يعارض‏ ‏العالم‏ ‏وهذا‏ ‏ترجمة‏ ‏النص‏ ‏اللاتيني‏,‏لأن‏ ‏هذه‏ ‏المسألة‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏تخص‏ ‏العالم‏ ‏الشرقي‏ ‏فقط‏,‏بل‏ ‏العالم‏ ‏الغربي‏ ‏أيضا‏,‏لأن‏ ‏مجال‏ ‏العمل‏ ‏للقديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏امتد‏ ‏من‏ ‏الشرق‏ ‏إلي‏ ‏الغرب‏ ‏أيضا‏,‏فأصبح‏ ‏موضوع‏ ‏القضية‏ ‏التي‏ ‏يدافع‏ ‏عنها‏ ‏أثناسيوس‏ ‏ليست‏ ‏قضية‏ ‏خاصة‏ ‏بالشرق‏ ‏أو‏ ‏بمصر‏,‏وإنما‏ ‏كانت‏ ‏للمسيحية‏ ‏كلها‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏وفي‏ ‏الغرب‏,‏فسموه‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الذي‏ ‏يعارض‏ ‏العالم‏.‏


صمود‏ ‏القديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏وشجاعته‏:‏


هذا‏ ‏الكلام‏ ‏نمر‏ ‏عليه‏ ‏اليوم‏ ‏بسهولة‏,‏ونقول‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏من‏ ‏فوق‏ ‏المنابر‏ ‏وبحماس‏,‏ولكن‏ ‏من‏ ‏الصعب‏ ‏علينا‏ ‏اليوم‏ ‏أن‏ ‏ندرك‏ ‏تماما‏ ‏الثمن‏ ‏الغالي‏ ‏لهذا‏ ‏الموقف‏ ‏الذي‏ ‏اتخذه‏ ‏أثناسيوس‏,‏اليوم‏ ‏نأخذ‏ ‏الجانب‏ ‏السار‏ ‏من‏ ‏الموضوع‏ ‏بعد‏ ‏الانتصار‏,‏اليوم‏ ‏نذكر‏ ‏أثناسيوس‏ ‏بالتحية‏ ‏والاحترام‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏انتصر‏.‏لكن‏ ‏أريدكم‏ ‏أن‏ ‏ترجعوا‏ ‏لأفكاركم‏ ‏إلي‏ ‏الظروف‏ ‏القاسية‏ ‏التي‏ ‏كان‏ ‏يعيشها‏ ‏الرجل‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏الوقت‏,‏لو‏ ‏كنت‏ ‏أنت‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏هل‏ ‏كنت‏ ‏تقدر‏ ‏أن‏ ‏تتحمل‏ ‏هذا‏ ‏كله‏,‏هل‏ ‏تتحمل‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏في‏ ‏موقف‏ ‏يعارضك‏ ‏فيه‏ ‏الناس‏ ‏جميعا‏,‏حتي‏ ‏رجال‏ ‏الدين‏ ‏ورجال‏ ‏الحكم‏,‏تبحث‏ ‏عن‏ ‏أحد‏ ‏معك‏ ‏فلا‏ ‏تجد‏,‏وكل‏ ‏يوم‏ ‏تخسر‏ ‏أكثر‏ ‏وأكثر‏ ‏وأكثر‏ ‏حتي‏ ‏تصل‏ ‏المسألة‏ ‏أنك‏ ‏تجد‏ ‏نفسك‏ ‏تعيش‏ ‏بمفردك‏,‏ما‏ ‏أقسي‏ ‏هذا‏ ‏الموضوع‏,‏ارجعوا‏ ‏للوراء‏ ‏وحاولوا‏ ‏أن‏ ‏تعيشوا‏ ‏في‏ ‏الظروف‏ ‏التي‏ ‏عاشها‏ ‏أثناسيوس‏.‏من‏ ‏منا‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏في‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏,‏من‏ ‏منا‏ ‏كان‏ ‏يقدر‏ ‏أن‏ ‏يصمد؟‏,‏من‏ ‏كان‏ ‏يصمد؟‏ ‏لا‏ ‏يوم‏ ‏أو‏ ‏اثنين‏ ‏أو‏ ‏سنة‏ ‏أو‏ ‏سنتين‏...‏لكن‏ ‏خمسين‏ ‏سنة‏,‏لو‏ ‏كنت‏ ‏أنت‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏هل‏ ‏يكون‏ ‏عندك‏ ‏هذا‏ ‏الصمود؟‏ ‏هل‏ ‏يكون‏ ‏عندك‏ ‏هذا‏ ‏الجلد؟‏,‏هل‏ ‏يكون‏ ‏عندك‏ ‏هذا‏ ‏الإصرار؟‏,‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الموقف‏ ‏الصعب‏.‏كيف‏ ‏تعيش‏ ‏بين‏ ‏الناس‏,‏كيف‏ ‏تتحمل‏ ‏النقد‏ ‏والانتقاد‏,‏والشتائم‏ ‏والإهانات‏ ‏والسباب‏,‏وظروف‏ ‏الاضطهاد‏ ‏والنفي‏ ‏والتشريد‏,‏حتي‏ ‏القوة‏ ‏المدنية‏,‏قوة‏ ‏الدولة‏ ‏كلها‏ ‏التي‏ ‏تجندت‏ ‏لمحاربة‏ ‏أثناسيوس‏ ‏لأن‏ ‏الدولة‏ ‏يهمها‏ ‏صالح‏ ‏الأمن‏,‏وعندما‏ ‏تكون‏ ‏الأغلبية‏ ‏ضد‏ ‏واحد‏ ‏فمحصلة‏ ‏الأمن‏ ‏تقتضي‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏الدولة‏ ‏في‏ ‏نصرة‏ ‏الأغلبية‏ ‏ضد‏ ‏الأقلية‏.‏خاصة‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏الأقلية‏ ‏واحدا‏,‏ولو‏ ‏اختفت‏ ‏رأس‏ ‏هذا‏ ‏الإنسان‏ ‏استراح‏ ‏العالم‏.‏تصور‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏وصعوبته‏,‏تصور‏ ‏كل‏ ‏هذا‏.‏


فاليوم‏ ‏عندما‏ ‏نفتخر‏ ‏بأثناسيوس‏ ‏ونمدح‏ ‏أثناسيوس‏,‏نمدحه‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏انتصر‏,‏بعد‏ ‏هذا‏ ‏التعب‏ ‏كله‏...‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أصبح‏ ‏العالم‏ ‏يقدر‏ ‏موقفه‏ ‏ويقتنع‏ ‏بصحة‏ ‏معتقده‏,‏إنما‏ ‏كيف‏ ‏عاش‏ ‏أثناسيوس‏ ‏هذه‏ ‏الخمسين‏ ‏سنة‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الآلام‏ ‏المرة‏,‏وهذه‏ ‏المتاعب‏ ‏الجمة‏,‏وهذه‏ ‏المقاومات‏ ‏والمعارضات‏.‏لابد‏ ‏أن‏ ‏أثناسيوس‏ ‏كان‏ ‏يحارب‏ ‏حتي‏ ‏نفسيا‏.‏ربما‏ ‏كان‏ ‏يحاربه‏ ‏الفكر‏ ‏يقول‏ ‏له‏ ‏أنت‏ ‏عملت‏ ‏انقساما‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏,‏أنت‏ ‏عملت‏ ‏عثرة‏,‏أثناسيوس‏ ‏عمل‏ ‏انقساما‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏,‏وكل‏ ‏الناس‏ ‏كانوا‏ ‏يقولوا‏ ‏هذا‏ ‏الإنسان‏ ‏ضد‏ ‏المسيح‏ ‏لأنه‏ ‏خلق‏ ‏انقساما‏,‏كان‏ ‏مفروض‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏رجل‏ ‏سلام‏,‏ولا‏ ‏يكون‏ ‏سبب‏ ‏انقسام‏ ‏ومتاعب‏ ‏ومضايقات‏ ‏ويخلق‏ ‏عثرات‏ ‏ويجعل‏ ‏الناس‏ ‏تخطئ‏ ‏لأنها‏ ‏تضطر‏ ‏أن‏ ‏تشتم‏ ‏عليه‏,‏والناس‏ ‏تخطئ‏ ‏في‏ ‏اشتراكها‏ ‏في‏ ‏الحروب‏ ‏المختلفة‏ ‏والمضايقات‏ ‏والمتاعب‏.‏أخطاء‏ ‏من‏ ‏رجال‏ ‏الحكم‏ ‏وأخطاء‏ ‏من‏ ‏الشعب‏,‏وأخطاء‏ ‏من‏ ‏الكهنة‏ ‏وأخطاء‏ ‏من‏ ‏الأساقفة‏ ‏وأخطاء‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏حد‏...‏كل‏ ‏هذا‏ ‏مسئول‏ ‏عنه‏ ‏أثناسيوس‏ ‏لأنه‏ ‏سبب‏ ‏كل‏ ‏هذا‏,‏ولو‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏ركع‏ ‏وانحني‏,‏لو‏ ‏كان‏ ‏أخفي‏ ‏رأسه‏ ‏كانت‏ ‏تخلصت‏ ‏الكنيسة‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏المتاعب‏ ‏ولكن‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏صحة‏ ‏الإيمان‏.‏


الذين‏ ‏يبحثون‏ ‏علي‏ ‏السلام‏ ‏الرخيص‏,‏الذين‏ ‏يفهمون‏ ‏السلام‏ ‏بمعني‏ ‏الاستسلام‏,‏الذين‏ ‏يفهمون‏ ‏السلام‏ ‏بمعني‏ ‏التساهل‏,‏هؤلاء‏ ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏عصر‏ ‏وفي‏ ‏كل‏ ‏زمان‏ ‏يلومون‏ ‏أصحاب‏ ‏المبادئ‏ ‏القويمة‏ ‏التي‏ ‏يترتب‏ ‏عليها‏ ‏انقسام‏ ‏الناس‏,‏أو‏ ‏يترتب‏ ‏عليها‏ ‏إحداث‏ ‏قلاقل‏ ‏وافتراق‏ ‏في‏ ‏الرأي‏.‏هل‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏المسيحية‏ ‏التي‏ ‏يكرز‏ ‏بها‏ ‏هؤلاء‏,‏الذين‏ ‏يدعون‏ ‏إلي‏ ‏هذا‏ ‏السلام‏ ‏الرخيص‏ ‏أو‏ ‏هذا‏ ‏الاستسلام‏.‏ليست‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏مسيحية‏ ‏المسيح‏,‏لأن‏ ‏المسيح‏ ‏يقول‏:‏لا‏ ‏تظنوا‏ ‏أني‏ ‏جئت‏ ‏إلي‏ ‏الأرض‏ ‏لألقي‏ ‏سلاما‏ ‏بل‏ ‏سيفا‏,‏بل‏ ‏انقساما‏,‏جئت‏ ‏لأفرق‏ ‏الأب‏ ‏ضد‏ ‏ابنه‏...‏ولأفرق‏ ‏الحماة‏ ‏ضد‏ ‏كنتها‏ ‏وأعداء‏ ‏الإنسان‏ ‏أهل‏ ‏بيته‏ (‏مت‏10:34-36).‏معني‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏أن‏ ‏مبادئ‏ ‏المسيح‏,‏من‏ ‏شأنها‏ ‏أن‏ ‏ينقسم‏ ‏الناس‏ ‏بإزائها‏ ‏قسمين‏,‏قسم‏ ‏يقبلها‏ ‏وقسم‏ ‏يرفضها‏,‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏حرب‏ ‏بين‏ ‏من‏ ‏يقبلها‏ ‏ومن‏ ‏يرفضها‏.‏هذه‏ ‏هي‏ ‏حرب‏ ‏المبادئ‏,‏حرب‏ ‏الأفكار‏,‏حرب‏ ‏المواقف‏ ‏التي‏ ‏جاء‏ ‏المسيح‏ ‏ليخلقها‏ ‏ويثيرها‏ ‏ويزرعها‏ ‏في‏ ‏الأرض‏.‏المسيح‏ ‏رب‏ ‏السلام‏ ‏جاء‏ ‏ليخلق‏ ‏هذا‏ ‏الانقسام‏ ‏وليجعل‏ ‏فارقا‏ ‏بين‏ ‏النور‏ ‏والظلمة‏,‏وبين‏ ‏الحق‏ ‏والباطل‏,‏وبين‏ ‏الخير‏ ‏والشر‏,‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏حرب‏ ‏سجال‏ ‏بين‏ ‏أتباع‏ ‏الحق‏ ‏وأتباع‏ ‏الباطل‏,‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الحرب‏ ‏مطلوب‏ ‏عند‏ ‏المسيح‏,‏لأنه‏ ‏لو‏ ‏خمدت‏ ‏هذه‏ ‏الحرب‏ ‏معناه‏ ‏أن‏ ‏الكنيسة‏ ‏بمبادئها‏ ‏قد‏ ‏ماتت‏.‏جسم‏ ‏الإنسان‏ ‏عندما‏ ‏يكون‏ ‏محموما‏,‏معني‏ ‏الحمي‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏حربا‏ ‏بين‏ ‏الميكروبات‏ ‏الغريبة‏ ‏التي‏ ‏دخلت‏ ‏إلي‏ ‏جسم‏ ‏الإنسان‏,‏وبين‏ ‏الكرات‏ ‏البيضاء‏ ‏التي‏ ‏في‏ ‏الدم‏,‏التي‏ ‏مهمتها‏ ‏أن‏ ‏تحارب‏ ‏الأجسام‏ ‏الغريبة‏.‏طالما‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏حمي‏ ‏معناه‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الإنسان‏ ‏مازال‏ ‏حيا‏,‏وحياته‏ ‏تجعل‏ ‏كراته‏ ‏البيضاء‏ ‏تنضوي‏ ‏لمحاربة‏ ‏الميكروبات‏ ‏الدخيلة‏ ‏علي‏ ‏جسم‏ ‏الإنسان‏,‏لو‏ ‏خمدت‏ ‏هذه‏ ‏الحرب‏ ‏وأحيانا‏ ‏تخمد‏ ‏الحرب‏,‏ويصاب‏ ‏الإنسان‏ ‏ببرودة‏,‏وتكون‏ ‏هذه‏ ‏البرودة‏ ‏هي‏ ‏برودة‏ ‏الموت‏.‏إنما‏ ‏الحمي‏ ‏دليل‏ ‏الحياة‏,‏أنه‏ ‏مازال‏ ‏الجسم‏ ‏حيا‏ ‏ومازالت‏ ‏هناك‏ ‏حرارة‏,‏مازالت‏ ‏هناك‏ ‏مقاومة‏ ‏للميكروبات‏ ‏الضارة‏ ‏بجسمه‏,‏فإذا‏ ‏ظن‏ ‏بعض‏ ‏الناس‏ ‏أنه‏ ‏لكي‏ ‏يخمد‏ ‏الحمي‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يقتل‏ ‏الكرات‏ ‏البيضاء‏,‏فيجعل‏ ‏الميكروبات‏ ‏تلتهم‏ ‏الكرات‏ ‏البيضاء‏ ‏وحينئذ‏ ‏تنتهي‏ ‏الحرب‏,‏وإذا‏ ‏انتهت‏ ‏الحرب‏ ‏يصاب‏ ‏الجسم‏ ‏بالبرودة‏ ‏وإذا‏ ‏أصيب‏ ‏بالبرودة‏ ‏فقد‏ ‏أصيب‏ ‏بالموت‏.‏لو‏ ‏توقفت‏ ‏الكنيسة‏ ‏عن‏ ‏حرب‏ ‏المبادئ‏ ‏لكان‏ ‏معناه‏ ‏أن‏ ‏الكنيسة‏ ‏ماتت‏ ‏وأن‏ ‏رسالتها‏ ‏قد‏ ‏انتهت‏.‏إنما‏ ‏بقاء‏ ‏الحرب‏ ‏دليل‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏الكنيسة‏ ‏حية‏ ‏والحرب‏ ‏علامة‏ ‏حياة‏ ‏وعلامة‏ ‏صحة‏.‏


أقول‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏لأن‏ ‏بعض‏ ‏الناس‏ ‏من‏ ‏المسيحيين‏ ‏يفهمون‏ ‏المسألة‏ ‏خطأ‏ ‏ويفهمون‏ ‏رسالة‏ ‏السلام‏ ‏بمعني‏ ‏الاستسلام‏,‏لا‏ ‏يرضون‏ ‏بمواقف‏ ‏القوة‏,‏ولا‏ ‏يرضون‏ ‏بمواقف‏ ‏إبراز‏ ‏الحق‏ ‏لأنه‏ ‏يعثره‏,‏ويظنون‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏عثرة‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هناك‏ ‏مواقف‏ ‏الصحة‏ ‏ومواقف‏ ‏البطولة‏.‏لو‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏مبادئ‏ ‏المسيح‏ ‏لما‏ ‏قال‏ ‏الكتاب‏ ‏عن‏ ‏المسيح‏ ‏إنه‏ ‏صار‏ ‏عثرة‏,‏المسيح‏ ‏صار‏ ‏عثرة‏ ‏لليهود‏ ‏وجهالة‏ ‏للأمم‏.‏المسيح‏ ‏صار‏ ‏عثرة‏ ‏لأنه‏ ‏ترتب‏ ‏علي‏ ‏عمل‏ ‏المسيح‏ ‏أن‏ ‏اليهود‏ ‏كرهوه‏,‏وهذه‏ ‏الكراهية‏ ‏قادتهم‏ ‏إلي‏ ‏أخطاء‏ ‏وإلي‏ ‏جرائم‏,‏فلولا‏ ‏المسيح‏ ‏لما‏ ‏كانوا‏ ‏سقطوا‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الجرائم‏ ‏الواضحة‏.‏إذن‏ ‏المسيح‏ ‏كان‏ ‏عثرة‏ ‏لليهود‏ ‏وكان‏ ‏جهالة‏ ‏للأمم‏.‏هل‏ ‏معني‏ ‏هذا‏ ‏أن‏ ‏المسيح‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏أن‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏عثرة‏ ‏بهذا‏ ‏المعني‏ ‏يتوقف‏ ‏عن‏ ‏رسالته‏ ‏فلماذا‏ ‏إذن‏ ‏جاء؟‏ ‏جاء‏ ‏المسيح‏ ‏ليبذر‏ ‏بذرة‏ ‏وهذه‏ ‏البذرة‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏تجد‏ ‏مقاومة‏,‏وهذه‏ ‏المقاومة‏ ‏تخلق‏ ‏هذا‏ ‏الجو‏ ‏من‏ ‏الانقسام‏ ‏والتغير‏,‏وهذه‏ ‏الحرب‏ ‏هي‏ ‏حرب‏ ‏المبادئ‏.‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏المسيحية‏ ‏ديانة‏ ‏السلام‏ ‏بمعني‏ ‏الاستسلام‏ ‏فلماذا‏ ‏كان‏ ‏الاستشهاد؟‏,‏لماذا‏ ‏كان‏ ‏أبطال‏ ‏الإيمان‏ ‏يتحملون‏ ‏كل‏ ‏عذاب؟‏ ‏لماذا‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏الأخطاء‏ ‏علي‏ ‏مجري‏ ‏التاريخ؟‏ ‏مادامت‏ ‏المسألة‏ ‏أن‏ ‏نحب‏ ‏السلام‏ ‏بهذا‏ ‏المعني‏ ‏الرخيص‏ ‏لماذا‏ ‏كان‏ ‏الاستشهاد؟‏ ‏هنا‏ ‏يصبح‏ ‏الاستشهاد‏ ‏حماقة‏ ‏في‏ ‏نظر‏ ‏البعض‏,‏عدم‏ ‏حكمة‏ ‏في‏ ‏نظر‏ ‏البعض‏,‏اندفاعا‏ ‏في‏ ‏نظر‏ ‏البعض‏,‏سببا‏ ‏للانقسام‏ ‏في‏ ‏نظر‏ ‏البعض‏.‏ولكن‏ ‏المسيحية‏ ‏باستمرار‏ ‏عاشت‏ ‏مضطهدة‏,‏وهذا‏ ‏الاضطهاد‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏حسب‏ ‏الظاهر‏ ‏أضرها‏ ‏لأنه‏ ‏حرمها‏ ‏من‏ ‏أعضائها‏,‏سواء‏ ‏بالموت‏ ‏أو‏ ‏الذين‏ ‏انسلخوا‏ ‏عنها‏ ‏بسبب‏ ‏الاضطهاد‏.‏الناس‏ ‏حسب‏ ‏الظاهر‏ ‏يعتقدون‏ ‏أن‏ ‏الاضطهاد‏ ‏أضر‏ ‏الكنيسة‏ ‏لأنه‏ ‏صفاها‏,‏طرد‏ ‏بعضا‏ ‏من‏ ‏أعضائها‏ ‏ممن‏ ‏خرجوا‏ ‏عن‏ ‏الإيمان‏ ‏خوفا‏ ‏من‏ ‏الاضطهاد‏.‏ولكن‏ ‏علي‏ ‏العكس‏ ‏مما‏ ‏يظنه‏ ‏بعض‏ ‏الناس‏,‏رأينا‏ ‏الاضطهاد‏ ‏كان‏ ‏بذار‏ ‏للإيمان‏,‏والاضطهاد‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏طهر‏ ‏الكنيسة‏ ‏من‏ ‏الأوراق‏ ‏الصفراء‏ ‏الضعيفة‏ ‏والواهنة‏ ‏التي‏ ‏سقطت‏.‏ونبتت‏ ‏بدلا‏ ‏منها‏ ‏براعم‏ ‏خضراء‏ ‏جميلة‏.‏الكنيسة‏ ‏لم‏ ‏تمت‏ ‏بالاضطهاد‏ ‏إنما‏ ‏عاشت‏ ‏بالاضطهاد‏,‏طالما‏ ‏الكنيسة‏ ‏تعيش‏ ‏بسياسة‏ ‏سيدها‏ ‏فتعيش‏ ‏فيها‏ ‏حرارة‏ ‏الإيمان‏,‏وهذه‏ ‏الحرارة‏ ‏لازمة‏ ‏لبقائها‏ ‏ولوجودها‏,‏إنما‏ ‏لو‏ ‏أنها‏ ‏في‏ ‏سبيل‏ ‏ومن‏ ‏أجل‏ ‏أن‏ ‏تتجنب‏ ‏الاضطهاد‏ ‏تستسلم‏ ‏للواقع‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏السلام‏ ‏الرخيص‏,‏لأصاب‏ ‏الكنيسة‏ ‏برودة‏ ‏الموت‏ ‏وانتهت‏ ‏رسالتها‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏.‏


أيها‏ ‏الإخوة‏ ‏والأبناء‏ ‏نحن‏ ‏اليوم‏ ‏نمدح‏ ‏أثناسيوس‏,‏لكن‏ ‏أؤكد‏ ‏لكم‏ ‏أنه‏ ‏لو‏ ‏عاش‏ ‏أثناسيوس‏ ‏اليوم‏ ‏لانصرف‏ ‏أكثركم‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏أثناسيوس‏,‏لاتهمتموه‏ ‏بالغباوة‏ ‏وبالحماقة‏,‏لقال‏ ‏أكثر‏ ‏المسيحيين‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏عنيد‏ ‏سبب‏ ‏لنا‏ ‏متاعب‏,‏هؤلاء‏ ‏يهمهم‏ ‏سلام‏ ‏الكنيسة‏ ‏ولو‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏المبادئ‏,‏وهذا‏ ‏يدلكم‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏روحا‏ ‏غبية‏,‏روحا‏ ‏ليست‏ ‏من‏ ‏روح‏ ‏آبائنا‏ ‏الشهداء‏ ‏قد‏ ‏تسربت‏ ‏إلي‏ ‏شعبنا‏,‏ودخل‏ ‏الموت‏ ‏ودخل‏ ‏الضعف‏ ‏ودخلت‏ ‏الاستكانة‏.‏أصبحنا‏ ‏طبولا‏ ‏يهزها‏ ‏الهواء‏,‏بينما‏ ‏كان‏ ‏آباؤنا‏ ‏أبطالا‏ ‏صناديد‏ ‏يقفون‏ ‏أمام‏ ‏المتاعب‏ ‏كالجبل‏ ‏الأشم‏ ‏لا‏ ‏يلين‏ ‏ولا‏ ‏يتحرك‏,‏وكان‏ ‏يقال‏ ‏عن‏ ‏آبائنا‏ (‏إن‏ ‏تحريك‏ ‏جبل‏ ‏عن‏ ‏موضعه‏ ‏أيسر‏ ‏من‏ ‏تحريك‏ ‏قبطي‏ ‏عن‏ ‏موضعه‏).‏كانت‏ ‏روح‏ ‏البسالة‏ ‏وروح‏ ‏الشجاعة‏ ‏وروح‏ ‏الاستمساك‏ ‏والارتباط‏ ‏بالمبدأ‏,‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏رائدة‏ ‏شعبنا‏ ‏ومن‏ ‏خصائصنا‏ ‏المحافظة‏ ‏كقول‏ ‏المسيح‏ ‏له‏ ‏المجد‏:‏الذي‏ ‏عندكم‏ ‏تمسكوا‏ ‏به‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏أجئ‏ (‏رؤ‏2:25).‏أما‏ ‏التساهل‏ ‏فصار‏ ‏في‏ ‏شعبنا‏ ‏اليوم‏ ‏موجة‏ ‏وموضة‏,‏ويظن‏ ‏هذا‏ ‏المتساهل‏ ‏أنه‏ ‏مسيحي‏ ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏السلام‏.‏ليس‏ ‏هذا‏ ‏سلام‏ ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏الاستسلام‏,‏إنه‏ ‏برودة‏ ‏الموت‏,‏إن‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏المواقف‏ ‏رأي‏ ‏بعضا‏ ‏من‏ ‏تلاميذه‏ ‏تراجعوا‏ ‏إلي‏ ‏الوراء‏,‏فنظر‏ ‏إلي‏ ‏الباقين‏ ‏منهم‏ ‏وقال‏ ‏لهم‏:‏هل‏ ‏أنتم‏ ‏تريدون‏ ‏أن‏ ‏تمضوا‏ ‏أيضا‏ (‏يو‏6:67)...‏تريدون‏ ‏أن‏ ‏تمضوا‏ ‏امضوا‏...‏لا‏ ‏يرضي‏ ‏المسيح‏ ‏أبدا‏ ‏بهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏السلام‏ ‏ولا‏ ‏بهذا‏ ‏التراجع‏ ‏أو‏ ‏التقهقر‏ ‏عن‏ ‏المبادئ‏,‏وإنما‏ ‏المسيح‏ ‏يقول‏:‏الذي‏ ‏عندكم‏ ‏تمسكوا‏ ‏به‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏أجئ‏ ‏كن‏ ‏أمينا‏ ‏إلي‏ ‏الموت‏ ‏فسأعطيك‏ ‏إكليل‏ ‏الحياة‏ (‏رؤ‏2:10).‏ما‏ ‏معني‏ ‏الأمانة؟‏ ‏ما‏ ‏معني‏ ‏الأمانة‏ ‏والأمانة‏ ‏إلي‏ ‏الموت؟‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏معناها؟‏...‏إذا‏ ‏كان‏ ‏منهجنا‏ ‏منهج‏ ‏الاستسلام‏,‏منهج‏ ‏السلام‏ ‏الرخيص‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏المبادئ‏,‏هذه‏ ‏خيانة‏ ‏لديانتنا‏,‏خيانة‏ ‏لمسيحنا‏,‏خيانة‏ ‏لأرثوذكسيتنا‏.‏هذه‏ ‏أمور‏ ‏ينبغي‏ ‏أن‏ ‏تصحح‏,‏هذه‏ ‏ثورة‏ ‏التصحيح‏ ‏التي‏ ‏نادي‏ ‏بها‏ ‏أثناسيوس‏,‏أن‏ ‏يقف‏ ‏الإنسان‏ ‏عند‏ ‏مبدئه‏,‏ولو‏ ‏وقف‏ ‏لوحده‏ ‏وحيدا‏,‏ولو‏ ‏وقف‏ ‏العالم‏ ‏كله‏ ‏ضده‏,‏قالوا‏ ‏له‏ ‏فعلا‏ ‏أنت‏ ‏واقف‏ ‏لوحدك‏ ‏العالم‏ ‏كله‏ ‏ضدك‏,‏قال‏:‏وأنا‏ ‏بنعمة‏ ‏إلهنا‏ ‏ضد‏ ‏العالم‏.‏مثل‏ ‏ما‏ ‏قال‏ ‏الرسول‏:‏حاشا‏ ‏لي‏ ‏أن‏ ‏أفتخر‏ ‏إلا‏ ‏بصليب‏ ‏ربنا‏ ‏يسوع‏ ‏المسيح‏ ‏الذي‏ ‏به‏ ‏صلب‏ ‏العالم‏ ‏لي‏ ‏وأنا‏ ‏للعالم‏ ‏الصليب‏ ‏خشبتان‏ ‏متعارضتان‏ ‏واحدة‏ ‏أفقية‏ ‏وواحدة‏ ‏رأسية‏,‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تكونا‏ ‏متوازيتين‏,‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏أبدا‏ ‏التقاء‏ ‏إلا‏ ‏في‏ ‏التعامد‏ ‏والتعارض‏,‏هذه‏ ‏أفقية‏ ‏وهذه‏ ‏رأسية‏ ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏التقاء‏ ‏إلا‏ ‏علي‏ ‏أساس‏ ‏التعامل‏ ‏والتعارض‏. ‏
المــــــــــــــــــــــراجع
(1) عن مقالة للعلامة القبطى الأنبا أغريغوريوس أسقف الدراسات العليا بعنوان " شجاعة‏ ‏القديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الرسولي " وردت فى جريدة وطنى بتاريخ الصادرة فى 14/5/2006 م السنة 48



ليست هناك تعليقات: