مرحباً بكم في مدونة المسيح مخلصي وهى تحتوي على موضوعات مسيحية متعددة بالاضافة الي تاريخ الاباء البطاركة المنقول من موسوعة تاريخ اقباط مصر للمؤرخ عزت اندراوس بالاضافة الي نشر الكثير عن تاريخ الاباء

السبت، مايو 28، 2011

البطاركة الذين عاصروا الإحتلال العباسى الإسلامى السنى البابا يوحنا الرابع البطريرك الــ 48

البابا يوحنا الرابع البطريرك الــ 48
القرعه الهيكليه 768م وديمقراطيه الأقباط
إمتدت سلطه مصر شرقا وغربا ، بحيث ان والى مصر كانت له السلطه على منطقه سيناء والجزء الأوسط من الحجاز ، ثم ضم ولاه مصر منطقه ولايه برقه الى حكمهم سنه 765م0( مختصر تاريخ مصر ج2 المبحث الثانى لجاستون فييت ص127

القرعه الهيكليه:
ظل كرسى مرقس الرسول شاغرا لمده سنه ، لعدم إتفاق الأراء على إختيار وإنتخاب شخص معين ، فإتفقوا على إجراء قرعه بين المرشحيين من الرهبان إلا أنه من المؤكد أن بطاركه الإسكندريه كانوا يختارون من غير الرهبان وكان معظم هؤلاء البطاركه من المتزوجين كما كان لهم أولاد ، إلا أنه بمضى الزمن وجد الأقباط أن أنسب فئات الشعب المستحقه لهذه الرتبه هم الغير متزوجين أو الرهبان لتفرغهم الكامل للخدمه0 وحان وقت إختيار بطريركا .
إختار الشعب من بين الرهبان مائه راهب والشروط التى طبقوها فى هذا الوقت هو **أن يولد حرا وليس مولودا من طائفه العبيد**من والدين شريفين( من عائله معروفه بالسمعه الطيبه)**أن يكون إبنا لفتاه بكر( أى أنها لم تتزوج قبل والد المرشح لإن الزواج الثانى أقل أهميه من الزواج الأول) هذا غير شروط الدسقوليه الأخرى التى منها أن يكون قوى البنيه صحيح الجسم غير مشوه وعمره 50 سنه على الأقل لايكون سفك دم إنسان أو حيوان متعلم عارف بلغه بلاده ذو طيبه وسلوك مستقيم الرأى وعقل واسع وعلم كامل ولا يسمح للأساقفه بترشيح أنفسهم ، ولا يسمح بالجهه المدنيه سواء أكانوا الخلفاء أو الولاه المسلميين أو الأباطره المسيحيين فإذا أوصى الوالى المسلم بتعيين رجل ينتخبه هو ، فلا بد من رفض وصيته ولو كلف هذا الرفض حياه الأمه0
وفحصوا المرشحيين وجدوا خمسين تتوفر فيهم بعض الشروط ، وبالتدقيق صاروا خمسه وعشرين ثم أصبحوا عشره ثم ثلاثه ، ومع ذلك لم يتفق الشعب على واحد ، فأدخلوا الله فى الأمر وذلك عن طريق إجراء القرعه وسميت بالهيكليه لإنها تجرى فى داخل الهيكل ، وأعطوا الله نصيبا بأن أحضروا أربعه ورقات من الورق كتبوا على ثلاث منها على كل واحده إسم مرشح وعلى الورقه الرابعه إسم يسوع المسيح ابن الله ، ووضعت الورقات الأربع فى قاروره ووضعت القاروره تحت المذبح ، وأقاموا الخدمه الكنائسيه أكثر من 24 ساعه وعند إنتهاء الصلوات يحضرون أصغر صبى فى الكنيسه ويشار إليه بأن يستخرج أحد المرشحين من الورقات الأربع الموضوعه فى القاروره تحت المذبح ، فإذ إستخرج الصبى ورقه عليها إسم أحد المرشحيين يعين الشخص بطريركا ويوضع عليه الأيادى وتتم الصلوات الخاصه بذلك ، أما اذا كان سحب إسم سيدنا المسيح فيعتبر أن الله غير رلضى عن هؤلاء المرشحين الثلاثه فتعاد عمليه الترشيح ثانيه0 وفى أول إقتراع بالقرعه الهيكليه إختير
راهبا قسا إسمه يوحنا .
ولد يوحنا فى نبا وأبى صير وترهب فى دير وادى هبيب ولم يكن إسمه بين المكتوبين فذكره لهم شيخا وقورا وعدد فى فضائله ويقول القس منسى فى كتابه ص 325 فكتبوا إسمه وصلوا ثلاث مرات وكانوا يسحبون الأوراق فى كل مره فخرج إسمه فى الثلاث مرات والجميع يهللون قائلين0(حقا مستحق) وكان يوحنا هو الرابع فى تاريخ البطاركه بهذا الإسم لذلك سمى يوحنا الرابع وجلس على كرسى مرقس الرسول 24 سنه0وتمت رسامته فى 484ش 768م وأصبح البابا رقم 48 بعد مرقس رسول المسيح ومبشر الأمه القبطيه0 ونال الرتبه فى شهر أمشير سنه 478ش 776 م عاصر هذا البابا الخليفه محمد المهدى .
رساله الشركه :
وأول عمل من أعمال هذا البابا هو أنه أرسل رساله الشركه الى جرجس البطريرك الأنطاكى الذى تلقاها بفرح عظيم فجمع الأساقفه والشعب وتلى عليهم رساله المحبه والأخاء التى جمعت بين الكنيستين0 وكان جرجس قد ألقى فى السجن لمده 10 سنين وجلس على كرسى أنطاكيه إبن خادمه الخليفه الذى لم يخاطب البطريرك الإسكندرى لإنه يعرف رأى الإسكندريين فى إغتصاب الرتب الكهنوتيه ولما مات عاد جرجس ثانيه وجلس على كرسيه ففرح برساله بطريرك الإسكندريه0
فى هذا الوقت مات البطريرك الملكى قزمان بعد أن جادل وناقش فى موضوع تكسير التماثيل والإيقونات والصور فى الكنائس ، وكانت الخلافات قويه بين الأراء المختلفه حول هذا الموضوع فى أوربا والشام والقسطنطينيه ، فى الوقت الذى لم تتدخل الكنيسه القبطيه فى هذا الموضوع لإن عباده الصور والتماثيل لم تكن من ضمن معتقداتها ، ولكن تضع سر الميرون على بعض الإيقونات ، والأمتين القبطيه والرومانيه لإتفقتا على تحريم إقامه التماثيل فى الكنائس وإكتفتا بالصور والرسوم فقط0

وصرف البطريرك على إعاده بناء الكنائس التى هدمت فى الإضطهادات ، فشاد كنيسه رئيس الملائكه ميخائيل فى الإسكندريه وبجوارها دار لسكناه ويعتقد أن هذا البطريرك كان من عائله غنيه، فحركت حركه بناء الكنائس وخاصه كنيسه رئيس الملائكه غيره الأروام (اليونانين) ببهائها وذخرفها .
فذهب أحدهم كان إسمه يوليانوس كان طبيبا ماهرا ومشهورا لدى الخلفاء حاول كثيرا الإستيلاء على الكنائس القبطيه فلم يستطع لهياج الشعب ضده وضد الأوامر الصادره ، اما تهمه لم يكن هناك من يصدقها لإحترام الجميع للبابا يوحنا الرابع نال ثقه الولاه لحسن خلقه وهدوء طباعه وإنتشرت سيرته الصالحه على كل لسان فذهب الطبيب الى الخليفه المسلم قائلا: إن البطريرك القبطى يأخذ أملاك الحكومه ويوسع بها الكنائس غير أنه بعد التحقيق فى هذه التهمه ظهر كذب الإدعاء بل ان الخليفه أمر البطريرك بإتمام بنائها فتم بنائها فى 5 سنين وكانت تسمى كنيسا التوبه0 وساعد البابا شماس إسمه يوحنا صار إسقفا لمدينه سخا بعد وفاه البابا وعندما كان يبنى الكنائس كان الكثيرون يعملون فى فرح والبعض يسلمون له أموالهم ليبنى بها الكنائس ،
وإشتهر فى أيامه قيما فى كنيسه ابن مينا فى الإسكندريه إسمه مرقس ، إشتهر بتقواه وكان يجود الألحان وقرائه التراتيل فعمل نهضه كبيره فى إجتذاب النفوس فكانت الكنيسه تزدحم بالشعب ، والكثيرون يبكرون لئلا تفوتهم قرائته وأعطاه الله نعمه فى صوته الحلو العذب يدخل القلوب فيفتحها للمسيح وكانوا الأقباط يبكرون الى الكنيسه ليستمتعوا بالألحان والقرائات الشجيه لهذا الشماس وكانت عيونهم تغرورق بالدموع خاصه عندما ينشد الألحان الحزاينى فى جمعه الألام (راجع قصه الكنيسه القبطيه أيريس حبيب المصرى ج 2ص396) ، فإتخذه البابا تلميذا له وأعطاه رتبه كهنوتيه وكان يزداد تواضعا وإشتاق ان يترهب فطلب من البابا أن يلبسه إسكيم الرهبنه فأخذه الى دير أبى مقار وكرسه فيه ويقال أن أحد شيوخ الدير تنبأ بأنه (سيكون خليفه مرقس الرسول)
كنيسه أنطاكيه والمحبه الأخويه:
إنتقل الى السماء بطريرك أنطاكيه السابق ذكره فخلفه راهب ورع وقديس إسمه كريا كوس بادر بإرسال خطاب المحبه الأخويه والشركه الى البابا السكندرى ، ولم يكتفى فقط بإرسال خطاب بل أنه كلف ثلاثه بطاركه ليحملوا خطابه ، وكان رئيس الوفد الأنطاكى مارأنسطاسيوس مطران دمشق ، قابلوهم الأقباط بحفاوه بالغه وفرح عظيم وفى وسط إحتفال كبير يوم الأحد قرأ البابا المصرى رساله البطريرك الأنطاكى على الشعب القبطى أثناء إقامه الصلاه وفى حضور الوفد الأنطاكى ، وفى أثناء زيارتهم لمصر زاروا الأديره القديمه وزاروا أديره الشهداء ومنها دير الشهيده دميانه وصاحباتها وفى دليل المتحف القبطى لمرقس سميكه ج1ص59 ذكر أنه ورد فى سيره بطريرك أنطاكيه ان الأساقفه الذين أرسلهم لزياره مصر فى هذا الوقت أبلغوه عن إعجابهم عما رأوه من جمال كنائس الأسكندريه ونقوشها الجميله ، كما أبدوا دهشتهم من نظام تلك الكنائس والطقس الكهنوتى بها ، وأبدوا ملاحظاتهم على سكون الشعب ووقاره أثناء تأديه الصلاه 0 إستمرار الإهمال أدى إلى الإنهيار: بدأت آثار الإنهيار الإقتصادى فى مصر تظهر بشكل ملحوظ ، وكان سببه جشع الولاه والخلفاء المسلمين فى الأخذ بدون عطاء ، أخذوا ثروات مصر التى حافظ عليها الإحتلال البيزنطى وهذا الإهمال العربى أدى الى ظهور المجاعات والأوبئه والقحط ، فلم يطهر العرب ترعه ولم يحفروا مجرى مائيا جديدا ، حتى الترع الموجوده ردمت على مر السنين من طمى الذى يحمله النيل كل سنه0 وإذا جاء النيل منخفضا لا يرتفع الى مستوى هذه القنوات ، فيشح الماء وتقل الزراعه ، ويعقبه مجاعه قاسيه ، ولسبب المجاعات ضعف المصريون الأقباط وراحت منهم الثروه وصار الفقراء يموتون من ضعف قواهم ، وصار الجنود المسلمون يقتلونهم لعدم وجود الغذاء اللازم لإعالتهم ، ومن الأمور المحزنه أنه أراد أحد الولاه المسلمين فى هذا العصر تطهير الترع فجمع بالإرهاب عددا كبيرا من الأقباط ولم يجهز لهم قوتا لمده يوم فماتوا من الجوع وتركهم فى العراء بدون دفن جثثهم فأوجد هذا الأمر وباء وإنتشر أيضا الطاعون فزاد البلاد شقاء (تاريخ الأمه القبطيه ا0ب0تاتشرص215)
صرف البابا يوحنا كل ما عنده من أموال فى إطعام الجياع وسد حاجات البائسين وكلف تلميذه مرقس أن يخدم كل محتاج وكان يتكلم مع الأغنياء لمساعده المحتاجين حتى يشفق الرب ويرفع الغلاء والقحط ، وحدث أن جرجس أسقف مصر تنيح فذكت رعيته ورشحت مرقس السابق ذكره ليكون أسقفهم فشدد عليه بقبول رتبه القسوسيه حتى يستطيع رسمه أسقفا ، ولكنه طلب ان يعفيه من هذه الخدمه التى لا يستطيع حملها فلم يقبل البابا أعذاره ففر مرقس وإضطر مرقس أن يرسم قسا إسمه ميخائيل أسقفا على مصر، فتضايق البابا من مرقس وأرسل الى شيخ قديس بالبرلس إسمه جرجس أخبره فيه ما فعله مرقس وعدم طاعته فأرسل إليه الشيخ جرجس قائل: " ان عدم قبوله الإسقفيه من الله لإن الله إختاره ليصبح بطريركا بعدك0" فطلب البابا من مرقس أن يرجع الى مكانه ورفع شأنه ثوره بنى أميه:
وحدث أن رجل من بنى أميه كان يعيش فى الصعيد ، أعلن نفسه خليفه على مصر وبايعه مسلمى الصعيد وجمع جيشا كبيرا ، ولم يستطع جيش الوالى ان ينتصر عليهم ، فتحدى أخو الوالى زعيم الثوار فى قتال فردى ، فقبل التحدى ، فإندفع الخصمين يتقاتلان حتى الموت ، الى ان إستطاع كل منهما أن يغمد سيفه فى صدر الآخر ، ومات كليهما فى الحال ، فإنسحبا الجيشان فى الحال ، ثم عاود ثوار الصعيد لقتال العباسيين بعد ثلاثه أيام من هذه الحادثه ، وإشتدت حده المعارك وأصبح الصعيد مسرحا للعمليات الحربيه بين الخصمين ، وسمع الخليفه بالحرب الدائره فأرسل الفضل بن أبى صالح العباسى قائدا لجيش كبير لقمع ثوره أهل الصعيد وبعد معارك ضاريه تمكن من الإنتصار على الثوار وتغلب بصعوبه عليهم وأعاد السلام والهدوء للبلاد( تاريخ مصر فى العصور الوسطى 0 ستانلى لاين بوول لندن 1936،ص34) الوالى يهدم كنائس الأقباط :
ولما مات المهدى وتولى الهادى الخلافه بعده عزل أبا الفضل الذى يحب العدل والإنصاف وعين على ابن سليمان العباسى ( ابن اخى الخليفه الهادى) وعندما تسلم على ابن سليمان الولايه كان يعتقد ان هدم الكنائس هو هدف الدين الإسلامى ، فهدم الكثير من الكنائس وهدم المتعصبين عددا آخر من الكنائس ، بالرغم من ان كان هذا الوالى يحسن معامله القبط ! حدث ان ذهب البابا الى الفسطاط ليجمع خراج الكنائس وذهب لمقابله الوالى فقال له انه قرر أن يهدم الكنائس ولكن الله اماته بعد أن بدأ فى عمله الشيطانى وعين مكانه إنسان محب للنصارى فساعدهم فى بناء الكنائس التى بدأ الوالى السابق فى هدمها وكان البابا يستعد للعوده الى الإسكندريه لصلاه عيد الميلاد هناك ولكن طلب منه الشعب فى مصر ان يمكث معهم لقضاء العيد ويصلى العيد ويناولهم من الأسرار المقدسه0 فلما دخل الكنيسه رآها بغير سقف فتنهد وكانت دموعه تنساب على خديه وطلب من الرب ان يقويه ليكمل بناء هذه الكنيسه ولكن الله لم يمنحه أن يستمر فى خدمته كما كان داود الملك له إشتياق أن يبنى هيكل الرب فبناه إبنه سليمان ، ويقال ان ملاك الله ظهر له عن يمين المذبح وقال له لقد إستحققت أيها الخادم الأمين أن تنال المجازاه من يد الآب السمائى ولا تحزن لإنه سيمنح البابا الآتى بعدك نعمه تجديد الكنائس المتهدمه0" اما البابا فلما أكمل الصلاه شعر بضعف وشعر بوجع فى رأسه فطلب من الأساقفه أن يسافروا به الى الإسكندريه فحملوه فى مركب وصاحيه ميخائيل اسقف مصر وجرجس اسقف ممفيس ووصل الى الإسكندريه وهو يصارع المرض وقبل نياحته أوصى كل من حوله قائلا ( المختار من الله لنوال رتبه الباباويه من بعدى هو مرقس تلميذى وإبنى الروحى " ولحق بآبائه بعد ان أوصى بمرقس أن يتسلم الأمانه المرقسيه من بعده ومات فى 16 من شهر طوبه سنه 502ش 799م وذكر القس يوحنا ان يوم مماته هو يوم ميلاده وهو يوم تعيينه بطريركا ومكث يخدم كنيسه الله 24 سنه

الإستيلاء على الكنائس القبطيه هى أجره شفاء جاريه:
فى سنه 795 عين هارون الرشيد الخليفه أخوه عبيد الله بن المهدى فأرسل الى أخيه فتاه مصريه جميله جدا ، ليتخذها الخليفه محظيه له ، نالت هذه الفتاه إعجابه الشديد وتعلق بها ، ولما مرضت حزن وإكتئب ، فأحضر لها مشاهير الأطباء فى العراق لعلاجها ، ولكنهم فشلوا فى علاجها فقالت هذه الجاريه الحسناء للرشيد: " أنه لا يعرف دائها إلا أطباء مصر الذين عرفوا بالمهاره فى الطب والجراحه0" وكان هرون الرشيد يعرف مقدره أطباء مصر فى معالجه الأمراض فقد إختبرها بنفسه ، فأرسل يطلب أعظم أطباء مصر ، فذهب إليه بوليشان بطريرك الملكيين ( الأروام ، اليونانيين ) بمصر وكان أحسن الأطباء معرفه وحكمه وعلما فى هذا العصر فذهب الى مدينه السلام (بغداد حاليا) فعالج خليله الخليفه بالأدويه المختلفه الى أن شفيت تماما ، فسأله الخليفه هرون الرشيد أن يطلب ما يشاء من أجرا لأتعابه فطلب البطريرك الملكى ( الأروام) أن بعض الكنائس التى فى يد يوحنا بطريرك الأقباط تعطى له هديه لا ترد ، فأعطاه الخليفه كتابا بذلك ، وأجاب له طلبه ونال ما تمناه0
ثورة القبط فى ايام البابا يوحنا
 
وفى القول الإبريزى للعلامة المقريزى قال : " فى سنة  768  ميلاديه فلما  مات  الانبا  مينا  قدم  القبط  بعده  يوحنا  فاقام  ثلاث وعشرين سنه ومات وفى ايامه خرج القبط  ببلهيت سنة ست وخمسين  فبعث اليهم موسى بن على امير مصر  وهزمهم  "
 

البطاركة الذين عاصروا الإحتلال العباسى الإسلامى السنى - البابا البابا مينا الأول البطريرك رقم 47

البابا مينا الأول البطريرك رقم 47..

صنعه جابر

إنتخب الشعب والأساقفه القس مينا الراهب من سمنود ببيعه أبى مقار وكان فى شبابه تلميذا للبابا خائيل ، وجلس مينا الأول البابا رقم ( 47) على كرسى مرقس رسول المسيح فى شهر برموده 486 ش 767م 0 وعاصر الخليفه المنصور بن محمد 0 بدأ هذا البابا عهده ببناء ما تهدم من كنائس وكان الأقباط والمسلمون يتعجبون من النعمه الباديه على وجهه ، وإستطاع أن يتمم بنائها فى سرعه لما كان هناك هدوءا فى البلاد وكأن الله أراد ذلك حتى يستطيع البابا أن يواجه عاصفه أخرى داخليه ( أى من شخص قبطى والمؤلم أنه راهب الذى يعتبر زاهدا فى حياه العالم وسلطانه) ويعلق كتاب تاريخ الأمه القبطيه ا0ب0تاتشر ج3 ص208عما حدث قائلا (أن عله الأقباط من قديم الزمن منهم فيهم 0 ودائهم صادر منهم)
بطرس وصنعه جابر: حدث ان راهبا إسمه بطرس من قريه تسمى ديسمه ، طمع فى نوال رتبه الأسقفيه ، وإستهان بشريعه الله المعطاه لتلاميذه القديسين ، فألح على البابا ، ولكنه رفض طلبه لعدم إستحقاقه (كان هذا الراهب معتد بنفسه متكبرا ذو خيلاء متسلطه وكبرياء محب للرياسه والسلطه أنانيا ومتعجرفا سارقا ولصا وخادعا ومغرورا )، فأخذ يشيع الأقاويل على البابا ، فإستدعاه البابا ونصحه بأن يترك طريق الشر الذى يسير فيه لإن آخرته مره ، إلا أنه تمادى فى شره
فكتب خطابا الى البطريرك الأنطاكى مقلدا خط البابا مينا ووقعه بإمضاء مزيف للبابا 0 وذكر فيه أن الحروب والثورات والإضطهادات قد إستنذفت كل المال الموجود فى الخزانه الباباويه ، وطلب من البطريرك الأنطاكى أن يمد له يد المساعده 0 وذهب بالخطاب الى البطريرك الأنطاكى وإدعى أنه مبعوث من البابا بنيامين1 ، وإنخدع البطريرك الأنطاكى وسارع بجمع المال وأعطاه له ليمد يد المعونه لكنيسه الإسكندريه الشقيقه ، وزوده أيضا بتوصيات الى كبار وعظماء قومه الذين يعملون فى بلاط الخليفه ليجمع منهم بعض المال ، وإستعمل التوصيات والمال الذى حصل عليه كرشاوى لموظفى البلاط ليقدموه للخليفه ،
وعندما مثل هذا المنافق امام الخليفه ووقع نظر الخليفه عليه تعجب وإندهش ، لإنه كأنما يرى إبنه الذى كان قد مات منذ عده شهور حيا مره أخرى أمامه ، ففرح به وأخذه الى زوجته الباكيه والنائحه لكى تتعزى ، ونال بطرس الراهب حظوه ومكانه عند الخليفه وزوجته مالم تكن فى الحسبان ، فعاش فى قصر الخلبفه عده شهور ، وسأله الخليفه فيما يتمناه أو ان له مطلبا كان السبب فى الحضور إليه ليمنحه إياه ، وكان كل أمنيه بطرس ان يصير أسقفا ، إلا أنه بعد صداقته للخليفه الملك الأرضى طلب أن يصير بابا الإسكندريه وبطريرك الكرازه المرقسيه ، فكتب الخليفه المنصور كتابا الى الوالى عبد الرحمن وكلفه بأن يجهز لبطرس ثيلبا فاخره ويكتب عليها بالخط العربى " بطرس بطريرك مصر " وألحقها بإسم الملك فغيرها بطرس بعد إسمه ب ( عبد الملك) وكأن الله أراد أن يفضح هذا الحقير بأنه يشتاق الملك الأرضى أكثر من السمائى ، وأنه عبد الخليفه الملك وليس عبد ملك الملوك ورب الأرباب
وصل بطرس الى مصر متوهبا أنه حصل على القياده الروحيه بعزل البابا مينا1 بكتاب الخليفه ، وأرسل الوالى يستدعى البابا الى دار الولايه ، وأحس البابا أن فى الامر شيئا فتوسل فى صلاه حاره أن يقف الله معه فى ما يطلبه منه الوالى ، وعندما دخل قاعه الإستقبال وجد بطرس الراهب هناك ، قال له الوالى: " قد تسلمت رساله من الخليفه يطلب منك الخضوع لمسيحى من أولادك0" وفهم مينا الأول البابا القبطى معنى هذه الكلمات فتفرس فى وجه بطرس وقال أن إنجيلنا يقول ( لا ينال هذه الكرامه أحد من تلقاء ذاته بل من دعاه الله كما دعا هارون) راجع الكتاب اليهودى الخروج28 وعبرانيين 5: 4 وقال أيضا سيدنا المسيح كل غرس لا يغرسه أبى السماوى يقلع ويلقى به فى النار راجع متى 15:13 فإن إغتصبت رتبه الكهنوت فسوف تنزع عنك وستنتهى فقيرا حقيرا ومصيرك سيكون الهاويه ) فأجابه بطرس: أننى أحمل كتاب الخليفه وما عليك إلا الخضوع وإلا فسوف يتصرف معك الخليفه0 " وأراد أن يذكر الوالى بواجبه فقال: " كيف يجرؤ هذا الأسقف على مخالفه أوامر الخليفه أمامك0" فذعر الوالى من هذا التهديد الخفى ونظر الى البابا القبطى فشعر البابا بتضارب الصراع الداخلى فى الوالى يطيع الخليفه ام يقف مع الحق ، وهنا قال البابا:" لا ينبغى أن يطاع الخليفه وأكون ضد الله " فسأل الوالى بطرس على الإجراءات الواجب إتباعها فى هذه الحاله فقال أن يرسل فى إستدعاء الأساقفه الى الفسطاط ويلزمهم بطاعته ويذهب الى الإسكندريه ليتسلم كنائسها ويعتقل البابا وتادرس أسقف مصر ،
وفى يوم الأحد التالى كان الأساقفه وصلوا الى بابليون وإجتمعوا فى صلاه خاصه من أجل الكنيسه ، ولم ينتظر هذا المغرور حضور ألساقفه الى دار الولايه بل أنه ذهب الى الكنيسه حيث كانوا يصلون ومعه جنود الوالى ، وتقدم أمامهم وصعد الى الهيكل لابسا رداء الملك ليقول صلاه الشكر كالبطريرك ، متزينا بالقلنسوه المكتوب عليها إسم الملك على رأسه ، ولما شاهد الأباء الأساقفه إستهانته بمقدسات الله ، أسرع مينا أسقف صنبو وأنبا موسى أسقف أوسيم وأمسكا بالقلنسوه ورميا به من الهيكل وقال له الأساقفه: " لا تقف أمام الهيكل لئلا تنجسه بأعمالك ، فأمر الجنود بالقبض عليهم ووضع فى رقابهم وأرجلهم السلاسل الحديديه ووضعهم فى السجن0 وأنتظر البابا ورفقاؤه الموت بين لحظه وأخرى ، وطلب بطرس من الوالى أن يأتى بهم من السجن ، قال بطرس: " إحضر لى أوانى الذهب والفضه لتحمل الى الخليفه فقال البابا: " إن الكنيسه من توالى الإضطهادات والطمع والجشع فقدت ما عندها من المعادن الثمينه "
وهنا قال له بطرس أنا أعرف أنك تملك كتاب صنعه جابر يمكنك أن تصنع به ذهبا وفضه ( أطلق عليها فى العصور الوسطى صنعه جابر ويسميه بعض الأغبياء الإسطرلاب وكان العامه والجهلاء يعتقدون بإمكانيه تحويل المعادن الرخيصه مثل الحديد والنحاس وغيرها الى معادن ثمينه مثل الفضه والذهب وقد قرأت كتابا كان يمتلكه أحد الأصدقاء مخطوط باليد غلافه من جلود الحيوانات لا يخرج عن خلط المعادن ببعضها البعض لعمل سبائك ، وأذكر أيضا أن أحد العلماء الفرنسيين فى العصور الوسطى قال أن هذه الصنعه ليست إلا صناعه سبائك ، وأضفى مؤلفى هذه الكتب شيئا من الخرافات وبعض الجداول الحسابيه وفى النهايه أضفوا عليه الطابع الدينى قائلين بتغير الحديد والنحاس بقوة أم الخلاص0)فقال البابا له: "إنه ليست لى معرفه عن هذه الكتب0" فغضب بطرس وأمر أن يشتغل الخليفه ومن معه فى طلى المراكب بالزفت فأستمر البابا فى هذا العمل لمده سنه ووجوههم إحترقت من الشمس ، حتى كان البعض يحزن عليهم والبعض يبكى من مشاهدتهم هكذا ، أما بطرس فكان يطالبهم بتسليم ألأوانى حتى يرضى الخليفه ، ولكن البابا قال له إذهب الى كنائس الإسكندريه ستجد ان كل أوانيها من الزجاج والخشب0 فساء ما عمله بطرس والوالى يزيد بن حاتم ببطريركهم ،
فعصى جماعه منهم فى الوجه البحرى وطردوا المستخدمين وجباة الجزيه المسلميين من بلادهم وصاروا يديرون بلادهم بأنفسهم ، وقال المقريزى فأرسل والى مصر جيشا قويا ليحاربهم ويخضعهم ، ولكن الأقباط أحاطوا بهم وقتلوا العديد من جنود حيشه فلم ينج منهم أحد ، ومن المعروف أن المصرى لم يطمع فى أكثر أن يتركه حكامه يعبد إلهه بدون تدخل ولكن هؤلاء بالرغم من أن فتره إحتلاهم للبلاد طويله إلا أنهم لم يستطيعوا ان يفهموا وأظن انه ليست لهم القدره على الفهم لإداره البلاد بدون تعصب أو إضطهاد أو قتل أو تعذيب ، وجهز الوالى جيشا آخرحاصر الثواروبالطبع كانوا جنود متمرنين على القتال ووعد الوالى جنوده بالسلب والنهب والسرقه وأنهم يحاربون الكفار وأنهم إذا إستشهدوا سيدخلون الجنه التى أنهارها خمر ولبن وماء وعسل وسينكحون ما طاب لهم من النساء والصبيان 0 أى ان لهم النصر فى الدنيا والآخره ، وفى أثناء حصارهم أكل الثوار جثث موتاهم لشده الجوع كما ذكر المقريزى ، وأهدمت جميع كنائس الفسطاط ما عدا كنيسه الأنبا شنوده ، وقدم الأقباط للوالى خمسين ألف دينار لكى يتجاوز عن كنيسه كلنت قائمه لهم فى حصن قسطنطين ، وان لا يدمرها ولكن الوالى الغشيم هدم الكنيسه ولم يترك فيها حجرا على حجر 0

وعين الخليفه عبد الله بن عبد الرحمن بن معاويه واليا على مصر وعندما حضر الوالى الجديد وعرف ما حدث من بطرس فأراد تهدئه الموقف ، فهدده بطرس قائلا: " أتريد أن أطيع البطريرك وأخالف الخليفه0" فخشى الوالى أن ينم بطرس فيه لدى الخليفه فقبض عليه وكبل يديه ورجليه بالسلاسل وطرحه فى مكان ضيق وأفرج عن البابا ومن معه فذهبوا إلى الإسكندريه وإستقبلهم الأقباط بفرح عظيم ، أما بطرس فقضى ثلاث سنين فى السجن ، وتغير الوالى الذى كان يمقته وعين بدلا منه أخوه محمد الذى لم يمكث سوى شهور قلائل ومات وعين بعده والى إسمه موسى بن على سنه 772 وفتح ولايته بفحص أوراق المسجونين والتهم الموجهه إليهم ومعرفه جرائمهم ولما عرض عليه بطرس وجد أنه ليس عليه أى تهمه ، فأطلق سراحه وأرسله الى الخليفه ليرفع دعواه إليه فذهب الى المنصور فأكرم وفادته وأعلن إسلامه وغير إسمه من بطرس الى أبو الخير وطلب من الخليفه أن يعطيه قوة كبيره لينتقم من البطريرك مينا والأقباط ، وسمع الأقباط برجوع الخائن فإستعدوا للثوره ولكن قبل وصول الجيش الذى يقوده أبو الخير مات الخليفه ، وتركه الجيش وبهذا أصبح من بيده السلطان بدون سلطان ، ومضى بطرس أبو الخير الى بلدته فأبى معارفه وأقرباؤه الإختلاط به فذهب الى البابا والأساقفه الذى كان يسعى فى هلاكهم وطلب منهم أن يقبلوا توبته ولكن طلبه رفض رفضا باتا لإنهم لم يثقوا فى توبته ، وكانت حالته فريده من نوعها لإن الكنيسه القبطيه إشتهرت بقبول كل تائب ونادم إليها 0 وظل مرزولا الى أن مات0
وتنيح البابا مينا 1 البطريرك رقم 47 فى آخر يوم من طوبه سنه 478ش 776م وأمضى 8 سنين على كرسى مرقس رسول المسيح
رجال الله يصنعون العجائب
الفتره بين 451م
مقدمه: فى 54 سنه تولى مصر 45 واليا كلن أولهم إبن عم السفاح ، ولم يأمن الخلفاء العباسيين بأن يولوا واليا واحدا على أى ولايه لمده طويله حتى لا يستقل بالحكم او يتمرد عليهم ولنأخذ مثلا الخليفه هارون الرشيد وقد تولى السلطه لمده 23 سنه وعين فى مصر 24 واليا وهذه الخطه نجحت فى إستمرار إحتفاظهم بالحكم مده طويله ، إلا أنها من وجهه نظر أخرى أضرت هذه السياسه، بالمصريين الأقباط ، وبمصر ، وبإقتصاد البلاد0 كما أدى تغيير الولاه الى قيام شعوب الولايات بالعديد من الفتن ، وما كان من المسلميين إلا أن يعلنوا غضبهم وسخطهم على هذه التغيرات حتى ينضم إليهم الأقباط ( راجع تاريخ مصر فى الصور الوسطى إستانلى لابون بوول ، وقصه الكنيسه القبطيه ج2 ص407)
صلوات الأقباط ترفع مستوى منسوب نهر النيل:
بلغ إرتفاع مستوى منسوب مياه نهر النيل أقل من 14 ذراعا ، والمفروض ألا يقل عن 16 ذراعا حتى يروى الأراضى والناس ، وإلا فسيكون هناك قحط وجوع وعطش وحدث أن الأساقفه الأقباط إجتمعوا فى عيد الصليب فى بابليون 0 وكانوا يجتمعون مرتين فى السنه ، وقد ذكر يوحنا شماس البابا خائيل ماحدث ( راجع ك0 تاريخ الأمه القبطيه ا0ب0تاتشر ص203) فى 17توت-26سبتمبر وهو عيد الصليب المجيد
إجتمع قسوس الجيزه وبعض إكليروس البلاد النائيه وجمهور من سكان الفسطاط كبارا وصغارا ونساء ورجالا ، وساروا فى احتفال كبير وبأيديهم الأناجيل المقدسه والمجامر ويطلقون البخور ويرنمون وينشدون الألحان ، ودخل الجمع كنيسه القديس بطرس الكبرى التى كانت أساساتها على شاطئ النيل ، فلم تسعهم الكنيسه على إتساعها فظل أكثر الشعب وقوفا خارجها 0 وبعد فتره جاء البابا ورفع الصليب بيمينه وبجانبه مينا أسقف ممفيس ( الجيزه ) ممسكا الإنجيل 0 وسار أمامنا وفى يد كل منا صليب الى ان وصلنا إلى شاطئ النهر 0 فوقفنا هناك وكان ذلك قبيل طلوع الشمس 0
وبدأ البابا ومينا الأسقف بالصلاه والتسبيح والشعب يردون ورائهم فى الفضاء قائلا: " كيريالايسون" ( اى بمعنى يارب إرحم ) وإستمرت الصلاه والتراتيل لغايه الساعه الثالثه من النهار 0وإستيقظ المسلمون واليهود من نومهم وسمعونا نبارك أسم الله وأصوات الإبتهالات والتضرع لرحمته 0 وإجتمعوا ليروا ، وقد سمع الله لصراخنا وأجاب طلبنا وأرتفع النيل فى ذلك اليوم ذراعا واحدافمجد الناس وشكروا نعمته ،

وعندما سمع الوالى المسلم أخذه العجب والإندهاش واستولاه الخوف والرعب هو وجميع جنوده ) وإغتاظ الوالى وساءه أن تتم هذه الأعجوبه على يد الأقباط وصلواتهم وتقربهم من الله ، فأمر المسلميين أن يذهبوا فى صباح اليوم التالى فى نفس المكان الذى صلى فيه الأقباط ، لعلهم يزيدون مياه النيل ذراعا واحدا ، وذلم بواسطه ركوعهم وقيامهم على شاطئ النيل ، فلما صلى المسلمون وركعوا وقاموا فعكس الله الأمر معهم ، فنقصت مياه النيل ذراعا واحدا بدلا من أن تزيد ذراعا كما كانوا يأملون ، وكان هناك مقياسا للنيل فى الروضه لمعرفه إرتفاع منسوبه ، فغضب الوالى وأصدر أمرا بألا يصلى أحدا بعد ذلك ، فبقى النهر على حاله ، إلا أن ه رأى الخطر يتهدد البلاد وطلب منه المصريون جميعا لأن يترك البابا القبطى يصلى ، فطلب الوالى من الأقباط ان يصلى ثانيه ، فحضر البابا والأساقفه ، وإحتفلوا بعمل صلاه القداس الإلهى وإستمروا الى الساعه السادسه من النهار ولما ألقوا مياه غسل الأوانى المقدسه فى النهر ، حلت فجأه على مياهه حركه غير عاديه وزياده فى مياه النيل 00وأذ يرتفع بين تهليل المسيحيين وتسبيحهم ، إلى أن وصل منسوبه الى 17 ذراعا ،
أحب أبو العون الوالى الأقباط وعمل الخير فى كنائسهم وإستراح الأقباط من مر العذاب والإضطهاد مده 4 سنين0

وفى هذه الفتره إفتقد البابا خائيل شعبه فطاف فى البلاد وذهب الى القرى والمدن ليرى شعبه فكان يمر بينهم مصليا وشافيا ، يرد الضال وينصح الرعيه ويعظهم وأثناء تجواله عثر على طائفه من أتباع المنشقيين المسيحين كان يعتقد أنها إختفت من البلاد ، وكانت تتبع هرطقه ميليتوس ، ويقدر عدد رجالها 300 رجل إعتكفوا وإختفوا فى الكهوف ومغاير الأرض ، وكانوا منزويين فى واحه من واحات القطر المصرى ولا يعلم عنهم احد ، بالرغم من إنتهاء هذه الهرطقه ، ولما علم بوجودهم قابلهم بمحبته المعهوده وبشاشه وجهه وضمهم الى أحضان كنيسه الله

قال المقريزى فى كتاب القول الإبريزى للعلامة المقريزى : " سنة  758 ميلاديه ثم  لما  مات  ميخائيل    قدم  اليعاقبه  فى  سنة  ست  واربعين  ومائه   انبا  مينا  فاقام  سبع  سنيين  ومات .
وفى  ايامه  خرج  القبط  بناحية  سخا    واخرجوا  العمال  فى  سنة  خمسين  ومائه   وصاروا  فى  جمع   فبعث  اليهم      يزيد  بن  حاتم  بن  قبيصه    امير  مصر   عسكرا    فاتاهم  القبط  ليلا  وقتلوا  عده  من  المسلميين    وهزموا  باقيهم    فاشتد  البلاء  على  النصارى  واحتاجوا   الى   اكل   الجيف  !!!!!!وهدمت  الكنائس  المحدثه  فى  مصر  فهدمت الكنائس  المحدثه  فى  مصر  فهدمت  كنيسة  مريم  المجاوره  لابى  شنوده  بمصر وهدمت  كنائس  محارس  قسطنطين  فبذل  النصارى  لسليمان  بن  على  امير  مصر  فى  تركها  خمسين  الف  دينار  فأبى  فلما  ولى  بعده  موسى  بن  عيسى  اذن  لهم  فى  بنائها   فبنيت  كلها  بمشورة  الليث بن  سعد  وعبد  الله  بن  لهيعه  قاضى  مصر  واحتجا  بان  بناءها  من  عمارة  البلاد
 


خلاف بين الإخوه:
توفى بطريرك الكنيسه الأنطاكيه أثناسيوس ثم خلفه يوحنا الذى مكث 3 سنين وتوفى ، وظل الكرسى الأنطاكى شاغرا ، وحدث أن إمرأه الخليفه المنصور أبى جعفر كانت عاقرا فسمعت عن تقوى إسحق أسقف حاران ألأنطاكى وأعماله العجائبيه 0 فإستدعته فحضر لديها وصلى لإجلها فرزقت ولدا ، فسألته أن يطلب شيئا ، فسأل إسحق الخليفه أن يأمر بتعينه بطريركا 0 ولكن النظام الكنسى فى الكنيسه الأنطاكيه يحتم الإنتخاب بدون تدخل السلطه المدنيه ، فأمرهم الخليفه بإنتخاب إسحق بطريركا، ولم يكن السبب السابق هو المانع الوحيد ، بل أنه لا يجب أن يكون أسقفا يتولى رعايه أبروشيه وشعبا ، فنقل أساقفه معينين على أماكن بها كنائس ( أبروشيه) غير جائز فى الكنائس الشرقيه ، فإستعمل إسحق التهديد وسلطه الخليفه والمال للضغط على الأسلقفه فأوقع الرعب فى الأساقفه ، إلا أن أسقفين لم يوافقا عليه وقاوماه ، فأضمر لهما الشر وقتلهما بدس السم ، وأزاحهما من طريقه لمنصب البطريركيه ، وتم له ما تمنى وجلس على كرسىالبطريركيه ، وكعاده بطاركه أنطاكيه أرسل كتابا الى البابا خائيل يعرفه بخبر نواله الرتبه ، ويسأله فى إعتباره شريكا معه فى الخدمه الرسوليه ، وهذا بالتالى يؤدى الى ذكر إسمه فى الصلوات التى تتليها الكنيسه القبطيه وأرسل هذا الكتاب مع مطران دمشق ومطران حمص وكاتبين كان أحدهما شماسا والآخر قسيسا ، كما انه كلف الخليفه بأن يكتب خطابا الى والى مصر أن يتمم الأوامر الصادره برغبه أسحق من البابا المصرى ، وإن لم يصادق خائيل على تعيين إسحق بطريركا فلا بد من القبض عليه وإرساله الى الخليفه ليتولى أمر معاقبته0 إطلع البابا على الكتاب ولم يقرر رأيا قبل مشوره الأساقفه فعقد مجمعا إستمروا يتناقشون حول هذا الموضوع لمده شهر ، وكانوا بين رأيين أحلاهم مرا ، إما أن يرفضوا طلب الخليفه وأن تقع الأمه تحت طائله الإضطهاد وينتهى الأمر بتعذيب البطريرك وموته كعاده الحكم الإسلامى ، أو أنهم يوافقوا على تعيين بطريركا إغتصب الرتبه فى كنيسه أخرى بدون وجه حق ، كما انه قتل مطرانين ،
وجاء القرار القبطى على لسان البابا عندما قال: " لا سيف ولا نار ولا حيوانات ضاريه ولا نفى ولا تعذيب تستطيع ان تضرنى الى التصديق على أمر يخالف ضميرى ومبدأ دينى ومعتقدى0 " فالبطريرك المصرى لا يستطيع ان يكون فى شركه مع بطريرك أخذ الرتبه بقوه السلطان0 وبناء على رفض البطريرك المصرى للتصديق ، طلب رسل البطريرك الأنطاكى من والى مصر أن يسلمهم البطريرك القبطى مقبوضا عليه تبعا لأمر الخليفه ، وكان الوالى يميل الى البطريرك القبطى فحاول ان يؤخر القبض عليه بإقناع الأنطاكيين بإعطائه فرصه لتغيير رأيه ،
وبعد مفاوضات بائت بالفشل ، لم يغير البابا المصرى رأيه لأنه لإتخذ قرارا لصالح كنيسه الله ، وسمع موسى أسقف اوسيم بذلك فأعلن رغبته فى مرافقه رئيسه بابا الأقباط الى آخر العالم وحتى الى القبر وكذلك يوحنا الشماس كاتب هذه السيره ، وعندما إستعدا الأبطال الثلاثه للسفر ، وردت أنباء بموت إسحق ، وحل الله المشكله الأخويه لصالح العلاقه بين الكنيستين ، فلم يكن هناك حاجه لسفر خائيل ورفيقيه ، كما ان الوالى أيضا منعهما من السفر وقلبه مملوء من الفرح والسرور
وبنى أبو عون الوالى حيا جديدا فى مدينه الفسطاط عرفت بإسم الحمراء القصوى ثم عرفت بعد ذلك بإسم العسكر ، وكلنت مكانا لسكن الوزراء ، والحرس الخاص له ، وكانت متصله بضواحى الفسطاط ( تاريخ مصر فى العصور الوسطى لستانلى لابن بوول ص30-31) *** ويقال أن البابا خائيل أراد حمايه الكنيسه بعد هذه الحادثه ووضع قانونا منع فيه إنتخاب البطريرك من أستقفه الأبروشيات ، وعاش البابا خائيل بعد هذه الحادثه 11 سنه ، والوالى الذى تولى مصر بعد ذلك هو يزيد بن حاتم وهو الذى نقل الدواوين الخاصه بالجزيه الى قصر الشمع بحصن بابليون المعروف بقصر الشمع ، وخدم البابا خائيل كنيسه الله بأرض مصر 23 سنه 6 أشهر 17 يوما وأنتقل فى 16 برمهات سنه 758 م ( طبقا لما ورد فى مخطوطه محفوظه فى مكتبه دير الأنبا مكارى الكبير)

الإضطهاد الدينى للأقباط فى عصر هذا البطريرك - وثورة القبط

السبت، مايو 07، 2011

المؤرحين المسلمين يذكرون أن الجامع الأموى أصله كنيسة مار يوحنا المعمدان


مؤرخ مسلم فى كتاب قديم يسرد كيف أستولى المسلمين على كنيسة مار يوحنا المعمدان وحولوها جامعاً
 
"نزهة الأنام في محاسن الشام"، لمؤلفه أحد علماء القرن التاسع، أبي البقاء عبد الله بن محمد البدري المصري الدمشقي. وأشير هنا إلى أن النقل من الكتاب هو حرفي، أما ما جاء بين قوسين فهو توضيحات لعبارات قمت بها أو تعليقات على أحداث شئتُ إبرازها.

يقول المؤلف نقلاً عن الحافظ بن عساكر: "لما فتح الله تعالى على المسلمين الشام بكماله (بلاد الشام كلها) ومن جملته (ومن ضمنها) دمشق المحروسة بجميع أعمالها وأنزل الله رحمته فيها وساق برّه إليها، كتب أمير المؤمنين وهو إذ ذاك أبو عبيدة رضي الله عنه كتاب أمان وأقرّ بأيدي النصارى (ترك لهم) أربع عشرة كنيسة (جزاه الله خيراً، وكأني به قد ترك لهم شيئاً من ملكه) وأخذ منهم نصف هذه الكنيسة، وأخذ منهم التي كانوا يسمونها كنيسة مر يحنا (مار يوحنا) بحكم أن البلد فتحه خالد بن الوليد رضي الله عنه من الباب الشرقي بالسيف وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة وهو على باب الجابية، فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحاً ونصفه عنوة، فأخذ المسلمون نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة رضي الله عنه مسجداً وكانت قد صارت إليه إمارة الشام فكان أول من صلى فيه أبو عبيدة رضي الله عنه ثم الصحابة بعده في البقعة التي يقال لها محراب الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن الجدار مفتوحاً بمحراب محنى وإنما كان المسلمون يصلون عند هذه البقعة المباركة. وكان المسلمون والنصارى يدخلون من باب واحد وهو باب المعبد الأصلي الذي كان في جهة القبلة مكان المحراب الكبير الذي هو اليوم حسبما سلف لنا ذكره، فينصرف النصارى إلى جهة الغرب لكنيستهم ويأخذ المسلمون يمنة إلى مسجدهم. ولا يستطيع النصارى أن يجهروا بقراءة كتابهم ولا يضربون بناقوس إجلالاً للصحابة رضي الله عنهم ومهابة لهم وخوفاً منهم!." (هذا دليل ساطع على المضايقات التي كان يتعرّض لها المسيحيون، وكان يجدر بالمؤرخ أن يقول أن المسلمين قد فرضوا على المسيحيين أن لا يجهروا بقراءة كتابهم وأن يمتنعوا عن قرع نواقيسهم طالما أنه اعترف بأنهم كانوا لا يفعلون ذلك إلاّ خوفاً ومهابة رغم أنه حشر كلمة "إجلالاً للصحابة" حشراً لا معنى له!)

"وقال ابن عساكر: لما صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك عزم على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين وجعل الجميع مسجداً واحداً، وذلك لتأذَي المسلمين بسماع قراءة النصارى في الإنجيل ورفع أصواتهم في الصلاة، (ويا له من قول عدل: الغريب يتأذّى بصاحب الحق يرفع صوته بالصلاة داخل بيته!) فأحبَّ أن يبعدهم عن المسلمين فطلب النصارى وسألهم أن يخرجوا عن بقية الكنيسة ويعوّضهم إقطاعات كثيرة عرضها عليهم وأن يقرّ لهم أربع كنائس لم تدخل في العهد (أي أن يسمح لهم بإبقاء أربع كنائس من كنائسهم لهم، وهذا دليل على أن هناك كنائس أخرى لم يتعهّد المسلمون على إبقائها بأيدي المسيحيين عند افتتاحهم للشام إذ كان بنيتهم الاستيلاء عليها أيضاً فيما بعد والعرض بإبقائها بين أيدي المسيحيين لا يجوز أن ينظر إليه على أنه كرم حاتمي ، فالكنائس هي بالأساس ملك المسيحيين) وهي كنيسة مريم وكنيسة المُصلَّبة وكلاهما داخل الباب الشرقي وكنيسة تل الجبن وكنيسة حميد بن درّة التي بدرب الصيقل، (سميت بهذا الاسم لأن الدرب أي الطريق كان إقطاعاً لحميد بن عمرو بن مساحق القرشي العامري وأمه درة بنت أبي هاشم خال معاوية بن أبي سفيان. وكان الخلفاء يمنحون الإقطاعات من الأراضي التي يحتلونها لمن شاؤوا من أتباعهم ) فأبوا ذلك (رفضوا) أشدّ الأباء، فقال: أئتونا بعهدكم الذي بأيديكم في زمن الصحابة، فقُرئَ (العهد) بحضرة الوليد، فإذا كنيسة توما التي كانت خارج باب توما لم تدخل في العهد، وكانت فيما يُقال أكبر من كنيسة مر يحنا (ليس في التاريخ ما يشير إلى وجود كنيسة أكبر من كنيسة مار يوحنا في دمشق آنذاك) فقال أنا أهدمها وأجعلها مسجداً، فقالوا بل يتركها أمير المؤمنين وما ذكر من الكنائس ونحن نرضى بأن يأخذ بقيـة كنيسـة مر يحنا، (أي أنهم اضطروا للرضوخ لعمليـة التهديد والابتزاز) فأقـرّهم على تلك الكنائس، وأخذ منهم بقية الكنيسة. (أي أعطاهم شيئاً يملكونه مقابل أخذ شيء مما يملكون، ومع ذلك يحلو للمسلمين تسمية ذلك بالمفاوضات!..) ثم أمر الوليد بالهدم، فجاءت أساقفة النصارى وقساوستهم وقد ندموا (يندم الإنسان على عملٍ قام به بمحض إرادته، ولا يندم على القيام بعملٍ فُرض عليه فرضاً) فقالوا يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن، فقال أنا أحب أن أجن في الله، والله لا يهدم فيها أحد قبلي، ثم صعد المنارة الغربية وكانت صومعة عظيمة، فإذا فيها راهب فأمره بالنزول منها فأبى الراهب، فأخذه بقفاه وحدّره منها (أي دحرجه من أعلاها، فيا لهذه المفاوضات ولهذه المعاملة الرحيمة التي اشتهر بها الفاتحون!) ثم وقف على أعلى مكان منها فوق المذبح الأكبر الذي يسمونه الشاهد وأخذ فأساً وضرب أعلى حجر فألقاه، فتبادر الأمراء والأجناد إلى الهدم بالتكبير والتهليل، والنصارى تصرخ بالعويل على درج باب البريد وجيرون وقد اجتمعوا، فأمر الوليد صاحب الشرط (رئيس الشرطة) أن يضربهم، وهدم المسلمون جميع ما كان من آثارهم من المذابح والحنايا حتى بقي صرحةً مربعة. (لم تهدم الكنيسة بأكملها بل أبقي على هيكلها الخارجي الذي لا زالت أثار المسيحية ظاهرة عليه)

ويتابع الكتاب قائلاً: "واستعمل الوليد في هذا المسجد خلقاً كثيراً (عدداً كبيراً من الناس) من الصناع والمهندسين والمرخّمين. وكان المُسْتَحثّ على عمارته (أي الموكل إليه بشؤون بنائه) أخوه سليمان بن عبد الملك، ويقال أن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعاً في الرخام والأحجار وغير ذلك ليعمروا هذا المسجد على ما يريد ، وأرسل يتوعّده إن لم يفعل ليغزونَّ بلاده بالجيوش وليخربنَّ كل كنيسة في بلاده حتى القيامة التي بالقدس الشريف ويهدم كنيسة الرها وجميع آثار الروم (فليتأمل القارئ بهذا الابتزاز أيضاً) . فبعث ملك الروم صناعاً كثيرة جداً (فعل ذلك خوفاً على تلك الكنائس وليس خوفاً من اجتياح المسلمين لبلاده إذ لو استطاعوا لما توانوا عن ذلك) وكتب إليه (ملك الروم) يقول له: إن كان أبوك فهم هذا الذي تصنعه وتركه فإنه لوصمة عليك، وإن لم يفهمه وفهمته أنت فإنه لوصمة عليه! فأراد (الوليد) أن يكتب إليه الجواب، وإذا بالفرزدق الشاعر دخل عليه فأخبره بما (أي أطلعه على ما) كتبه ملك الروم فقال (الشاعر) يا أمير المؤمنين أنت جعلت أخاك سليمان هو القائم بأمر العمارة (أي أنك لست المسؤول عن ذلك لأن أمر العمارة هو بيد سليمان) والجواب بنص القرآن، (أي يمكنك الإجابة على ذلك بالاستشهاد بنص القرآن الذي يقول) " ففهَّمناها سـليمان وكُلاًّ آتينا حكماً وعلماً!" (سورة الأنبياء 79 ) . فأعجب ذلك الوليد وأرسل به جواباً لملك الروم. (هنا يظهر استهتار الوليد في استعماله لآية قرآنية قصد بها القرآن الملك سليمان الحكيم فأجاب بها يسخر بتأنيب ملك الروم له على قيامه بعمل ينافي الأصول والأخلاق. ويذكر الدكتور فيليب حتي في كتابه "تاريخ سورية ولبنان وفلسطين" أن الوليد أرسل إلى إمبراطور الروم في طلب مئة من الفنانين اليونان لبناء المسجد، بينما يذكر ابن عساكر وكتاب العيون، أن عدد الصناع كان مئة ألف وأن بعضهم استخدموا في مكة والمدينة. وهنا يتبين لنا أن المسلمين لم يكتفوا بسلب المسيحيين كنيستهم بل استعانوا لبناء جامعهم على أنقاض هيكلها بالروم المسيحيين بالإضافة إلى الصناع الهنود والفارسيين ثم قالوا بعد ذلك بأن البناء قد أتى قمة في فن العمارة العربي الإسلامي!)
ويتابع الكتاب قائلاً: "وعن يزيد بن واقد قال: وكّلني الوليد على العمال في بناء الجامع فوجدنا فيه مغارة فعرّفنا (أي أعلمنا) الوليد. فلما كان الليل وافى وبين يديه الشمع فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع ، وإذا فيها صندوق ففتح الصندوق فإذا فيه سفط (إناء) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا. فأمر الوليد بردّه إلى مكانه وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مُعيَّناً بين الأعمدة. فجعلوا عليه عموداً مسفّط الرأس ."
يتابع الكتاب قائلاً: "وقال بعض المؤرخين، أن الشرقية (أي المنارة الشرقية من الجامع) احترقت في سنة أربعين وسبعمائة فنقضت وجددت من أموال النصارى لكونهم اتّهموا بحرقها وأقرّ بعضهم بذلك، (إذا فُرض عليهم القبول بالتنازل عن الكنيسة فلا يُستبعد أيضاً أن يكون الإقرار قد فرض عليهم، فلم يكن كافياً أنهم قد استولوا على الكنيسة ثم عمروا الجامع بأيدي المسيحيين، بل أيضاً كلما حدث حادث للجامع اتهموا المسيحيين به وفرضوا عليهم إصلاح الضرر من أموالهم!) ، فقامت على أحسن شكل، وقال بعض العلماء في المنارة الشرقية البيضاء التي ينزل عليها عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان بعد خروج الدجال كما ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان والله أعلم.
يتابع الكتاب قائلاً: "ومن محاسن الشام ما وصف جامعَها به العلامة اليعقوبي، قال: مدينة دمشق جليلة قديمة وهي مدينة الشام في الجاهلية والإسلام.. وأما جامعها فليس في مدائن الإسلام أحسن منه، بناه الوليد في خلافته بالرخام والذهب سنة ثمان وثمانين." وينقل الكتاب عن مؤرخ آخر وهو الشيخ بن جبير، قوله: "وكان أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لما دخلها، صالح النصارى بأن أخذ نصف الكنيسة الشرقي فصيره مسجداً وبقي النصف الغربي للنصارى، فأخذه الوليد وأدخله في الجامع (ضمّه إلى الجامع) بعد أن أرغبهم في التعويض عنه، فأبوا فأخذه قسراً!"
ولتبرير استيلاء المسلمين على كنيسة القديس يوحنا وتحويلها إلى مسجد رغم معارضة المسيحيين الشديدة وعويلهم وصراخهم وهم يشاهدونهم يهدمون بروجها وهياكلها، ربما يتفذلك البعض بالقول أن أموراً كهذه تحدث، عندما تحتل جيوش دولةٍ ما دولةً أخرى، وهذه نتيجة من نتائج الحروب والصراعات بين الأمم! ولكننا إذا أخذنا بهذه الفذلكة من المنطلق نفسه، فلماذا يتوقّع المسلمون تعاطفاً من العالم معهم ومع عويلهم وصراخهم واحتجاجاتهم ضد إسرائيل وأعمال التنقيب التي تجريها تحت مسجد القدس؟.. يكفي أن اليهود يبررون ذلك ببحثهم عن تاريخ لهم تحت المسجد، فأي تاريخ للمسلمين كان يربطهم بكنيسة القديس يوحنا؟ وهنا أود أن أشير إلى خبر نشرته الصحف العربية في أيلول 1994 يقول: "أعلنت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في مكة عن استنكارها الشديد لإقدام السلطات الإسرائيلية على إقامة ستار حديدي يقسم الحرم الإبراهيمي الشريف إلى قسمين وتخصيص أحدهما للمستوطنين اليهود.. وذكرت الرابطة في احتجاجها أن إسرائيل تثبت مرة أخرى للرأي العام العالمي عدم احترامها للمقدسات الدينية!!!!!"
إن وزارة الأوقاف السورية، إذ تقوم اليوم بعمليات إصلاح وتجديد وترميم كبيرة على المسجد الأموي، فإن أعظم ما يُخشى هو أن تقوم هذه السلطات بإزالة بعض الآثار المسيحية المتبقية والتي اكتشفت مؤخراً بعد أعمال الترميم التي تمت خلال الأعوام الماضية. فبالإضافة إلى ضريح القديس يوحنا الذي لا زال قائماً داخل المسجد والذي ليس هناك ما يدعو إلى القلق على مصيره لاعتقاد المسلمين بكرامة يوحنا والذي يدعونه يحيى، هناك أيضاً داخل المسجد في الجهة الشمالية الشرقية، جرن رخامي عظيم القدم تظهر على جوانبه آثار المستحاثات وكان يستعمله المسيحيون لعماد أطفالهم. أما ما يُخشى عليه فهو الكتابة الموجودة على البوابة الجنوبية والمنقوشة بالأحرف اليونانية والتي تقول: "ملكك أيها المسيح ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور." هنالك أيضاً صورة لوجه السيد المسيح وعلى رأسه إكليل شوك، ظهرت مؤخراً على يسار البوابة الجنوبية الأخرى المواجهة لسوق الصاغة وقيل أنه قد سبق وان حاول المسؤولون إزالة هذه الكتابات والصور ولكن تدخل هيئة الآثار الدولية وتقديم تبرعات مادية قد حال دون ذلك.
أما في باحة الجامع، فهناك بقعة من الأرض تحت فناءٍ مسقوف، إذا ما وقف الزائر في منتصفها وضرب عليها بقدمه، فإنه يسمع صدىً عميقاً لهذه الضربات. ومردّ ذلك هو أن هذه البقعة، حسب خبراء الآثار، كانت مدخلاً أو مخرجاً لنفق طويل يربط كنيسة القديس يوحنا (الجامع الأموي) بكنيسة حنانيا، وهي كنيسة صغيرة تبعد عن المكان بما يقل عن الميل، وتقع إلى الجهة الشمالية من الباب الشرقي لدمشق في نهاية طريق صغير يحمل اسم الكنيسة نفسها. ولدخول هذه الكنيسة، ينبغي للزائر أن ينزل عدة درجات تحت الأرض وهناك يجد نهاية النفق في أسفل منتصف الحائط الغربي، وقد سدّ ببعض الأحجار خوفاً من دخول أحد إليه. وقيل أن المسيحيين كانوا يستعملون هذا النفق للانتقال بين الكنيستين أو كمعبر هروب خوفاً من الاضطهاد. وفي الستينات، خلال عمليات الحفر التي كانت تجري لتوسيع كنيسة الروم الأرثوذكس المعروفة بالمريمية، والواقعة بين كنيسة يوحنا وحنانيا، ظهرت أجزاء من النفق وقيل أن جماجم وهياكل بشرية عثر عليها في داخلها.
إن كنيسة القديس يوحنا لم تكن الكنيسة الوحيدة التي انتزعها المسلمون من أصحابها المسيحيين، بل هناك كثيرات غيرها، إذ يذكر الدكتور فيليب حتي في كتابه : تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، " أن المسلمين قد ظلوا بعد فتح سورية بنحوٍ من نصف قرن يقيمون الصلاة في كنائس حولوها إلى مساجد. ولم يعمدوا في هذه الأثناء إلى بناء مسجد ما. وخلافاً لما ورد في الأخبار، لم يقسموا الكنائس بالذات بينهم وبين النصارى، بل اكتفوا بقسمة الباحة المقدسة. فكان المصلون من أبناء دمشق يدخلون من باب واحد في السور، ثم يتحول النصارى إلى اليسار، وينعطف المسلمون إلى اليمين. وعندما احتلّ المسـلمون مدينة حماه ، حولوا الكنيسة التي نعتها أبو الفداء أحد المؤرخين الأهليين بالكبرى، إلى الجامع الأكبر. ولا تزال الواجهة الغربية في حالة سليمة. وكذلك المسجد الأكبر في حمص ومسجد حلب، فقد كانا من معابد النصارى. (البلاذري) ولا تزال الآثار المسيحية والأعمدة الرومانية ظاهرة للعيان في معبد حمص ".
http://www.annaqed.com/history/omayad_mosque.html لمزيد من المعلومات راجع هذا الموقع
***************************************************************************************
المؤرخ المسلم أبن كثير يؤكد أن الجامع الأموى كان أصلاً كنيسة
 
ويؤكد أبن كثير الجزء التاسع ( 146 من 239 ) (1) ما ذكرته كتب كثيرة لمؤرخين المسلمين هدموا الكنيسة واقاموا مكانها الجامع الأموى فقال : " والمقصود أنهم - يعني النصارى - حولوا بناء هذا المعبد الذي هو بدمشق معظماً عند اليونان فجعلوه كنيسة يوحنا، وبنوا بدمشق كنائس كثيرة غيرها مستأنفة، واستمر النصارى على دينهم بدمشق وغيرها نحواً من ثلاثمائة سنة، حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فكان من شأنه ما تقدم بعضه في كتاب السيرة من هذا الكتاب، وقد بعث إلى ملك الروم في زمانه - وهو قيصر ذلك الوقت - واسمه هرقل يدعوه إلى الله عز وجل، وكان من مراجعته ومخاطبته إلى أبي سفيان ما تقدم، ثم بعث أمراءه الثلاثة‏:‏ زيد بن حارثة، وجعفر، وابن رواحة، إلى البلقاء من تخوم الشام، فبعث الروم إليهم جيشاً كبيراً فقتلوا هؤلاء الأمراء وجماعة ممن معهم من الجيش، فعزم النبي صلى الله عليه وسلم على قتال الروم ودخول الشام عام تبوك، ثم رجع عام ذلك لشدة الحر، وضعف الحال، وضيقه على الناس‏.‏ ثم لما توفي بعث الصديق الجيوش إلى الشام بكمالها، ومن ذلك مدينة دمشق بأعمالها، وقد بسطنا القول في ذلك عند ذكر فتحها، فلما استقرت اليد الإسلامية عليها وأنزل الله رحمته فيها، وساق بره إليها، وكتب أمير الحرب أبو عبيدة إذ ذاك، وقيل‏:‏ خالد بن الوليد، لأهل دمشق كتاب أمان، أقروا أيدي النصارى على أربع عشرة كنيسة، وأخذوا منهم نصف هذه الكنيسة التي كانوا يسمونها كنيسة مريحنا، بحكم أن البلد فتحه خالد من الباب الشرقي بالسيف، وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة، وكان على باب الجابية الصلح، فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحاً ونصفه عنوة، فأخذوا نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة مسجداً يصلي فيه المسلمون، وكان أول من صلى في هذا المسجد أبو عبيدة ثم الصحابة بعده في البقعة الشرقية منه، التي يقال لها‏:‏ محراب الصحابة‏.‏
ولكن لم يكن الجدار مفتوحاً بمحراب محنى، وإنما كانوا يصلون عند هذه البقعة المباركة، والظاهر أن الوليد هو الذي فتق المحاريب في الجدار القبلي، قلت‏:‏ هذه المحاريب متجددة ليست من فتق الوليد، وإنما فتق الوليد محراباً واحداً، إن كان قد فعل، ولعله لم يفعل شيئاً منها، فكان يصلي فيه الخليفة، وبقيتها فتقت قريباً، لكل إمام محراب، شافعي وحنفي ومالكي وحنبلي، وهؤلاء إنما حدثوا بعد الوليد بزمان‏.‏
وقد كره كثير من السلف مثل هذه المحاريب، وجعلوه من البدع المحدثة، وكان المسلمون والنصارى يدخلون هذا المعبد من باب واحد، وهو باب المعبد الأعلى من جهة القبلة، مكان المحراب الكبير الذي في المقصورة اليوم، فينصرف النصارى إلى جهة الغرب إلى كنيستهم، ويأخذ المسلمون يمنة إلى مسجدهم، ولا يستطيع النصارى أن يجهروا بقراءة كتابهم، ولا يضربوا بناقوسهم، إجلالاً للصحابة ومهابة وخوفاً‏.‏
وقد بنى معاوية في أيام ولايته على الشام دار الإمارة قبلي المسجد الذي كان للصحابة، وبنى فيها قبة خضراء، فعرفت الدار بكمالها بها، فسكنها معاوية أربعين سنة كما قدمنا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/166‏)‏
ثم لم يزل الأمر على ما ذكرنا من أمر هذه الكنيسة شطرين بين المسلمين والنصارى، من سنة أربع عشرة، إلى سنة ست وثمانين في ذي القعدة منها، وقد صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك في شوال منها، فعزم الوليد على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين منها، وجعل الجميع مسجداً واحداً، وذلك لأن بعض المسلمين كان يتأذى بسماع قراءة النصارى للإنجيل، ورفع أصواتهم في صلواتهم، فأحب أن يبعدهم عن المسلمين، وأن يضيف ذلك المكان إلى هذا، فيصير كله معبداً للمسلمين، ويتسع المسجد لكثرة المسلمين‏.‏
فعند ذلك طلب النصارى وسأل منهم أن يخرجوا له عن هذا المكان، ويعوضهم إقطاعات كثيرة، وعرضها عليهم، وأن يبقى بأيديهم أربع كنائس لم تدخل في العهد، وهي‏:‏ كنيسة مريم، وكنيسة المصلبة داخل باب شرقي، وكنيسة تل الجبن، وكنيسة حميد بن درة التي بدرب الصقل، فأبوا ذلك أشد الإباء‏.‏
فقال‏:‏ ائتوني بعهودكم التي بأيديكم من زمن الصحابة، فأتوا بها فقرئت بحضرة الوليد، فإذا كنيسة توما - التي كانت خارج باب توما على حافة النهر - لم تدخل في العهد، وكانت فيما يقال أكبر من كنيسة مريحنا، فقال الوليد‏:‏ أنا أهدمها وأجعلها مسجداً، فقالوا‏:‏ بل يتركها أمير المؤمنين وما ذكر من الكنائس ونحن نرضى ونطيب له نفساً ببقية هذه الكنيسة، فأقرهم على تلك الكنائس، وأخذ منهم بقية هذه الكنيسة‏.‏

هذا قول، ويقال‏:‏ إن الوليد لما أهمه ذلك وعرض ما عرض على النصارى فأبوا من قبوله‏.‏ دخل عليه بعض الناس فأرشده إلى أن يقيس من باب شرقي ومن باب الجابية، فوجدوا أن الكنيسة قد دخلت في العنوة وذلك أنهم قاسوا من باب شرقي ومن باب الجابية فوجدوا منتصف ذلك عند سوق الريحان تقريباً، فإذا الكنيسة قد دخلت في العنوة، فأخذها‏.‏
وحكي عن المغيرة مولى الوليد قال‏:‏ دخلت على الوليد فوجدته مهموماً، فقلت‏:‏ مالك يا أمير المؤمنين مهموماً‏؟‏ فقال‏:‏ إنه قد كثر المسلمون وقد ضاق بهم المسجد، فأحضرت النصارى وبذلت لهم الأموال في بقية هذه الكنيسة لأضيفها إلى المسجد فيتسع على المسلمين فأبوا، فقال المغيرة‏:‏ يا أمير المؤمنين عندي ما يزيل همك، قال‏:‏ وما هو‏؟‏
قلت‏:‏ الصحابة لما أخذوا دمشق دخل خالد بن الوليد من الباب شرقي بالسيف، فلما سمع أهل البلد بذلك فزعوا إلى أبي عبيدة يطلبون منه الأمان فأمنهم، وفتحوا له باب الجابية، فدخل منه أبو عبيدة بالصلح، فنحن نماسحهم إلى أي موضع بلغ السيف أخذناه، وما بالصلح تركناه بأيديهم، وأرجو أن تدخل الكنيسة كلها في العنوة، فتدخل في المسجد‏.‏
فقال الوليد‏:‏ فرجت عني، فتول أنت ذلك بنفسك، فتولاه المغيرة ومسح من الباب الشرقي إلى نحو باب الجابية إلى سوق الريحان فوجد السيف لم يزل عمالاً حتى جاوز القنطرة الكبيرة بأربع أذرع وكسر، فدخلت الكنيسة في المسجد، فأرسل الوليد إلى النصارى فأخبرهم وقال‏:‏ إن هذه الكنيسة كلها دخلت في العنوة فهي لنا دونكم‏.‏
فقالوا‏:‏ إنك أولاً دفعت إلينا الأموال وأقطعتنا الاقطاعات فأبينا، فمن إحسان أمير المؤمنين أن يصالحنا فيبقى لنا هذه الكنائس الأربع بأيدينا، ونحن نترك له بقية هذه الكنيسة، فصالحهم على إبقاء هذه الأربع الكنائس، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/167‏)‏
وقيل‏:‏ إنه عوضهم منها كنيسة عند حمام القاسم عند باب الفراديس داخله فسموها مريحنا باسم تلك الكنيسة التي أخذت منهم، وأخذوا شاهدها فوضعوه فوق التي أخذوها بدلها، فالله أعلم‏.‏
ثم أمر الوليد بإحضار آلات الهدم، واجتمع إليه الأمراء والكبراء، وجاء إليه أساقفة النصارى وقساوستهم، فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن، فقال الوليد‏:‏ أنا أحب أن أجن في الله، و والله لا يهدم فيها أحد شيئاً قبلي، ثم صعد المنارة الشرقية ذات الأضالع المعروفة بالساعات، وكانت صومعة هائلة فيها راهب عندهم، فأمره الوليد بالنزول منها، فأكبر الراهب ذلك، فأخذ الوليد بقفاه فلم يزل يدفعه حتى أنزله منها، ثم صعد الوليد على أعلى مكان في الكنيسة، فوق المذبح الأكبر منها الذي يسمونه الشاهد، وهو تمثال في أعلى الكنيسة‏.‏
فقال له الرهبان‏:‏ احذر الشاهد، فقال‏:‏ أنا أول ما أضع فأسي في رأس الشاهد، ثم كبر وضربه فهدمه، وكان على الوليد قباء أصفر لونه سفرجلي قد غرز أذياله في المنطقة، ثم أخذ فأساً بيده فضرب بها في أعلى حجر فألقاه، فتبادر الأمراء إلى الهدم، وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات، وصرخت النصارى بالعويل على درج جيرون، وكانوا قد اجتمعوا هنالك، فأمر الوليد أمير الشرطة وهو أبو نائل رياح الغساني، أن يضربهم حتى يذهبوا من هنالك، ففعل ذلك، فهدم الوليد والأمراء جميع ما جدده النصارى في تربيع هذا المعبد من المذابح والأبينة والحنايا، حتى بقي المكان صرحة مربعة، ثم شرع في بنائه بفكرة جيدة على هذه الصفة الحسنة الأنيقة، التي لم يشتهر مثلها قبلها كما سنذكره‏.‏
وقد استعمل الوليد في بناء هذا المسجد خلقاً كثيراً من الصناع والمهندسين والفعلة، وكان المستحث على عمارته أخوه وولي عهده من بعده سليمان بن عبد الملك، ويقال‏:‏ إن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعاً في الرخام وغير ذلك، ليستعين بهم على عمارة هذا المسجد على ما يريد، وأرسل يتوعده لئن لم يفعل ليغزون بلاده بالجيوش، وليخربن كل كنيسة في بلاده، حتى كنيسة القدس، وهي قمامة، وكنيسة الرها، وسائر آثار الروم‏.‏
فبعث ملك الروم إليه صناعاً كثيرةً جداً، مائتي صانع، وكتب إليه يقول‏:‏ إن كان أبوك فهم هذا الذي تصنعه وتركه فإنه لوصمة عليك، وإن لم يكن فهمه وفهمت أنت لوصمة عليه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/168‏)‏
فلما وصل ذلك إلى الوليد أراد أن يجيب عن ذلك، واجتمع الناس عنده لذلك، فكان فيهم الفرزدق الشاعر، فقال‏:‏ أنا أجيبه يا أمير المؤمنين من كتاب الله‏.‏ قال الوليد‏:‏ وما هو ويحك‏؟‏ فقال‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 79‏]‏ وسليمان هو ابن داود، ففهمه الله مالم يفهمه أبوه‏.‏ فأعجب ذلك الوليد فأرسل به جواباً إلى ملك الروم‏.‏ وقد قال الفرزدق في ذلك‏:‏
فرقت بين النصارى في كنائسهم * والعابدين مع الأسحار والعتم
وهم جميعاً إذا صلوا وأوجههم * شتى إذا سجدوا لله والصنم
وكيف يجتمع الناقوس يضربه * أهل الصليب مع القراء لم تنم
فهمت تحويلها عنهم كما فهما * إذ يحكمان لهم في الحرث والغنم
داود والملك المهدي إذ جزآ * ولادها واجتزاز الصوف بالجلم
فهمك الله تحويلاً لبيعتهم * عن مسجد فيه يتلى طيب الكلم
ما من أب حملته الأرض نعلمه * خير بنين ولا خير من الحكم
قال الحافظ عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي‏:‏ بنى الوليد ما كان داخل حيطان المسجد، وزاد في سمك الحيطان‏.‏
وقال الحسن بن يحيى الخشني‏:‏ إن هوداً عليه السلام هو الذي بنى الحائط القبلي من مسجد دمشق‏.‏
وقال غيره‏:‏ لما أراد الوليد بناء القبة التي وسط الرواقات - وهي قبة النسر، وهو اسم حادث لها، وكأنهم شبهوها بالنسر في شكله، لأن الرواقات عن يمينها وشمالها كالأجنحة لها - حفر لأركانها حتى وصلوا إلى الماء وشربوا منه ماء عذباً زلالاً، ثم إنهم وضعوا فيه زيادة الكرم، وبنوا فوقها بالحجارة، فلما ارتفعت الأركان بنوا عليها القبة فسقطت، فقال الوليد لبعض المهندسين‏:‏ أريد أن تبني لي أنت هذه القبة، فقال‏:‏ على أن تعطيني عهد الله وميثاقه على أن لا يبنيها أحد غيري، ففعل‏.‏

فبنى الأركان ثم غلفها بالبواري، وغاب عنها سنة كاملة لا يدري الوليد أين ذهب، فلما كان بعد السنة حضر، فهمَّ به الوليد فأخذه ومعه رؤوس الناس، فكشف البواري عن الأركان فإذا هي قد هبطت بعد ارتفاعها حتى ساوت الأرض، فقال له‏:‏ من هذا أتيت، ثم بناها فانعقدت‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ أراد الوليد أن يجعل بيضة القبة من ذهب خالص ليعظم بذلك شأن هذا البناء، فقال له المعمار‏:‏ إنك لا تقدر على ذلك، فضربه خمسين سوطاً، وقال له‏:‏ ويلك ‏!‏ أنا لا أقدر على ذلك وتزعم أني أعجز عنه‏؟‏ وخراج الأرض وأموالها تجبى إلي‏؟‏ قال‏:‏ نعم أنا أبين لك ذلك، قال‏:‏ فبين ذلك، قال‏:‏ اضرب لبنة واحدة من الذهب وقس عليها ما تريد هذه القبة من ذلك، فأمر الوليد فأحضر من الذهب ما ضرب منه لبنة فإذا هي قد دخلها ألوف من الذهب، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنا نريد مثل هذه اللبنة كذا وكذا ألف لبنة، فإن كان عندك ما يكفي من ذلك عملناه‏.‏
فلما تحقق صحة قوله أطلق له الوليد خمسين ديناراً، وقال‏:‏ إني لا أعجز عما قلت، ولكن فيه إسراف وضياع مال في غير وجهه اللائق به، ولأن يكون ما أردنا من ذلك نفقة في سبيل الله، ورداً على ضعفاء المسلمين خير من ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/169‏)‏
ثم عقدها على ما أشار به المعمار‏.‏ ولما سقف الوليد الجامع جعلوا سقفه جملونات، وباطنها مسطحاً مقرنصاً بالذهب، فقال له بعض أهله‏:‏ أتعبت الناس بعدك في طين أسطحتهم، لما يريد هذا المسجد في كل عام من الطين الكثير - يشير إلى أن التراب يغلو والفعلة تقل لأجل العمل في هذا المسجد في كل عام - فأمر الوليد أن يجمع ما في بلاده من الرصاص ليجعله عوض الطين، ويكون أخف على السقوف‏.‏
فجمع من كل ناحية من الشام وغيره من الأقاليم، فعازوا فإذا عند امرأة منه قناطير مقنطرة، فساوموها فيه، فقالت‏:‏ لا أبيعه إلا بوزنه فضة، فكتبوا إلى الوليد فقال‏:‏ اشتروه منها ولو بوزنه فضة، فلما بذلوا لها ذلك قالت‏:‏ أما إذا قلتم ذلك فهو صدقة لله يكون في سقف هذا المسجد، فكتبوا على ألواحها بطابع لله، ويقال‏:‏ إنها كانت إسرائيلية، وإنه كتب على الألواح التي أخذت منها‏:‏ هذا ما أعطته الإسرائيلية‏.‏
وقال محمد بن عائذ‏:‏ سمعت المشايخ يقولون‏:‏ ما تم بناء مسجد دمشق إلا بأداء الأمانة، لقد كان يفضل عند الرجل من القوم أو الفعلة الفلس ورأس المسمار فيأتي به حتى يضعه في الخزانة‏.‏
وقال بعض مشايخ الدماشقة‏:‏ ليس في الجامع من الرخام شيء إلا الرخامتان اللتان في المقام من عرش بلقيس، والباقي كله مرمر‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ اشترى الوليد العمودين الأخضرين اللذين تحت النسر، من حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار‏.‏
وقال دحيم‏:‏ عن الوليد بن مسلم، ثنا مروان بن جناح، عن أبيه، قال‏:‏ كان في مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم‏.‏

وقال أبو قصي‏:‏ عن دحيم، عن الوليد بن مسلم، عن عمرو بن مهاجر الأنصاري‏:‏ إنهم حسبوا ما أنفقه الوليد على الكرمة التي في قبلي المسجد فإذا هو سبعون ألف دينار‏.‏
وقال أبو قصي‏:‏ أنفق في مسجد دمشق أربعمائة صندوق من الذهب، في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار، وفي رواية‏:‏ في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/170‏)‏
قلت‏:‏ فعلى الأول يكون ذلك خمسة آلاف ألف دينار، وستمائة ألف دينار‏.‏ وعلى الثاني يكون المصروف في عمارة الجامع الأموي أحد عشر ألف ألف دينار، ومائتي ألف دينار‏.‏ وقيل‏:‏ أنه صرف أكثر من ذلك بكثير، والله أعلم‏.‏
قال أبو قصي ‏:‏ وأتى الحرسي إلى الوليد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الناس يقولون أنفق أمير المؤمنين بيوت الأموال في غير حقها‏.‏ فنودي في الناس‏:‏ الصلاة جامعة‏.‏ فاجتمع الناس فصعد الوليد المنبر وقال‏:‏ إنه بلغني عنكم أنكم قلتم أنفق الوليد بيوت الأموال في غير حقها، ثم قال‏:‏ يا عمرو بن مهاجر، قم فأحضر أموال بيت المال‏.‏
فحملت على البغال إلى الجامع، ثم بسط لها الأنطاع تحت قبة النسر، ثم أفرغ عليها المال ذهباً صبيباً، وفضة خالصة، حتى صارت كوماً، حتى كان الرجل إذا قام من الجانب الواحد لا يرى الرجل من الجانب الآخر، وهذا شيء كثير، ثم جيء بالقبانين فوزنت الأموال فإذا هي تكفي الناس ثلاث سنين مستقبلة، وفي رواية‏:‏ ست عشرة سنة مستقبلة، لو لم يدخل للناس شيء بالكلية‏.‏
فقال لهم الوليد‏:‏ والله ما أنفقت في عمارة هذا المسجد درهماً من بيوت المال، وإنما هذا كله من مالي‏.‏ ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله عز وجل على ذلك، ودعوا للخليفة، وانصرفوا شاكرين داعين‏.‏
فقال لهم الوليد‏:‏ يا أهل دمشق، والله ما أنفقت في بناء هذا المسجد شيئاً من بيوت المال، وإنما هذا كله من مالي، لم أرزأكم من أموالكم شيئاً‏.‏
ثم قال الوليد‏:‏ يا أهل دمشق، إنكم تفخرون على الناس بأربع‏:‏ بهوائكم، ومائكم، وفاكهتكم، وحماماتكم، فأحببت أن أزيدكم خامسة وهي‏:‏ هذا الجامع‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كان في قبلة جامع دمشق ثلاث صفائح مذهبة بلا زورد، في كل منها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم‏.‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، ربنا الله وحده، وديننا الإسلام، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ أمر ببنيان هذا المسجد، وهدم الكنيسة التي كانت فيه‏:‏ عبد الله أمير المؤمنين الوليد، في ذي القعدة، سنة ست وثمانين‏.‏ وفي صفيحة أخرى رابعة من تلك الصفائح‏:‏ الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم إلى آخر الفاتحة، ثم النازعات، ثم عبس، ثم إذا الشمس كورت، قالوا‏:‏ ثم محيت بعد مجيء المأمون إلى دمشق‏.‏ وذكروا أن أرضه كانت مفضضة كلها، وأن الرخام كان في جدرانه إلى قامات، وفوق الرخام كرمة عظيمة من ذهب، وفوق الكرمة الفصوص المذهبة والخضر والحمر والزرق والبيض، قد صوروا بها سائر البلدان المشهورة، الكعبة فوق المحراب، وسائر الأقاليم يمنة ويسرة، وصوروا ما في البلدان من الأشجار الحسنة المثمرة والمزهرة وغير ذلك، وسقفه مقرنص بالذهب، والسلاسل المعلقة فيها جميعها من ذهب وفضة، وأنوار الشموع في أماكنه مفرقة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/171‏)‏
قال‏:‏ وكان في محراب الصحابة برنية حجر من بلور، ويقال‏:‏ بل كانت حجراً من جوهر وهي الدرة، وكانت تسمى القليلة، وكانت إذا طفئت القناديل تضيء لمن هناك بنورها، فلما كان زمن الأمين بن الرشيد - وكان يحب البلور، وقيل‏:‏ الجوهر - بعث إلى سليمان وإلى شرطه دمشق أن يبعث بها إليه، فسرقها الوالي خوفاً من الناس وأرسلها إليه، فلما ولى المأمون ردها إلى دمشق ليشنع بذلك على الأمين‏.‏
قال ابن عساكر‏:‏ ثم ذهبت بعد ذلك فجعل مكانها برنية من زجاج، قال‏:‏ وقد رأيت تلك البرنية ثم انكسرت بعد ذلك فلم يجعل مكانها شيء، قالوا‏:‏ وكانت الأبواب الشارعة من داخل الصحن ليس عليها أغلاق، وإنما كان عليها الستور مرخاة، وكذلك الستور على سائر جدرانه إلى حد الكومة التي فوقها الفصوص المذهبة، ورؤوس الأعمدة مطلية بالذهب الخالص الكثير، وعملوا له شرفات تحيط به، وبنى الوليد المنارة الشمالية التي يقال لها‏:‏ مأذنة العروس، فأما الشرقية والغربية فكانتا فيه قبل ذلك بدهور متطاولة‏.‏
وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة شاهقة جداً، بنتها اليونان للرصد، ثم بعد ذلك سقطت الشماليتان وبقيت القبليتان إلى الآن، وقد أحرق بعض الشرقية بعد الأربعين وسبعمائة، فنقضت وجدد بناؤها من أموال النصارى، حيث اتهموا بحريقها، فقامت على أحسن الأشكال، بيضاء بذاتها وهي والله أعلم الشرفة التي ينزل عليها عيسى بن مريم في آخر الزمان بعد خروج الدجال، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان‏.‏
قلت‏:‏ ثم أحرق أعلى هذه المنارة وجددت، وكان أعلاها من خشب، فبنيت بحجارة كلها في آخر السبعين وسبعمائة، فصارت كلها مبنية بالحجارة‏.‏
والمقصود أن الجامع الأموي لما كمل بناؤه لم يكن على وجه الأرض بناء أحسن منه، ولا أبهى ولا أجمل منه، بحيث أنه إذا نظر الناظر إليه أو إلى جهة منه أو إلى بقعة أو مكان منه تحير فيها نظره لحسنه وجماله ولا يمل ناظره، بل كلما أدمن النظر بانت له أعجوبة ليست كالأخرى، وكانت فيه طلسمات من أيام اليونان فلا يدخل هذه البقعة شيء من الحشرات بالكلية، لا من الحيات ولا من العقارب، ولا الخنافس ولا العناكيب‏.‏ ويقال‏:‏ ولا العصافير أيضاً تعشش فيه، ولا الحمام ولا شيء مما يتأذى به الناس‏.‏
وأكثر هذه الطلسمات أو كلها كانت مودعة في سقف هذا المعبد، مما يلي السبع، فأحرقت لما أحرق ليلة النصف من شعبان بعد العصر، سنة إحدى وستين وأربعمائة، في دولة الفاطميين كما سيأتي ذلك في موضعه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/172‏)‏
وقد كانت بدمشق طلسمات وضعتها اليونان بعضها باق إلى يومنا هذا، والله أعلم‏.‏
فمن ذلك‏:‏ العمود الذي في رأسه مثل الكرة في سوق الشعير عند قنطرة أم حكيم، وهذا المكان يعرف اليوم بالعلبيين، ذكر أهل دمشق أنه من وضع اليونان لعسر بول الحيوان، فإذا داروا بالحيوان حول هذا العمود ثلاث دورات انطلق باطنه فبال، وذلك مجرب من عهد اليونان‏.‏
قال ابن تيمية عن هذا العمود‏:‏ إن تحته مدفون جبار عنيد، كافر يعذب، فإذا داروا بالحيوان حوله سمع العذاب فراث وبال من الخوف، قال‏:‏ ولهذا يذهبون بالدواب إلى قبور النصارى واليهود والكفار، فإذا سمعت أصوات المعذبين انطلق بولها‏.‏
والعمود المشار إليه ليس له سر، ومن اعتقد أن فيه منفعة أو مضرة فقد أخطأ خطأً فاحشاً‏.‏
وقيل‏:‏ إن تحته كنزاً وصاحبه عنده مدفون، وكان ممن يعتقد الرجعة إلى الدنيا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 37‏]‏، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏
وما زال سليمان بن عبد الملك يعمل في تكملة الجامع الأموي بعد موت أخيه مدة ولايته، وجددت له في المقصورة‏.‏
فلما ولي عمر بن عبد العزيز عزم علي أن يجرده مما فيه من الذهب، ويقلع السلاسل والرخام والفسيفساء، ويرد ذلك كله إلى بيت المال، ويجعل مكان ذلك كله طيناً، فشق ذلك على أهل البلد واجتمع أشرافهم إليه، وقال خالد بن عبد الله القسري‏:‏ أنا أكلمه لكم‏.‏
فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين بلغنا عنك كذا وكذا، قال‏:‏ نعم ‏!‏ فقال خالد‏:‏ ليس ذلك لك يا أمير المؤمنين، فقال عمر‏:‏ ولم يا ابن الكافرة‏؟‏ - وكانت أمه نصرانية رومية أم ولد - فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن كانت كافرة فقد ولدت رجلاً مؤمناً، فقال‏:‏ صدقت، واستحيا عمر ثم قال له‏:‏ فلم قلت ذلك‏؟‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين لأن غالب ما فيه من الرخام إنما حمله المسلمون من أموالهم من سائر الأقاليم، وليسهو لبيت المال، فأطرق عمر‏.‏
قالوا‏:‏ واتفق في ذلك الزمان قدوم جماعة من بلاد الروم رسلاً من عند ملكهم، فلما دخلوا من باب البريد وانتهوا إلى الباب الكبير الذي تحت النسر، ورأوا ما بهر عقولهم من حسن الجامع الباهر، والزخرفة التي لم يسمع بمثلها، صعق كبيرهم وخر مغشياً عليه، فحملوه إلى منزلهم، فبقى أياماً مدنفاً، فلما تماثل سألوه عما عرض له فقال‏:‏ ما كنت أظن أن يبني المسلمون مثل هذا البناء، وكنت أعتقد أن مدتهم تكون أقصر من هذا، فلما بلغ ذلك عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ أو إن الغيظ أهلك الكفار، دعوه‏.‏
وسألت النصارى في أيام عمر بن عبد العزيز أن يعقد لهم مجلساً في شأن ما كان أخذه الوليد منهم، وكان عمر عادلاً، فأراد أن يرد عليهم ما كان أخذه الوليد منهم فأدخله في الجامع، ثم حقق عمر القضية، ثم نظر فإذا الكنائس التي هي خارج البلد لم تدخل في الصلح الذي كتبه لهم الصحابة، مثل كنيسة دير مران بسفح قاسيون، وهي بقرية المعظمية، وكنيسة الراهب، وكنيسة توما خارج باب توما، وسائر الكنائس التي بقرى الحواجز‏.‏
فخيرهم بين رد ما سألوه وتخريب هذه الكنائس كلها، أو تبقى تلك الكنائس ويطيبوا نفساً للمسلمين بهذه البقعة، فاتفقت آراؤهم بعد ثلاثة أيام على إبقاء تلك الكنائس، ويكتب لهم كتاب أمان بها، ويطيبوا نفساً بهذه البقعة، فكتب لهم كتاب أمان بها‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 9/173‏)‏
والمقصود أن الجامع الأموي كان حين تكامل بناؤه ليس له في الدينا مثيل في حسنه وبهجته‏.‏
قال الفرزدق‏:‏ أهل دمشق في بلادهم في قصر من قصور الجنة - يعني الجامع -
وقال أحمد بن أبي الحواري‏:‏ عن الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان‏:‏ ما ينبغي لأحد من أهل الأرض أن يكون أشد شوقاً إلى الجنة من أهل دمشق، لما يرون من حسن مسجدها‏.‏
قالوا‏:‏ ولما دخل أمير المؤمنين المهدي دمشق يريد زيارة القدس نظر إلى جامع دمشق فقال لكاتبه أبي عبيد الله الأشعري‏:‏ سبقنا بنو أمية بثلاث‏:‏ بهذا المسجد الذي لا أعلم على وجه الأرض مثله، وبنبل الموالي، وبعمر بن عبد العزيز، لا يكون والله فينا مثله أبداً‏.‏ ثم لما أتى بيت المقدس فنظر إلى الصخرة - وكان عبد الملك بن مروان هو الذي بناها - قال لكاتبه‏:‏ وهذه رابعة‏.
ولما دخل المأمون دمشق فنظر إلى جامعها وكان معه أخوه المعتصم، وقاضيه يحيى بن أكثم، قال‏:‏ ما أعجب ما فيه‏؟‏ فقال أخوه‏:‏ هذه الأذهاب التي فيه، وقال يحيى بن أكثم‏:‏ الرخام وهذه العقد، فقال المأمون‏:‏ إني إنما أعجب من حسن بنيانه على غير مثال متقدم، ثم قال المأمون لقاسم التمار‏:‏ أخبرني باسمٍ حسن أسمي به جاريتي هذه، فقال‏:‏ سمها مسجد دمشق، فإنه أحسن شيء‏.‏
وقال عبد الرحمن‏:‏ عن ابن عبد الحكم، عن الشافعي، قال‏:‏ عجائب الدنيا خمسة‏:‏ أحدها منارتكم هذه - يعني منارة ذي القرنين بالإسكندرية - والثانية أصحاب الرقيم وهم بالروم اثنا عشر رجلاً، والثالثة مرآة بباب الأندلس على باب مدينتها، يجلس الرجل تحتها فينظر فيها صاحبه من مسافة مائة فرسخ‏.‏ وقيل‏:‏ ينظر من بالقسطنطينية، والرابع مسجد دمشق وما يوصف من الإنفاق عليه، والخامس الرخام والفسيفساء، فإنه لا يدري لها موضع، ويقال‏:‏ إن الرخام معجون، والدليل على ذلك أنه يذوب على النار‏.‏ قال ابن عساكر‏:‏ وذكر إبراهيم بن أبي الليث الكاتب - وكان قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة - في رسالة له قال‏:‏ ثم أمرنا بالانتقال فانتقلت منه إلى بلد تمت محاسنه، ووافق ظاهره باطنه، أزقته أرجة، وشوارعه فرجة، فحيث ما مشيت شممت طيباً، وأين سعيت رأيت منظراً عجيباً، وإن أفضيت إلى جامعه شاهدت منه ما ليس في استطاعة الواصف أن يصفه، ولا الرائي أن يعرفه، وجملته أنه كنز الدهر، ونادرة الوقت، وأعجوبة الزمان، وغريبة الأوقات، ولقد أثبت الله عز وجل به ذكراً يدرس، وخلف به أمراً لا يخفى ولا يدرس‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/174‏)‏
قال ابن عساكر‏:‏ وأنشدني بعض المحدثين في جامع دمشق عمره الله بذكره وفي دمشق فقال‏:‏
دمشق قد شاع حسن جامعها * وما حوته ربى مرابعها
بديعة الحسن في الكمال لما * يدركه الطرف من بدائعها
طيبة أرضها مباركة * باليمن والسعد أخذ طالعها
جامعها جامع المحاسن قد * فاقت به المدن في جوامعها
بنيةِ بالإتقان قد وضعت * لا ضيع الله سعي واضعها
تذكر في فضله ورفعته * آثار صدق راقت لسامعها
قد كان قبل الحريق مدهشة * فغيرت ناره بلاقعها
فأذهبت بالحريق بهجته * فليس يرجى إياب راجعها
إذا تفكرت في الفصوص وما * فيها تيقنت حذق راصعها
أشجارها لا تزال مثمرة * لا ترهب الريح من مدافعها
كأنها من زمرد غرست * في أرض تبر تغشى بنافعها
فيها ثمار تخالها ينعت * وليس يخشى فساد يانعها
تقطف باللحظ لا بجارحة الـ * أيدي ولا تجتني لبايعها
وتحتها من رخامة قطع * لا قطع الله كف قاطعها
احكم ترخيمها المرخم قد * بان عليها إحكام صانعها
وإن تفكرت في قناطره * وسقفه بان حذق رافعها
وإن تبينت حسن قبته * تحير اللبُّ في أضالعها
تخترق الريح في منافذها * عصفاً فتقوى على زعازعها
وأرضه بالرخام قد فرشت * ينفسح الطرف في مواضعها
مجالس العلم فيه مؤنقة * ينشرح الصدر في مجامعها
وكل باب عليه مطهرة * قد أمن الناس دفع مانعها
يرتفق الناس من مرافقها * ولا يصدون عن منافعها
ولا تزال المياه جارية * فيها لما شق من مشارعها
وسوقها لا تزال آهلة * يزدحم الناس في شوارعها
لما يشاؤون من فواكهها * وما يريدون من بضائعها
كأنها جنة معجلة * في الأرض لولا مسرى فجائعها
دامت برغم العدى مسلمة * وحاطها الله من قوارعها
‏(‏ج/ص‏:‏ 9/175‏)‏
فصل فيما روي في جامع دمشق من الآثار
وما ورد في فضله من الأخبار عن جماعة من السادة الأخيار‏.‏
روي عن قتادة أنه قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالتِّينِ‏}‏ قال‏:‏ هو مسجد دمشق، ‏{‏وَالزَّيْتُونِ‏}‏ قال‏:‏ هو مسجد بيت المقدس، ‏{‏وَطُورِ سِينِينَ‏}‏‏:‏ حيث كلم الله موسى، ‏{‏وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ‏}‏ ‏[‏التين‏:‏ 1-3‏]‏‏:‏ وهو مكة‏.‏ رواه ابن عساكر‏.‏
وقال صفوان بن صالح‏:‏ عن عبد الخالق بن زيد بن واقد، عن أبيه، عن عطية بن قيس الكلابي، قال‏:‏ قال كعب الأحبار‏:‏ ليبنين في دمشق مسجد يبقى بعد خراب الدنيا أربعين عاماً‏.‏
وقال الوليد بن مسلم‏:‏ عن عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن زيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، قال‏:‏ أوحى الله تعالى إلى جبل قاسيون أن هب ظلك وبركتك إلى جبل بيت المقدس، قال‏:‏ ففعل، فأوحى الله إليه أما إذا فعلت فإني سأبني لي في خطتك بيتاً أعبد فيه بعد خراب الدنيا أربعين عاماً، ولا تذهب الأيام والليالي حتى أرد عليك ظلك وبركتك، قال‏:‏ فهو عند الله بمنزلة الرجل الضعيف المتضرع‏.‏
وقال دحيم‏:‏ حيطان المسجد الأربعة من بناء هود عليه السلام، وما كان من الفسيفساء إلى فوق فهو من بناء الوليد بن عبد الملك -يعني أنه رفع الجدار فعلاه من حد الرخام والكرمة إلى فوق - وقال غيره‏:‏ إنما بنى هود الجدار القبلي فقط‏.‏
ونقل عثمان بن أبي العاتكة عن أهل العلم أنهم قالوا في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏والتين‏)‏‏)‏ قالوا‏:‏ هو مسجد دمشق‏.‏
وقال أبو بكر أحمد بن عبد الله بن الفرج المعروف بابن البرامي الدمشقي‏:‏ ثنا إبراهيم بن مروان، سمعت أحمد بن إبراهيم بن ملاس، يقول‏:‏ سمعت عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، قال‏:‏ كان خارج باب الساعات صخرة يوضع عليها القربان، فما تقبل منه جاءت نار فأكلته، وما لم يتقبل منه بقي على حاله‏.‏ قلت‏:‏ وهذه الصخرة نقلت إلى داخل باب الساعات، وهي موجودة إلى الآن، وبعض العامة يزعم أنها الصخرة التي وضع عليها ابنا آدم قربانهما فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخرة، فالله أعلم‏.‏
وقال هشام بن عمار‏:‏ ثنا الحسن بن يحيى الخشني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ‏(‏‏(‏صلى في موضع مسجد دمشق‏)‏‏)‏‏.‏ قال ابن عساكر‏:‏ وهذا منقطع ومنكر جداً، ولا يثبت أيضاً لا من هذا الوجه ولا من غيره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/ 176‏)‏
وقال أبو بكر البرامي‏:‏ حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الملك بن المغيرة المقري، حدثني أبي، عن أبيه، أن الوليد بن عبد الملك تقدم إلى القوام ليلة من الليالي فقال‏:‏ إني أريد أن أصلي الليلة في المسجد، فلا تتركوا أحداً يصلي الليلة، فقال له بعضهم‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا الخضر يصلي في المسجد في كل ليلة‏.‏
وفي رواية أنه قال لهم‏:‏ لا تتركوا أحداً يدخله، ثم إن الوليد أتى باب الساعات فاستفتح الباب ففتح له، فإذا رجل قائم بين الساعات وباب الخضراء الذي يلي المقصورة يصلي، وهو أقرب إلى باب الخضراء منه إلى باب الساعات، فقال الوليد للقوام‏:‏ ألم آمركم أن لا تتركوا أحداً الليلة يصلي في المسجد‏؟‏ فقال له بعضهم‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا الخضر يصلي كل ليلة في المسجد‏.‏ في إسناد هذه الحكاية وصحتها نظر، ولا يثبت بمثلها وجود الخضر بالكلية، ولا صلاته في المكان المذكور، والله أعلم‏.‏
وقد اشتهر في الأعصار المتاخرة أن الزاوية القبلية عند باب المئذنة الغربية تسمى زاوية الخضر، وما أدري ما سبب ذلك، والذي ثبت بالتواتر صلاة الصحابة فيه، وكفى بذلك شرفاً له ولغيره من المساجد التي صلوا فيها‏.‏

وأول من صلى فيه إماماً أبو عبيدة بن الجراح، وهو أمير الأمراء بالشام، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأمين هذه الأمة، وصلى فيه خلق من الصحابة مثل‏:‏ معاذ بن جبل وغيره، لكن قبل أن يغيره الوليد إلى هذه الصفة، فأما بعد أن غير إلى هذا الشكل فلم يره أحد من الصحابة كذلك إلا أنس بن مالك، فإنه ورد دمشق سنة ثنتين وتسعين، وهو يبني فيه الوليد، فصلى فيه أنس ورأى الوليد وأنكر أنس على الوليد تأخير الصلاة إلى آخر وقتها كما قدمنا ذلك في ترجمة أنس، عند ذكر وفاته سنة ثلاث وتسعين‏.‏
وسيصلي فيه عيسى بن مريم إذا نزل في آخر الزمان، إذا خرج الدجال وعمت البلوى به، وانحصر الناس منه بدمشق، فينزل مسيح الهدى فيقتل مسيح الضلالة، ويكون نزوله على المنارة الشرقية بدمشق وقت صلاة الفجر، فيأتي وقد أقيمت الصلاة، فيقول له إمام الناس‏:‏ تقدم يا روح الله، فيقول‏:‏ إنما أقيمت لك، فيصلي عيسى تلك الصلاة خلف رجل من هذه الأمة، يقال‏:‏ إنه المهدي، فالله أعلم‏.‏
ثم يخرج عيسى بالناس فيدرك الدجال عند عقبة أفيق، وقيل‏:‏ بباب لد فيقتله بيده هنالك‏.‏ وقد ذكرنا ذلك مبسوطاً عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 159‏]‏ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، وإماماً عادلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام‏)‏‏)‏‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 9/177‏)‏
والمقصود‏:‏ أن عيسى ينزل على المنارة الشرقية بدمشق، والبلد محصور محصن من الدجال، فينزل على المنارة - وهي هذه المنارة المبنية في زماننا من أموال النصارى - ثم يكون نزول عيسى حتفاً لهم وهلاكاً ودماراً عليهم، ينزل بين ملكين واضعاً يديه على مناكبهما، وعليه مهروذتان، وفي رواية‏:‏ ممصرَّتان يقطر رأسه ماء كأنما خرج من ديماس، وذلك وقت الفجر، فينزل على المنارة وقد أقيمت الصلاة، وهذا إنما يكون في المسجد الأعظم بدمشق، وهو هذا الجامع‏.‏
وما وقع في صحيح مسلم، من رواية النواس بن سمعان الكلابي‏:‏ فينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، كأنه والله أعلم مروي بالمعنى بحسب ما فهمه الراوي، وإنما هو ينزل على المنارة الشرقية بدمشق، وقد أخبرت ولم أقف عليه إلا الآن أنه كذلك، في بعض ألفاظ هذا الحديث، في بعض المصنفات، والله المسؤول المأمول أن يوفقني فيوقفني على هذه اللفظة، وليس في البلد منارة تعرف بالشرقية سوى هذه، وهي بيضاء بنفسها، ولا يعرف في بلاد الشام منارة أحسن منها، ولا أبهى ولا أعلى منها، ولله الحمد والمنة‏.‏
قلت‏:‏ نزول عيسى على المنارة التي بالجامع الأموي غير مستنكر، وذلك أن البلاء بالدجال يكون قد عم فينحصر الناس داخل البلد، ويحصرهم الدجال بها، ولا يتخلف أحد عن دخول البلد إلا أن يكون متبعاً للدجال، أو مأسوراً معه، فإن دمشق في آخر الزمان تكون معقل المسلمين وحصنهم من الدجال، فإذا كان الأمر كذلك فمن يصلي خارج البلد، والمسلمون كلهم داخل البلد، وعيسى إنما ينزل وقد أقيمت الصلاة فيصلي مع المسلمين، ثم يأخذهم ويطلب الدجال ليقتله‏.‏
وبعض العوام يقول‏:‏ إن المراد بالمنارة الشرقية بدمشق، منارة مسجد بلاشو، خارج باب شرقي‏.‏
وبعضهم يقول‏:‏ إنها المنارة التي على نفس باب شرقي‏.‏
فالله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبحانه العالم بكل شيء، المحيط بكل شيء، القادر على كل شيء، القاهر فوق كل شيء، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض‏.‏
الكلام على ما يتعلق برأس يحيى بن زكريا عليهما السلام

وروى ابن عساكر، عن زيد بن واقد، قال‏:‏ وكلني الوليد على العمال في بناء جامع دمشق، فوجدنا مغارة فعرفنا الوليد ذلك، فلما كان الليل وافانا وبين يديه الشمع، فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة، ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع، وإذا فيها صندوق، ففتح الصندوق فإذا فيه سفط وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/ 178‏)‏
مكتوب عليه هذا رأس يحيى بن زكرياء، فأمر به الوليد فرد إلى مكانه، وقال‏:‏ اجعلوا العمود الذي فوقه مغيراً من بين الأعمدة، فجعل عليه عمود مسفط الرأس‏.‏
وفي رواية عن زيد بن واقد‏:‏ أن ذلك الموضع كان تحت ركن من أركان القبة - يعني قبل أن تبنى - قال‏:‏ وكان على الرأس شعر وبشر‏.‏
وقال الوليد بن مسلم‏:‏ عن زيد بن واقد، قال‏:‏ حضرت رأس يحيى بن زكريا وقد أخرج من الليطة القبلية الشرقية التي عند مجلس بجيلة، فوضع تحت عمود الكاسة، قال الأوزاعي والوليد بن مسلم‏:‏ هو العمود الرابع المسفط‏.‏
وروى أبو بكر بن البرامي‏:‏ عن أحمد بن أنس بن مالك، عن حبيب المؤذن، عن أبي زياد وأبي أمية الشعناييين، عن سفيان الثوري، أنه قال‏:‏ صلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة‏.‏ وهذا غريب جداً‏.‏
وروى ابن عساكر، من طريق أبي مسهر، عن المنذر بن نافع - مولى أم عمرو بنت مروان - عن أبيه - وفي رواية‏:‏ عن رجل قد سماه - أن واثلة بن الأسقع خرج من باب المسجد الذي يلي باب جيرون فلقيه كعب الأحبار فقال‏:‏ أين تريد‏؟‏ قال واثلة‏:‏ أريد بيت المقدس‏.‏ فقال‏:‏ تعال أريك موضعاً في المسجد من صلى فيه فكأنما صلى في بيت المقدس، فذهب به فأراه ما بين الباب الأصفر الذي يخرج منه الوالي - يعني الخليفة - إلى الحنية - يعني القنطرة الغربية - فقال‏:‏ من صلى فيما بين هذين فكأنما صلى في بيت المقدس، فقال واثلة‏:‏ إنه لمجلسي ومجلس قومي‏.‏ قال كعب‏:‏ هو ذاك‏.‏ وهذا أيضاً غريب جداً ومنكر ولا يعتمد على مثله‏.
وعن الوليد بن مسلم قال‏:‏ لما أمر الوليد بن عبد الملك ببناء مسجد دمشق وجدوا في حائط المسجد القبلي لوحاً من حجر فيه كتاب نقش، فبعثوا به إلى الوليد فبعثه إلى الروم فلم يستخرجوه، ثم بعث إلى من كان بدمشق من بقية الأسبان فلم يستخرجوه، فدل على وهب بن منبه فبعث إليه، فلما قدم عليه أخبره بموضع ذلك اللوح فوجدوه في ذلك الحائط - ويقال‏:‏ ذلك الحائط بناه هود عليه السلام - فلما نظر إليه وهب حرك رأسه وقرأه فإذا هو‏:‏
بسم الله الرحمن الرحيم، ابن آدم لو رأيت يسير ما بقي من أجلك، لزهدت في طول ما ترجو من أملك، وإنما تلقى ندمك لو قد زل بك قدمك‏.‏ وأسلمك أهلك وحشمك، وانصرف عنك الحبيب وأسلمك الصاحب والقريب، ثم صرت تدعى فلا تجيب، فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا إلى عملك زائد‏.‏
فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة، وقبل الحسرة والندامة، قبل أن يحل بك أجلك، وتنزع منك روحك، فلا ينفعك مال جمعته، ولا ولد ولدته، ولا أخ تركته، ثم تصير إلى برزخ الثرى، ومجاور الموتى، فاغتنم الحياة قبل الممات، والقوة قبل الضعف، والصحة قبل السقم، قبل أن تؤخذ بالكظم ويحال بينك وبين العمل، وكتب في زمن داود عليهما السلام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/179‏)‏
وقال ابن عساكر‏:‏ قرأت على أبي محمد السلمي، عن عبد العزيز التميمي، أنبأ تمام الرازي، ثنا ابن البرامي، سمعت أبا مروان عبد الرحمن بن عمر المازني يقول‏:‏ لما كان في أيام الوليد بن عبد الملك وبنائه المسجد احتفروا فيه موضعاً فوجدوا باباً من حجارة مغلقاً، فلم يفتحوه وأعلموا به الوليد، فخرج حتى وقف عليه، وفتح بين يديه، فإذا داخله مغارة فيها تمثال إنسان من حجارة، على فرس من حجارة، في يد التمثال الواحدة الدَّرة التي كانت في المحراب، ويده الأخرى مقبوضة‏.‏
فأمر بها فكسرت، فإذا فيها حبتان، حبة قمح وحبة شعير، فسأل عن ذلك، فقيل له‏:‏ لو تركت الكف لم تكسرها لم يسوس في هذا البلد قمح ولا شعير‏.‏
وقال الحافظ أبو حمدان الوراق - وكان قد عمَّر مائة سنة -‏:‏ سمعت بعض الشيوخ يقول‏:‏ لما دخل المسلمون دمشق وجدوا على العمود الذي على المقسلاط - على السفود الحديد الذي في أعلاه - صنماً ماداً يده بكف مطبقة، فكسروه فإذا في يده حبة قمح، فسألوا عن ذلك، فقيل لهم‏:‏ هذه الحبة قمح جعلها حكماء اليونان في كف هذا الصنم طلسماً، حتى لا يسوس القمح في هذه البلاد، ولو أقام سنين كثيرة‏.‏
قال ابن عساكر‏:‏ وقد رأيت أنا في هذا السفود على قناطر كنيسة المقسلاط كانت مبنية فوق القناطر التي في السوق الكبير، عند الصابونيين والعطارين اليوم، وعندها اجتمعت جيوش الإسلام يوم فتح دمشق، أبو عبيدة من باب الجابية، وخالد من باب الشرقي، ويزيد بن أبي سفيان من باب الجابية الصغير‏.‏
وقال عبد العزيز التميمي، عن أبي نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري‏:‏ سمعت جماعة من شيوخ أهل دمشق يقولون‏:‏ إن في سقف الجامع طلاسم عملها الحكماء في السقف مما يلي الحائط القبلي، فيها طلاسم للصنونيات، لا تدخله ولا تعشش فيه من جهة الأوساخ التي تكون منها، ولا يدخله غراب، وطلسم للفأر والحيات والعقارب، فما رأى الناس من هذا شيئاً إلا الفأر، ويشك أن يكون قد عدم طلسمها، وطلسم للعنكبوت حتى لا ينسج فيه‏.‏ وفي رواية‏:‏ فيركبه الغبار والوسخ‏.‏
قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ وسمعت جدي أبا الفضل يحيى بن علي يذكر أنه أدرك في الجامع قبل حريقه طلسمات لسائر الحشرات، معلقة في السقف فوق البطائن مما يلي السبع، وأنه لم يكن يوجد في الجامع شيء من الحشرات قبل الحريق‏.‏
فلما احترقت الطلسمات حين أحرق الجامع ليلة النصف من شعبان بعد العصر سنة إحدى وستين وأربعمائة، وقد كانت بدمشق طلسمات كثيرة، ولم يبق منها سوى العمود الذي بسوق العلبيين الذي في أعلاه مثل الكرة العظيمة، وهي لعسر بول الدواب، إذا داروا بالدابة حوله ثلاث مرات انطلق باطنها‏.‏

وقد كان شيخنا ابن تيمية رحمه الله يقول‏:‏ إنما هذا قبر مشرك مفرد مدفون هنالك يعذب، فإذا سمعت الدابة صراخه فزعت فانطلق باطنها وطبعها، قال‏:‏ ولهذا يذهبون بالدواب إلى مقابر اليهود والنصارى إذا مغلت فتنطلق طباعها وتروث، وما ذاك إلا أنها تسمع أصواتهم وهم يعذبون، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/180‏)‏
ذكر الساعات التي على بابه
قال القاضي عبد الله بن أحمد بن زبر‏:‏ إنما سمي باب الجامع القبلي باب الساعات لأنه عمل هناك بلشكار الساعات، كان يعمل بها كل ساعة تمضي من النهار، عليها عصافير من نحاس، وحية من نحاس وغراب، فإذا تمت الساعة خرجت الحية، فصفرت العصافير، وصاح الغراب، وسقطت حصاة في الطست، فيعلم الناس أنه قد ذهب من النهار ساعة، وكذلك سائرها‏.‏
قلت‏:‏ هذا يحتمل أحد شيئين‏:‏ إما أن تكون الساعات كانت في الباب القبلي من الجامع، وهو الذي يسمى باب الزيادة، ولكن قد قيل‏:‏ إنه محدث بعد بناء الجامع،
ولا ينفي ذلك أن الساعات كانت عنده في زمن القاضي ابن زبر، وإما أنه قد كان في الجامع في الجانب الشرقي منه في الحائط القبلي باب آخر في محاكاة باب الزيادة، وعنده الساعات ثم نقلت بعد هذا كله إلى باب الوراقين اليوم، وهو باب الجامع من الشرق، والله أعلم‏.‏
قلت‏:‏ باب الوراقين قبلي أيضاً، فيضاف إلى الجمع نسبة إلى من يدخل منه إلى الجامع الله أعلم، أو لمجارته للجامع ولبابه‏.‏
قلت‏:‏ فأما القبة التي في وسط صحن الجامع التي فيها الماء الجاري، ويقول العامة لها قبة أبي نواس فكان بناؤها في سنة تسع وستين وثلاثمائة أرخ ذلك ابن عساكر عن خط بعض الدماشقة‏.‏
وأما القبة الغربية العالية التي في صحن الجامع التي يقال لها قبة عائشة، فسمعت شيخنا الذهبي يقول‏:‏ إنها إنما بنيت في حدود سنة ستين ومائة في أيام المهدي بن منصور العباسي، وجعلوها لحواصل الجامع وكتب أوقافه، وأما القبة الشرقية التي على باب مسجد علي فيقال‏:‏ إنها بنيت في زمن الحاكم العبيدي في حدود سنة أربع ومائة‏.‏
وأما الفوارة التي تحت درج جيرون فعملها الشريف فخر الدولة أبو علي حمزة بن الحسن بن العباس الحسني، وكأنه كان ناظراً بالجامع وجر إليها قطعة من حجر كبير من قصر حجاج، وأجرى منها الماء ليلة الجمعة لسبع ليال خلون من ربيع الأول سنة سبع عشرة وأربعمائة وعملت حولها قناطر، وعقد عليها قبة، ثم سقطت القبة بسبب جمال تحاكت عندها وازدحمت، وذلك في صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة، فأعيدت ثم سقطت أعمدتها وما عليها من حريق اللبادين والحجارة في شوال سنة اثنتين وستين وخمسمائة، ذكر ذلك كله الحافظ ابن عساكر‏.‏
قلت‏:‏ وأما القصعة التي كانت في الفوارة، فما زالت وسطها، وقد أدركتها كذلك، ثم رفعت بعد ذلك‏.‏
‏(‏ج/ص‏:‏ 9/181‏)‏
وكان بطهارة جيرون قصعة أخرى مثلها، فلم تزل بها إلى أن تهدمت اللبادين بسبب حريق النصارى في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ثم استؤنف بناء الطهارة على وجه آخر أحسن مما كانت، وذهبت تلك القصعة فلم يبق لها أثر، ثم عمل الشاذروان الذي شرقي فوارة جيرون، بعد الخمسمائة - أظنه - سنة أربع عشرة وخمسمائة، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

ذكر ابتداء أمر السبع بالجامع الأموي
قال أبو بكر بن أبي داود‏:‏ ثنا أبو عباس موسى بن عامر المري، ثنا الوليد - هو ابن مسلم - قال‏:‏ قال أبو عمر الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال‏:‏ الدراسة محدثة أحدثها هشام بن إسماعيل المخزومي، في قدمة قدمها على عبد الملك، فحجبه عبد الملك فجلس بعد الصبح في مسجد دمشق فسمع قراءة فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فأخبر أن عبد الملك يقرأ في الخضراء، فقرأ هشام بن إسماعيل، فجعل عبد الملك يقرأ بقراءة هشام، فقرأ بقراءته مولى له، فاستحسن ذلك من يليه من أهل المسجد فقرؤوا بقراءته‏.‏
وقال هشام ابن عمار خطيب دمشق‏:‏ ثنا أيوب بن حسان، ثنا الأوزاعي، ثنا خالد بن دهقان، قال‏:‏ أول من أحدث القراءة في مسجد دمشق هشام بن إسماعيل بن المغيرة المخزومي، وأول من أحدث القراءة بفلسطين الوليد بن عبد الرحمن الجرشي‏.‏
قلت‏:‏ هشام بن إسماعيل كان نائباً على المدينة النبوية، وهو الذي ضرب سعيد بن المسيب لما امتنع من البيعة للوليد بن عبد الملك، قبل أن يموت أبوه، ثم عزله عنها الوليد وولى عليها عمر بن عبد العزيز، كما ذكرنا‏.‏
وقد حضر هذا السبع جماعات من سادات السلف من التابعين بدمشق، منهم هشام بن إسماعيل ومولاه رافع وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، وكان مكتباً لأولاد عبد الملك بن مروان، وقد ولي إمرة إفريقية لهشام بن عبد الملك وابنيه عبد الرحمن ومروان‏.‏
وحضره من القضاة أبو إدريس الخولاني، ونمير بن أوس الأشعري، ويزيد بن أبي الهمداني، وسالم بن عبد الله المحاربي، ومحمد ابن عبد الله بن لبيد الأسدي‏.‏
ومن الفقهاء والمحدثين والحفاظ المقرئين أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى معاوية ومكحول وسليمان بن موسى الأشدق، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وأبو إدريس الأصغر عبد الرحمن بن عراك، وعبد الرحمن بن عامر اليحصبي - أخو عبد الله بن عامر - ويحيى بن الحارث الدماري، وعبد الملك بن نعمان المري، وأنس بن أنس العذري، وسليمان بن بذيغ القاري، وسليمان بن داود الخشني، وعران - أو هران - بن حكيم القرشي، ومحمد بن خالد ابن أبي ظبيان الأزدي، ويزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر، وعباس بن دينار وغيرهم‏.‏ و هكذا أوردهم ابن عساكر‏.‏
قال‏:‏ وقد روى عن بعضهم أنه كره اجتماعهم وأنكره، ولا وجه لإنكاره‏.‏
ثم ساق من طريق أبي بكر بن أبي داود، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا الوليد - هو ابن مسلم -، عن عبد الله بن العلاء، قال‏:‏ سمعت الضحاك بن عبد الرحمن بن عروب ينكر الدراسة ويقول‏:‏ ما رأيت ولا سمعت وقد أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/182‏)‏
قال ابن عساكر‏:‏ وكان الضحاك بن عبد الرحمن أميراً على دمشق في أواخر سنة ست وثمانين في خلافة عمر بن عبد العزيز‏.‏
فصل ‏(‏بناء الجامع الأموي‏)‏
كان ابتداء عمارة جامع دمشق في أواخر سنة ست وثمانين، هدمت الكنيسة التي كانت موضعه في ذي القعدة منها، فلما فرغوا من الهدم شرعوا في البناء، وتكامل في عشر سنين، فكان الفراغ منه في هذه السنة - أعني سنة ست وتسعين -
وفيها توفي بانيه الوليد بن عبد الملك، وقد بقيت فيه بقايا فكملها أخوه سليمان كما ذكرنا‏.‏ فأما قول يعقوب بن سفيان‏:‏ سألت هشام بن عمار عن قصة مسجد دمشق وهذه الكنيسة قال‏:‏ كان الوليد قال للنصارى‏:‏ ما شئتم أنا أخذنا كنيسة توما عنوة وكنيسة الداخلة صلحاً، فأنا أهدم كنيسة توما - قال هشام وتلك أكبر من هذه الداخلة - قال فرضوا أن يهدم كنيسة الداخلة وأدخلها في المسجد، قال‏:‏ وكان بابها قبلة المسجد اليوم، وهو المحراب الذي يصلى فيه‏.‏
قال‏:‏ وهدم الكنيسة في أول خلافة الوليد سنة ست وثمانين، ومكثوا في بنائها سبع سنين حتى مات الوليد ولم يتم بناءه، فأتمه هشام من بعده ففيه فوائد وفيه غلط، وهو قوله إنهم مكثوا في بنائه سبع سنين، والصواب عشر سنين، فإنه لا خلاف أن الوليد بن عبد الملك توفي في هذه السنة - أعني سنة ست وتسعين - وقد حكى أبو جعفر بن جرير على ذلك إجماع أهل السير، والذي أتم ما بقي من بنائه أخوه سليمان لا هشام، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏
قلت‏:‏ نقل من خط ابن عساكر وقد تقدم، وقد جددت فيه بعد ذلك أشياء، منها القباب الثلاث التي في صحنه‏.‏ وقد تقدم ذكرها‏.‏ وقيل إن القبة الشرقية عمرت في أيام المستنصر العبيدي في سنة خمسين وأربعمائة وكتب عليه اسمه واسم الاثني عشر الذين تزعم الرافضة أنهم أئمتهم، وأما العمودان الموضوعان في صحنه فجعلا للتنوير ليالي الجمع، وصنعا في رمضان سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، بأمر قاضي البلد أبي محمد‏.‏

الجـامع الأموى فى دمشق

الجـــامع الأموى فى دمشق كان كنيسة القديس يوحنا المعمدان




تنقسم دمشق إلى قسمين متميزين احدهما دمشق القديمة والأخرى دمشق الجديدة , وتتميز دمشق القديمة بآثارها ومنها الجامع الأموى ، ويطلق عليه "جامع بني أمية الكبير"، ويقال أن الجامع الأموى أقيم مكان المعبد الآرامي " حَـدَد ْ" الذي يرجع إنشاؤه إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد ، وقد بني عليه المعبد الروماني للإله "جوبيتر الدمشقي" في القرن الثالث الميلادي .


وقد أقام البيزنطيين المسيحيين كنيسة القديس "يوحنا المعمدان" فى نفس المكان أواخر القرن الرابع الميلادي.


وقد أمر الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك" بتشييد الجامع سنة 86هـ / 705 م واستغرق بناؤه عشر سنوات ، وعندما تم بناؤه خرجت مكوناته المعمارية آية في جمال وروعة وعظمة فن العمارة والزخرفة العربية الإسلامية في تلك الحقبة كدرة في تاج عاصمة عائلة الخلافة الأموية العربية الإسلامية، التي كانت أعظم إمبراطورية اتساعا وقوة في العالم في ذلك الحين.


وللجامع الأموي ثلاث مآذن وأربعة أبواب وقبة تعلوه وقباب ثلاث في صحنه، وحرم أو مصلّى في داخله.


المآذن فهي ثلاث:


المئذنة الشمالية: ويطلق عليها " مئذنة العروس " ، ويطلق عليها " المئذنة البيضاء " و" مئذنة الكلاسة " نسبة إلى حي "الكلاسة" التي تقع عنده.






المأذنة الشرقية: ويطلق عليها "مأذنة عيسى"، كما يطلق عليها اسم "مأذنة النوفرة" نسبة إلى حي "النوفرة" الذى يقع فى أتجاه هذه الماذنة .


المئذنة الغربية: ويطلق عليها "مأذنة قايتباي" (أو مأذنة المِسْكِيّة) نسبة إلى الملك "قايتباي المحمودي" (من عصر المماليك الذين حكموا مصر ) وكانت هذه الماذنه قد تهدمت إثر أحد الحرائق الكثيرة التي أصابت المسجد. ثم أمر بإعادة بنائها سنة 893هـ/1488م فاطلقت عليها أسمه .


وفى الجهة الغربية من صحن الجامع الكبير تقع قبة الخزنة (بيت المال).


أمّا في الجهة الشرقية من الصحن فتقع قبة الساعات (أو قبة زين العابدين).


والمساحة التى بين القبتين أنشأوا بركة ماء للوضوء هي الأثر الذي ظل متواجداً دليل على أن هناك كانت قبة ثالثة أطلق عليها "قبة النوفرة"- وكان يطلق عليها " قبة عائشة " وقد أزيلت مؤخراً.


أما المسجد أو المصلى أو الحرم حيث أعتاد المسلمون إقامة الصلاة، فتعلوه قبة بارتفاع يقارب 36 متراً يطلق عليها " قبة النسر " وذلك لأن العرب الأمويين رسموا الحرم على شكل " النسر " حيث القبة رأسُه ، والرّواق القاطع جسمُه ، والرواقان عن يمينه وشماله جناحاه.

أبواب الجامع الأربعة:


الباب الشمالي: ويطلق عليه اليوم "باب العمارة" وكان يطلق عليه سابقاً أسم "باب الفراديس" ثم "باب الناطفانيين".


الباب الشرقي: ويطلق عليه أسم "النوفرة" وكان يطلق عليه سابقاً أسم " باب جيرون ".






الباب الغربي: وهو "باب البريد".


الباب الجنوبي: ويطلق عليه أسم "باب الزيادة" أو "باب القوّافين" ويفتح في الحرم مباشرة.


ويوجد فى صحن المسجد تشاهد الأعمدة الداخلية التي جرى ترميمها حديثاً حاملة تيجانها الضخمة تربطها القناطر والأقواس التي تصلها ببعضها وتسقف الأروقة.


ومجملة بالزخارف الجميلة التي تزين سقف "باب البريد" والتي تشكل مع المقنطرات المختلفة لوحة فنية مستقاه من الفن البيزنطى والفارسى .


واجهة الحرم فتزينها لوحة فسيفسائية ضخمة بأشكالها النباتية المزركشة ذات الطابع المسيحي الذي يعود لكنيسة يوحنا المعمدان التي كانت مكان المسجد واستولى عليه المسلمون وحولوها مسجداً وهذه واجهة الجامع الأموى فى دمشق ويغلب عليه الطابع الكنسى البيزنطى .


ونور الشمس الخافت يتسلل داخل الحرم عبر النوافذ العلوية الضخمة الملونة بالأزرق والأخضر والأحمر والأبيض ، تزينها الأشكال الهندسية الفارسية المختلفة كالمَعين والمربع وغيرهما.


وهناك عشرات من الثريات المدلاة من السقف بسلاسل معدنية طويلة تنير رحاب الحرم



مدفن رأس يوحنـــــــــــــــــا المعمدان


وفى أركان المصلى حيث توجد حلقات تضم نحو عشرة أشخاص يدرسون تجويد القرآن الكريم بإشراف الشيوخ

يقع مقام جدرانه شبكية مذهبة يسميه المسلمين "مقام النبي يحيى" وهو " يوحنا المعمدان "الذي قام بتعميد السيد المسيح في "نهر الشريعة"( وهو جزء من "نهر الأردن")، و يضم رأس "النبي يحيى" ومن المعروف أن جسده فى مصر حسب ما ذكر التقليد القبطى والكتب القديمة ولكن لا يعرف أحداً أين هو .




هـــــــــــل هذا المكـــــــان هو مقر يوحنـــــــا المعمدان ؟


فى خبر لوكالة الأنباء بى بى سى العالمية بتارسخ 17/8/2005م ذكرت أن عالم آثار بريطاني انه عثر على كهف يعتقد أن كان يستخدمه "يوحنا المعمدان" المذكور في العهد الجديد بالكتاب المقدس (الانجيل) للتعميد .


وقد قضى العالم البريطاني شيمون جيبسون خمس سنوات في التنقيب في الموقع القريب من مدينة القدس ( الصورة المقابلة ) ، وقد عثر في أثناء الحفر على عدد من القطع والأدوات التي كانت تستخدم قديما على ما يبدو في طقوس الغفران.


وقد اكتشفت بعض الرسوم المحفورة على جدران الكهف يظهر في احدها رجل بشعر أشعث يحمل عصا يقال انه رسم يمثل يوحنا المعمدان الذي يذكر الإنجيل انه عمد السيد المسيح فى نهر الأردن .


ويوجد على حائط الكهف رسم آخر يظهر وجه فقط في إشارة رمزية لرأس مقطوع مما يمكن أن يربط بما يقال عن أن هيرود انتيباس الذي كان يحكم الأراضي المقدسة في عهد المسيح قطع رأس يوحنا.


وقد شكك الدراسون الإنجيليون في الكشف الجديد والذي وصفوا نتائجه بأنها غير حاسمة ، وتلقوا نبأ الكشف بحذر. وقالوا إن نتائج الكشف مثيرة للاهتمام إلا أن الأمر يحتاج إلى مزيد من العمل والبحث


وموقع الكهف يبعد أربعة كيلو مترات عن المكان الذي يعرف عنه تاريخيا بأنه موقع ميلاد يوحنا في عين كريم ، ويقع الكهف على عمق 42 مترا تحت سطح الأرض . وبالكهف 28 درجة من درجات سلم مؤدية إلى حجرة خاصة تحوي حجرا بيضاويا حفر به فجوة للقدم، وتجويف آخر يستخدم غالبا في غمر قدم الناسك بالزيت ( الصورة القابلة ) . يعتقد ان اقدام الناسكين كانت تدهن بالزيت بهذه الطريقة


وقد عثر جيبسون على ربع مليون قطعة من الخزف يبدو أنها من القطع الأثرية التي كانت تستخدم في عملية التعميد في ذلك الوقت.


وقال جيبسون إن الكشف مذهل لا يحدث لعالم آثار سوى مرة واحدة في العمر، وأضاف "لم يعثر على كشف مثل هذا في أي مكان آخر، إنها المرة الأولى التي نعثر فيها على اكتشافات تعود إلى فترة التعميد المبكرة".


ولكن أيا كانت النتائج التى سيسفر عنها الكشف أى ما إذا كان هذا الكهف خاص بالمكان الذى كان مقر تعميد يوحنا المعمدان أمن لا إلا أنه بصورة قاطعة أن نتائج الكشف فسيعد واحدا من اكبر الاكتشافات التي شهدها التاريخ المسيحي في الآونة الأخيرة لأنه سيكشف عن فترة زمنية كانت مختفية فى التاريخ البشرى لهذه المنطقة

http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_3571000/3571812.stm لمزيد من المعلومات راجع موقع ال بى بى سى


كتاب قديم يحكى قصة كنيسة مار يوحنا التى حولها المسلمين جامعاً

وفى كتاب قديم عنوانه، "نزهة الأنام في محاسن الشام"، لمؤلفه أحد علماء القرن التاسع، أبي البقاء عبد الله بن محمد البدري المصري الدمشقي.


يقول المؤلف نقلاً عن الحافظ بن عساكر: "لما فتح الله تعالى على المسلمين الشام بكماله (بلاد الشام كلها) ومن جملته دمشق المحروسة بجميع أعمالها وأنزل الله رحمته فيها وساق برّه إليها، كتب أمير المؤمنين وهو إذ ذاك أبو عبيدة رضي الله عنه كتاب أمان وأقرّ بأيدي النصارى أربع عشرة كنيسة وأخذ منهم نصف هذه الكنيسة، وأخذ منهم التي كانوا يسمونها كنيسة مر يحنا بحكم أن البلد فتحه خالد بن الوليد رضي الله عنه من الباب الشرقي بالسيف وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة وهو على باب الجابية، فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف البلد صلحاً ونصفه عنوة، فأخذ المسلمون نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة رضي الله عنه مسجداً وكانت قد صارت إليه إمارة الشام فكان أول من صلى فيه أبو عبيدة رضي الله عنه ثم الصحابة بعده في البقعة التي يقال لها محراب الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن الجدار مفتوحاً بمحراب محنى وإنما كان المسلمون يصلون عند هذه البقعة المباركة. وكان المسلمون والنصارى يدخلون من باب واحد وهو باب المعبد الأصلي الذي كان في جهة القبلة مكان المحراب الكبير الذي هو اليوم حسبما سلف لنا ذكره، فينصرف النصارى إلى جهة الغرب لكنيستهم ويأخذ المسلمون يمنة إلى مسجدهم. ولا يستطيع النصارى أن يجهروا بقراءة كتابهم ولا يضربون بناقوس إجلالاً للصحابة رضي الله عنهم ومهابة لهم وخوفاً منهم!."


"وقال ابن عساكر: لما صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك عزم على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين وجعل الجميع مسجداً واحداً، وذلك لتأذَي المسلمين بسماع قراءة النصارى في الإنجيل ورفع أصواتهم في الصلاة، فأحبَّ أن يبعدهم عن المسلمين فطلب النصارى وسألهم أن يخرجوا عن بقية الكنيسة ويعوّضهم إقطاعات كثيرة عرضها عليهم وأن يقرّ لهم أربع كنائس لم تدخل في العهد وهي كنيسة مريم وكنيسة المُصلَّبة وكلاهما داخل الباب الشرقي وكنيسة تل الجبن وكنيسة حميد بن درّة التي بدرب الصيقل، (سميت بهذا الاسم لأن الدرب أي الطريق كان إقطاعاً لحميد بن عمرو بن مساحق القرشي العامري وأمه درة بنت أبي هاشم خال معاوية بن أبي سفيان. وكان الخلفاء يمنحون الإقطاعات من الأراضي التي يحتلونها لمن شاؤوا من أتباعهم ) فأبوا ذلك أشدّ الأباء، فقال: أئتونا بعهدكم الذي بأيديكم في زمن الصحابة، فقُرئَ بحضرة الوليد، فإذا كنيسة توما التي كانت خارج باب توما لم تدخل في العهد، وكانت فيما يُقال أكبر من كنيسة مر يحنا فأقـرّهم على تلك الكنائس، وأخذ منهم بقية الكنيسة. ثم أمر الوليد بالهدم، فجاءت أساقفة النصارى وقساوستهم وقد ندموا فقالوا يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن، فقال أنا أحب أن أجن في الله، والله لا يهدم فيها أحد قبلي، ثم صعد المنارة الغربية وكانت صومعة عظيمة، فإذا فيها راهب فأمره بالنزول منها فأبى الراهب، فأخذه بقفاه وحدّره منها ثم وقف على أعلى مكان منها فوق المذبح الأكبر الذي يسمونه الشاهد وأخذ فأساً وضرب أعلى حجر فألقاه، فتبادر الأمراء والأجناد إلى الهدم بالتكبير والتهليل، والنصارى تصرخ بالعويل على درج باب البريد وجيرون وقد اجتمعوا، فأمر الوليد صاحب الشرط أن يضربهم، وهدم المسلمون جميع ما كان من آثارهم من المذابح والحنايا حتى بقي صرحةً مربعة.


ويتابع الكتاب قائلاً: "واستعمل الوليد في هذا المسجد خلقاً كثيراً من الصناع والمهندسين والمرخّمين. وكان المُسْتَحثّ على عمارته أخوه سليمان بن عبد الملك، ويقال أن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعاً في الرخام والأحجار وغير ذلك ليعمروا هذا المسجد على ما يريد، وأرسل يتوعّده إن لم يفعل ليغزونَّ بلاده بالجيوش وليخربنَّ كل كنيسة في بلاده حتى القيامة التي بالقدس الشريف ويهدم كنيسة الرها وجميع آثار الروم (فليتأمل القارئ بهذا الابتزاز أيضاً). فبعث ملك الروم صناعاً كثيرة جداً وكتب إليه يقول له: إن كان أبوك فهم هذا الذي تصنعه وتركه فإنه لوصمة عليك، وإن لم يفهمه وفهمته أنت فإنه لوصمة عليه! فأراد أن يكتب إليه الجواب، وإذا بالفرزدق الشاعر دخل عليه فأخبره بما كتبه ملك الروم فقال (الشاعر) يا أمير المؤمنين أنت جعلت أخاك سليمان هو القائم بأمر العمارة والجواب بنص القرآن، " ففهَّمناها سـليمان وكُلاًّ آتينا حكماً وعلماً!" (سورة الأنبياء 79 ) . فأعجب ذلك الوليد وأرسل به جواباً لملك الروم. (هنا يظهر استهتار الوليد في استعماله لآية قرآنية قصد بها القرآن الملك سليمان الحكيم فأجاب بها يسخر بتأنيب ملك الروم له على قيامه بعمل ينافي الأصول والأخلاق.


ويذكر الدكتور فيليب حتي في كتابه "تاريخ سورية ولبنان وفلسطين" أن الوليد أرسل إلى إمبراطور الروم في طلب مئة من الفنانين اليونان لبناء المسجد، بينما يذكر ابن عساكر وكتاب العيون، أن عدد الصناع كان مئة ألف وأن بعضهم استخدموا في مكة والمدينة.


ويتابع الكتاب قائلاً: "وعن يزيد بن واقد قال: وكّلني الوليد على العمال في بناء الجامع فوجدنا فيه مغارة فعرّفنا الوليد. فلما كان الليل وافى وبين يديه الشمع فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع ، وإذا فيها صندوق ففتح الصندوق فإذا فيه سفط (إناء) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا. فأمر الوليد بردّه إلى مكانه وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مُعيَّناً بين الأعمدة. فجعلوا عليه عموداً مسفّط الرأس ."


تابع الكتاب قائلاً: "وقال بعض المؤرخين، أن الشرقية (أي المنارة الشرقية من الجامع) احترقت في سنة أربعين وسبعمائة فنقضت وجددت من أموال النصارى لكونهم اتّهموا بحرقها وأقرّ بعضهم بذلك، (إذا فُرض عليهم القبول بالتنازل عن الكنيسة فلا يُستبعد أيضاً أن يكون الإقرار قد فرض عليهم، فلم يكن كافياً أنهم قد استولوا على الكنيسة ثم عمروا الجامع بأيدي المسيحيين، بل أيضاً كلما حدث حادث للجامع اتهموا المسيحيين به وفرضوا عليهم إصلاح الضرر من أموالهم!) ، فقامت على أحسن شكل، وقال بعض العلماء في المنارة الشرقية البيضاء التي ينزل عليها عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان بعد خروج الدجال كما ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان والله أعلم.

يتابع الكتاب قائلاً: "ومن محاسن الشام ما وصف جامعَها به العلامة اليعقوبي، قال: مدينة دمشق جليلة قديمة وهي مدينة الشام في الجاهلية والإسلام.. وأما جامعها فليس في مدائن الإسلام أحسن منه، بناه الوليد في خلافته بالرخام والذهب سنة ثمان وثمانين." وينقل الكتاب عن مؤرخ آخر وهو الشيخ بن جبير، قوله: "وكان أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لما دخلها، صالح النصارى بأن أخذ نصف الكنيسة الشرقي فصيره مسجداً وبقي النصف الغربي للنصارى، فأخذه الوليد وأدخله في الجامع (ضمّه إلى الجامع) بعد أن أرغبهم في التعويض عنه، فأبوا فأخذه قسراً!"

جـــــــــــرن معمــــــــــمودية فى داخل المسجد


إن وزارة الأوقاف السورية، إذ تقوم اليوم بعمليات إصلاح وتجديد وترميم كبيرة على المسجد الأموي، فإن أعظم ما يُخشى هو أن تقوم هذه السلطات بإزالة بعض الآثار المسيحية المتبقية والتي اكتشفت مؤخراً بعد أعمال الترميم التي تمت خلال الأعوام الماضية. فبالإضافة إلى ضريح القديس يوحنا الذي لا زال قائماً داخل المسجد والذي ليس هناك ما يدعو إلى القلق على مصيره لاعتقاد المسلمين بكرامة يوحنا والذي يدعونه يحيى، هناك أيضاً داخل المسجد في الجهة الشمالية الشرقية، جرن رخامي عظيم القدم تظهر على جوانبه آثار المستحاثات وكان يستعمله المسيحيون لعماد أطفالهم. أما ما يُخشى عليه فهو الكتابة الموجودة على البوابة الجنوبية والمنقوشة بالأحرف اليونانية والتي تقول: "ملكك أيها المسيح ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور." هنالك أيضاً صورة لوجه السيد المسيح وعلى رأسه إكليل شوك، ظهرت مؤخراً على يسار البوابة الجنوبية الأخرى المواجهة لسوق الصاغة وقيل أنه قد سبق وان حاول المسؤولون إزالة هذه الكتابات والصور ولكن تدخل هيئة الآثار الدولية وتقديم تبرعات مادية قد حال دون ذلك.


نفق قديم يربط بين الكنائس


أما في باحة الجامع، فهناك بقعة من الأرض تحت فناءٍ مسقوف، إذا ما وقف الزائر في منتصفها وضرب عليها بقدمه، فإنه يسمع صدىً عميقاً لهذه الضربات. ومردّ ذلك هو أن هذه البقعة، حسب خبراء الآثار، كانت مدخلاً أو مخرجاً لنفق طويل يربط كنيسة القديس يوحنا (الجامع الأموي) بكنيسة حنانيا، وهي كنيسة صغيرة تبعد عن المكان بما يقل عن الميل، وتقع إلى الجهة الشمالية من الباب الشرقي لدمشق في نهاية طريق صغير يحمل اسم الكنيسة نفسها. ولدخول هذه الكنيسة، ينبغي للزائر أن ينزل عدة درجات تحت الأرض وهناك يجد نهاية النفق في أسفل منتصف الحائط الغربي، وقد سدّ ببعض الأحجار خوفاً من دخول أحد إليه. وقيل أن المسيحيين كانوا يستعملون هذا النفق للانتقال بين الكنيستين أو كمعبر هروب خوفاً من الاضطهاد. وفي الستينات، خلال عمليات الحفر التي كانت تجري لتوسيع كنيسة الروم الأرثوذكس المعروفة بالمريمية، والواقعة بين كنيسة يوحنا وحنانيا، ظهرت أجزاء من النفق وقيل أن جماجم وهياكل بشرية عثر عليها في داخلها.