مرحباً بكم في مدونة المسيح مخلصي وهى تحتوي على موضوعات مسيحية متعددة بالاضافة الي تاريخ الاباء البطاركة المنقول من موسوعة تاريخ اقباط مصر للمؤرخ عزت اندراوس بالاضافة الي نشر الكثير عن تاريخ الاباء

الأحد، أكتوبر 30، 2011

البطاركة الذين عاصروا ولاة مصر المسلمين شبة المستقلين (غير عرب) (الأسرة الطولونية - والأسرة الإخشيذية) أثناء الإحتلال العباسى الإسلامى السنى لمصر - البابا شنوده الأول البطريرك رقم 55

البابا شنوده الأول البطريرك رقم 55

أولاد يهوذا الإسخريوطى الخائن وأقباط مصر
إختيار البابا :
بدا الأساقفه يجرون مشاورات مختلفه ليختاروا من يكون مستحقا للبطريركيه بمفردهم وفى نفس الوقت كان كهنه وشعب مدينه الإسكندريه يتشاورون لمن يصلح لهذا المنصب0 وتم مثل هذا التشاور أيضا فى مدينه مصر( بابليون) 0 ولم يعلم شعب مصر أن الرب قد إختار من يرعى شعبه0
ولما طال أمر التشاور إجتمع الأساقفه مع كهنه وشعب الإسكندريه وذهبوا جميعا الى مصر بدأوا يذكرون أسماء الكهنه والرهبان والعلمانيين الذين إشتهروا بالعفه وطهاره القلب والعلم ومعرفه الكتب الإلهيه فلم يتفقوا على واحد0 فى هذا الوقت دخل إبراهيم الأرخن بسبب خراج أراضى الكنيسه فلما رأوه الآباء الأساقفه والأراخنه والشعب القبطى فرحوا به فرحا عظيما ليأخذوا رأيه لإنه كان فيه روحا مقدسه فذكر لهم بعض الأسماء 0 وكان فى دير ابو مقار رئيسا إسمه شنوده مشهورا بالصفات السابقه كما انه قام ببناء كنيسه بالدير وبنى كنائس أخرى0 وكان شنوده قد جاء لمقابله إبراهيم الأرخن ليقضى له إحتياجات الكنيسه0 ولما قضى شنوده حاجات الكنيسه ذهب الى البريه بسرعه فى ليله 27 من كيهك ليقضى عيد الميلاد فى كنيسته وفى العاده تعيد الكنيسه القبطيه عيد الميلاد المجيد إما 28 كيهك أو 29 كيهك0
وفى اليوم التالى إجتمع الجميع مره أخرى فى كنيسه القديس أبو سرجه ( سرجيوس وراخس ) بقصر الشمع (حصن بابليون) حصل أن الجميع قالوا بنفس واحده لا يصلح لهذه الرتبه إلا شنوده الراهب بدير أبو مقار وصاحوا جميعا بصوت واحد00 مستحق مستحق مستحق00 فخرجوا يبحثون عنه وذهبوا الى إبراهيم الأرخن ظانين أنه ما زال فى مصر وأعلموا إبراهيم بإختيارهم شنوده ولكنهم لم يعلموا بذهابه الى ديره بسرعه فقال لهم:إن شنوده ما زال فى طريقه الى الدير فأنا أحضره إليكم بحجه أنكم تريدون أن تسألوه عن أسماء أخرى لإختيار منها واحدا يصلح ان يكون بطريركا لإن المجتمعين لم يتفقوا على شخص حتى الآن0 ثم كتب خطابا الى شنوده الراهب بهذا المعنى .حضر شنوده الى مصر فى أول طوبه وكانت جموع الأقباط قد علمت بوصوله الى مدينه مصر فتزاحم الأقباط داخل وخارج كنيسه أبى سرجه وكانوا قد بدأوا فى صلاه القداس الإلهى0 فحدث ان الراهب شنوده حضر وهو لم يعلم حقيقه إستدعائه ودخل فجأه أثناء تلاوه صلاه القداس الإلهى وكان القس قد وصل الى عباره ( هو مستحق وعادل ) فتهلل الجمع وصاحوا بصوت عظيم 00 مستحق مستحق مستحق00 وإرتجت الكنيسه وصاحت الجموع بأكثر من السابق 00 مستحق بالحقيقه00 ووثبوا عليه ومسكوه وقيدوا رجليه بالحديد فصرخ وبكى وقال لهم: ما هذا الذى تفعلوه أمام الله ؟ أنتم تظنون أننى مستحق هذه الرتبه لا تفكروا أننى مستحق هذه الدرجه0ويقول ابن المقفع ج2 ص12 ( وكان الله إختاره وأراد أن يقدمه راعيا لهذه الأمه الضعيفه) وفرح شعب الله وقالوا أيضا مبارك الآتى بإسم الله فتفائل الأقباط بما حدث وإعتبروا ما حدث دليلا على أن الله قد إختار شنوده الراهب لهذا المنصب الخطير0 وحملوه بسرعه ليكرزوه فى مدينه الإسكندريه وكانت الأخبار قد سبقتهم الى المدينه العظيمه فلما وصلوا بالقرب من الإسكندريه خرجت جماهير الأقباط فإستقبلوه ودخلوا الى مدينه الإسكندريه بالتهليل والفرح وكرامه وكان يصحبهم جميع شيوخ ورهبان بريه شهيت (وادى هبيب) لكثره محبتهم له وكان ذلك فى يوم 11 من طوبه وحدث أنه هطل مطر غزير فى هذا اليوم ورسم فى 13من سنه 575ش من طوبه وأصبح البابا شنوده الأول البطريرك رقم 55
وكان هذا البطريرك دموعه تنساب على خديه وكان يقول فى تواضع: أنه فى تفكيرى لا يوجد أعلى من مجد عروس المسيح ( الكنيسه) وحسنها وعلوها الروحى وعندما أصبحت أنا الضعيف الخاطئ بطريركا فلا بد أن شعبك يارب قد أغضبك وأخطأ إليك0 وهكذا ظل يبكى أمام الجميع لإجل ضعفه وضعف الشعب0وتعجب الشعب من تواضعه والنعمه الباديه عليه وهيبه إسم المسيح عندما كان بتفوه بهذا الإسم المبارك ويقول ابن المقفع ج2 ص13( انه كان مثل الطفل عينه على أمه ) بما معنى أنه لا يوجد آخر تحت السماوات بإسمه يتم الخلاص

وكتب كتبا فيها وصايا للأساقفه وللأراخنه وللشعب وللأطفال لتعليمهم فى الكتاتيب ( المدارس الأوليه) كما أرسل كتبا الى كرسى أنطاكيه0
وأنتهز والى مصر هذه الفرصه ليأخذ رشوه فطلب من الأقباط مبلغا كبيرا ففر شنوده هاربا فذهب الى الأديره المجهوله فى أقصىالبلاد فلم يعرف المسلمون مقره فنهب المسلمون أمتعه القسوس وقفلوا جميع الكنائس فى الفسطاط وبابليون إلا واحده ، فلما سمع البابا أن لأولاده يعذبون بسبب هروبه رجع وسلم نفسه للوالى ، فجمع الأقباط 4000 قطعه ذهب وقدموها للوالىوتعهدوا بدفع مبلغ سنويا له إذا عفى عن البابا ففعل وقبل0 البابا شنوده والإيمان الخاطئ: كان البابا شنوده1 البطريرك55 عالما متواضعا تقيا وحدث أن أهل قريه يوحسا وهى من قرى مريوط ويسمون بالأربعه عشريه كانوا لا يزالون متمسكين ببدعتى أوطاخى وأبوليناريوس وكانوا يعتقدون أن المسيح لم يتألم فعلا على الصليب وإنما كل ما حدث كان مثل حلم فى نوم0 سمع أهالى هذه القريه بنعمه الروح القدس التى تفيض البابا شنوده فحضروا إليه بفرح عظيم طالبين أن يوضح لهم الإعتقاد الصحيح فوضح لهم أقوال الكتب المقدسه وآباء الكنيسه الأولى فقالوا له: أعطينا الآن ختم الإيمان0 فلما وجد إشتياقهم فى تقبل الإيمان المسيحى الصحيح فى أمانه ، فرح فرحا عظيما فأخذهم وأعطاهم ختم المعموديه المقدسه0 ورفضوا تعاليم كل من اغايس واوريجنس وبليناريوس ولفرناساوس وغيرهم من أصحاب البدع والفكر الذى ضد المسيح0
وعندما قصد البابا الصعيد ليتفقد رعيته هناك فوجد أن أقباط البلينا قد خرجوا على أسقفهم وإعتنقوا بدعه سابليوس وفوتيوس فكانوا يعتقدون بألام لاهوت المسيح وقت الصلب ، فوضح لهم إيمان الكنيسه القبطيه وكيف أن كلمه الله إتخذ جسدا حقيقيا منذ اللحظه التى حل فيها فى بطن العذراء مريم ليحقق الفداء0 وقد إتحد كلمه الله (اللاهوت) بالجسد (الناسوت) بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير0 وحينما صلب المسيح تألم جسده فقط لإن جسده كان تحت الألام مثلنا لإنه شابهنا فى كل شئ ما عدا الخطيه0 أما اللاهوت(كلمه الله) الذى لم يفترق عن الجسد وقت الصلب فهو غير قابل للألم ولا يجوز فيه الألم ولا يؤثر فيه الألم لإن الألم يؤثر فى الماده المرئيه الحيه0 وإستعان البابا شنوده بأقوال الآباء مثل البابا كيرلس عمود الدين لتقريب هذا المفهوم وتبسيطه للعامه من الشعب0 وهو إتحاد النار بالحديد ساعه إنصهار الحديد بالنار عند صياغته وصناعه الأدوات0 فالنار تظل محتفظه بطبيعتها الناريه مع كونها متحده بالحديد كما يظل الحديد محتفظا بطبيعته الحديديه مع كونه منصهرا بالنار0 والمطرقه حينما تهوى على الحديد لا تؤثر فى النار ولا تؤلم النار ولا تثنى النار ولا تصنع من النار شيئا0 وبهذا الإتحاد المستديم أقام لاهوت المسيح (كلمه الله) الذى لم يتأثر بالألم الجسد الميت من بين الأموات فى اليوم الثالث0 فالألم والموت لا يؤثرا على كلمه الله0 ثم طلب منهم العوده الى أسقفهم وطاعته فى خوف الله وصحبهم الى الكنيسه وناولهم من الأسرار( السنكسار الأثيوبى ترجمه من الإنجليزيه واليس بودج ج3 ص830-833 ) 0


رساله الشركه الى أنطاكيه:
وعندما عاد الى مدينه الإسكندريه كتب كتاب الشركه والمحبه الرسوليه الى كرسى أنطاكيه ويقول ابن المقفع ج2 ص14( كان كل واحد يقرأ هذا الخطاب يتعجب من كلمات النعمه التى فيه) وتضمن الخطاب أقوال كل من كيلس وأثناسيوس وساويرس وديسقوروس وبعض الآباء وحمل الكتاب داوخ أسقف ملوبولاس ويوحنا أسقف ديوسيا ومعهم بعض الكهنه وأرسلهم الى يوحنا بطريرك أنطاكيه
ولما وصلت الرساله إليه فرح جدا فأعلم كل الكنائس وبارك الله وكاتب الخطاب وكتب أيضا خطابا يشكر فيه البابا شنوده يكرمه ويبجله ويمدح أفعاله وذكر فى كتابه من يقدر ان يقول القليل من الكرامه التى تستحقها أيها الآب السمائى لإن طغمات السموات لا يسكتوا من مدح أمانتك لإنك جعلت رجائك بالرب يسوع 0 وأساس عباده الأوثان قطعتها من الكنيسه بنعمه الروح القدس يكون تحصينها عليك وعلى الأشجار التى غرستها لتنموا ثمارا جيده مائه وستين وثلاثين والمجد والكرامه لكرسى الأب الجليل مار مرقس .
فلما وصلت كتب كنيسه أنطاكيه الى الإسكندريه قرأها على الشعب وفرح بها وعندما تنيح بعض الأساقفه وكان الكتب التى كتبها البابا تأثيرا كبيرا فى أن الذين كانوا يريدون نوال رتبه ألأسقفيه بالمال لم يتقدموا إليها فرسم رجالا مجاهدين وخائفين من الله ومحافظين على الإيمان الأرثوذكسى0

البابا وفقراء الإسكندريه :
ذهب البابا شنوده 55 الى الإسكندريه وتفقد الكنائس وعمرها واصلح الباقى وحدث أن ذهب الى المكان الذى كانت فيه قلايه البطريركيه وكان يسمى باليونانيه قسطوريون .
فرأى أن المكان قد أصبح مأوى للفقراء والمساكين ، ووجد أن الماء الذى عندهم مالحا ومرا وأنهم لا يستطيعون شربه إلا بعد أن يتركوه أياما فى وعاء حتى يقدروا على شربه0فألهمه الله بفكره بأن يحفر خليجا من الخليج الذى حفره المتوكل على الله جعفر حتى يدخل الماء الى الإسكندريه وصارت المراكب تصل منه الى الأسواق وزرع الناس على ضفتيه كروما وبساتين وأشجار 0
ونزل بنفسه وفتح فم خليج صغير وجراه الى المكان المسمى قسطوريون فصار الفقراء يشربون الماء الحلو وبارك الله الإسكندريه بسببهم وبسبب إحتياجهم للماء0
كما فكر البابا فى عمل مجارى تحت الأرض ليوصل المياه الحلوه الى صهريج وتأخذ منه مدينه الإسكندريه إحتياجاتها0 وعمل فسقيه تعمل بآله ( مثل سواقى الفيوم ) وأقام إنسانا يعتنى بها ويملأها وأصلح المساقى والخنادق وكل موضع تجرى فيه الماء0
وعندما مر البابا بقريه قريبه من مريوط خرجوا إليه سكانها ليأخذوا بركته وقالوا يأبانا نحن فى تعب كبير لإن مجرى المياه يبعد حوالى ميلا فحفر فى هذه القريه بئرا فنبع منه ماءا حلوا فباركه0 فصاروا يشربون منه وروا منه أيضا دوابهم وباركوا الله وصار البابا شنوده رجل عمل وخدمه وجهاد وبالرغم من عظم الأعمال التى عملها إلا أنه لم يهمل كتابه الكتب ( الأرطستيكيا) المملوءه نعمه وروحانيه
 

البابا شنوده 55 المخترع والعبقرى والعالم :
من دراسه أعمال البابا شنوده 55 التى ذكرتها سابقا يتضح انه كان رجلا علامه وعميقا فى دراسته فى مختلف نواحى العلم ويقول ابن المقفع عنه ج2 ص16 أنه كان يهتم بالكتب ( الأرطستيكا ) المملؤه نعمه .
ومن كتاباته فى هذا المجال ( اننا نؤمن هكذا فى آخر الزمان لما أراد الله أن يخلص جنسنا من العبوديه المره أرسل ابنه الوحيد الى العالم متجسدا من روح القدس مساويا لنا فى كل شئ ما خلا الخطيه ذو ننفسه غير مدروكه وجعل الجسد معه واحد بغير تغيير ولا إختلاط ولا إفتراق بل طبيعه واحده وأقنوم واحد ووجه واحد تألن بالجسد عنا ومات زقام من الموت كالذى فى الكتب وصعد الى السموات وجلس عن يمين الآب فإن قلنا أن الله تألم عنا ومات فلنفهم الان بامانه انه تألم عنا بالجسد وهو الغير متألم وهو هذا الواحد كما علمنا الأباء الذى للكنيسه المقدسه وكل من يفرقه بتجديف ويقول ان الله الكلمه لم يتالم ولم يموت لكنه (ترك) لكن الإنسان هو المتألم والمائت وفرقوا المسيح الى إثنين الله الكلمه على حده والإنسان على حده وجعلوه وجهين وطبيعتين كل واحد يفعل ما يشاكلها من طبعها والله الكلمه قبل إليه بإرادته الألام بالجسد لا نشك فى الإتحاد الواحد فى كل شئ لإن الطبيعتين صارا واحدا فى البدايه لم يفترقا فى أى أمر من الأمور بتبير الله الكلمه لإنهما غير مفترقين وحتى فى الألام قبلها بجسده ( كان فونيس وسليوس قالا: أن اللاهوت بعدت وصلب الناسوت )

الإصرار على عدم التوبه :
وحدث أن الإساقفه الذين أضلوا رعاياهم فى الصعيد ( البلينا ) قائلين أن اللاهوت مات على الصليب ، أن البابا جعل الأساقفه الذين تركوا ضلالهم يقفون فى وسط جماعه الرهبان فى كنيسه أبو مقار يوم حد الفصح المقدس وعملوا مطانيه لرهبان الدير وسألوهم ان يصلوا من أجلهم لسقوطهم فى هذا الفكر البعيد عن تعاليم الأباء ، وفرح البابا والأباء الرهبان برجوع هؤلاء الأساقفه وشغبهم الى حظيره الإيمان الأرثوذكسى .
وكان موجودا مع الأباء أسقفين أحدهما أسقف سمنود والآخر أسقف منيه طانه نظروا عمل البابا مع اسقفى الصعيد قال بعضهما لبعض ما هذا التعليم الجديد أنه يأتى علينا بكلام غريب ويقول ابن المقفع ج2 ص18 ان ( البابا علم بالروح القدس " ما يفكران فيه هذين الأسقفين " ففعل هذا بأساقفه الصعيد قدامهما لكى يظهر إيمان هذين الأسقفين أمامهما فيفهما )
قال الإنجيل إن لم تتوبوا فإنكم تهلكون ولما وبخهما البابا وقطعهما الله (حرمهما الله) الذى عرف خبايا قلوبهما ، لإنهم كانوا يفكرون فى عدم الرجوع الى الإيمان الصحيح ، بل يستمروا فى هرطقتهما ، ويقول ابن المقفع انهما ماتا فى منطقه بنا قبل أن يصلا الى كراسيهما .


أولاد إلياس الوالى :

ويروى إبن المقفع أن هذا البابا كان ينظر الى السماء ويرشم علامه الصليب على وجهه ويقول: ياربى يسوع المسيح عينى وترائف عليا وإفتقدنى برحمتك وتكون هذا عندما يعلم ان امرا تقرر من قبل الله او ان امرا يشغل قلبه شيئا ، ووصل فى تلك الأيام قوما من جنس المسلمين العرب ( الخراسانيين) العباسيين وذهبوا إلى الإسكندريه ، وسألوا عن عن البابا فقالوا لهم : ماذا تطلبون منه فقالوا إننا أولاد إلياس الذى كان واليا على مصر . دعونا نتقابل مع البابا ، إن أبينا أخذه ( مال ) من البابا . فعلم الأقباط أنه والى الإسكندريه الذى أخذ ادوات الكنائس من البابا يعقوب ، وعندما أعطى كأس الى الصناع وبدأوا يكسروا الكأس خرج دم من كأس الفضه .
ووجدوا البابا فى سخا فذهبوا إليه وأعلموا البابا بأولاد إلياس ، وأن إلياس فى يوم وفاته أوصى أولاده أن يرجعوا هذا المال وحدده بالتفصيل الى كرسى الإسكندريه وقال لهم أيضا لأننى أخذته أثناء ولايتى من البابا يعقوب إسألوا البابا الذى يكون بعده وتسألوه ان يحاللنى من رباطى فلما سمع البابا لم يهمه الأمر ولم ينظر الى المال وإستمروا أولاد إلياس فى إرسال الرسل الى البابا وسأل الأقباط البابا مرارا أن يجعل هذا الإنسان فى حل كما أوصى أولاده وأولاده أوصوهم ، لانهم كانوا يلحون فى الحصول على هذا الحل وقالوا للبابا: ان لا يدع هؤلاء الناس أن يذهبوا الى بلادهم ويضيع تعبهم فكتب إليهم يقول الذى وصلتم لجله فى حل . فطابت نفوسهم وعادوا الى بلادهم فرحين .


الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون :

ذهب البابا شنوده الى أديره وادى هبيب ( وادى النطرون ) ليقضى فتره صوم الأربعين المقدسه كما هى عاده الآباء ال بطاركه ، فأشار عليه الأقباط ان لا يذهب الى هناك لإن عرب الصعيد بدأوا يهاجموا القرى فقال البابا : إن لم أذهب الى البريه المقدسه فعلت مسره الشيطان فالشعب ستبرد محبته لله بسببى ولن يتباركوا من القديسين ، فإستعان بالله وتوجه الى أديره وادى النطرون وكانت من عاده العرب الإجتماع فى وقت ما فوصل عرب الصعيد ولم يشعر بهم أحد وإنضموا الى عرب الشمال وهاجموا دير أبو مقار والحصون ونهبوا جميع ما فيها من المتاع والطعام وغير ذلك من أول برموده ونهبوا الشعب الذى اتى ليقضى العيد هناك وأخرجوهم بالسلاح وإجتمع الأساقفه والرهبان وسألوه ألا يخرجوا حتى لا يقتلوا بأيدى العربان ، وسمع البابا هذا الكلام وعرف انه خديعه وفخ من الشيطان وعلم بالروح أن الشيطان جمع الناس وأقلقهم لإنه يريد خراب البريه وهجره الآباء منها حتى لا يكون فيها من يردد إسم الله فقال بقوه قلب: الرب يضربك ايها الشيطان ويرزل مؤمراتك التى فعلتها وكان الآباء يسألوه ان يخرجوا من الحصن ويتركوا الدير ولكنه قال لهم: إغفروا لى يآبائى غننى لن أفارق هذا المكان حتى يتم الفصح ،ووقف العرب على الصخره التى فى شرق الدير ، وكانوا مثل قطاع الطرق هذه الأيام فكانو يلزمون الناس بأن يعطوهم ثيابهم وإذا رفضوا فإنهم يجرحونهم بالسيف وكان هذا يوم الخميس من جمعه الفصح ومن نفذ من الحصار فإنه يدخل باكيا مضطربا ويقولوا يأبانا أعيننا فقد قوى علينا هؤلاء العربان قطاع الطرق ، فلما رأى البابا قلق شعبه إحتدت روحه فيه فنهض وأخذ عكازه فى يده الذى عليه علامه الصليب وخرج الى العرب ليلا وقال الأصلح ان اموت مع شعب الله أو إذا رأونى يمتنع شرهم ويخلص منهم الشعب فلما رأى الأساقفه حسن نيه البابا وطيبه قلبه وأنه يريد ان يضع نفسه لإجل أحباءه مسكوه ومنعوه من الخروج وقالوا لا ندع تسلم نفسك الى هؤلاء القتله ولكنه طمأنهم وذكرهم بالصلاه لإجله ، وخرج الى العرب فلما رأوه رجعوا الى الوراء وإختفوا ولم يظهروا فى ذلك اليوم ، وسمع الأرخن اصطفن وسويرس وكان رجلا مشهورا فذهب الى الدير وقال للبابا أنا أسلم نفسى عنك وعن الشعب ، فطلب البابا من الشعب الى الكنيسه فى يوم الأحد ليناولهم من السرائر المقدسه ليلا قبل الصباح فحضر جميع الشعب من القداس والأساقفه والرهبان ، وبدا القداس وبينما كان يطوف بالبخور حول الهيكل كانت عيناه تفيضان بالدموع وكان الرهبان يبكون بحرقه فنظر الله الى زلهم ثم صرف الشعب وخرج وهو يعزيهم وكانوا يباركون الله وتعجبوا من قوه قلبه وجسارته وليس معه أى سلاح فنجا كل من فى البريه من العرب .

محاوله إصلاح ما فعله الأشرار :

عرف البابا أن الأرخنين ابراهيم وساويرس قررا أن يذهبا الى الخليفه المعتز لإمر ما فكتب البابا إليهما خطابا بالسلامه ويحفظهما الله ويعينهما على ما يريدانه من الخليفه وقال لهما إسألا الخليفه فى امر كنيسه الله التى خربت ، وقال البابا أنا اريد ان أعمرها فى أيامى وأنظر الكنائس قبل ان أنتقل من هذا العالم ، وهذا كل أمالى فى الرب المسيح ، وعندما وصلا الأرخنين الى مدينه سر من راى عند قوم من المسيحين من العاملين فى قصر الخليفه ففرحوا بذلك وقدموهم الى المعتز وأخبروه بأحوال الكنيسه وما فعله ابن المدبر ، فأجاب طلبهم وكتب لهم سجل بأن يبنوا الكنائس فى أرض مصر وثبتا السجل وقالآ : السجل محتاج لختم الخليفه . ومات الخليفه قبل ان يختم السجل ، وتولى الخلافه أخيه المستعين فكتب أبراهيم خطابا الى الخليفه الجديد يعرفه بأمر السجل الذى كتبه أخيه المعتز وانه ينتظر خاتم الخليفه ، فأمر المستعين أن يبحث عن السجل فى الديوان فأحضروه له وأمر بإتمامه وكتب " ان يستقر بأيدى الذمه بارض مصر وأكد فيه على أن من يتجاوزه سوف تحل عليه نقمه الخليفه ، كما امر بأن تعاد إليهم مأكان إغتصب سابقا من الكنائس والأديره وأوانى الكنائس والأراضى والحقول والمزارع وغير ذلك مما كان ملكا للنصارى ، فكان هناك فرحا فى أرض مصر وفرح البابا شنوده ورنم البابا قائلا الشكر لله الذى تمم رغبتى وانقذ ميراثه وجدد وجه الأرض وبنا الله خيمه داوود الساقطه ، وقابل البابا شنوده المتولى ارض مصر وساله ان يتمم أمر الخليفه فكتب الى نوابه فى جميع بلاد مصر بالتصريح بالبناء فى كل المواضع التى يختارها الأقباط ، وكتب البابا الى الأساقفه يعرفهم بأمر الخليفه .

تحديد يوم عيد القيامه :

 ظن بعض الناس ان عيد القيامه كان فى اليوم 16 برموده ولكن البابا شنوده قال ان القيامه المقدسه حدثت فى سنه 5534 للعالم وأن الصلبوت كان فى يوم الجمعه 27 برمهات وهذا اليوم قد خرج فيه آدم من الفردوس والقيامه فى اليوم 29 برمها يوم الأحد

يوم المعجزات :

ذهب البابا شنوده الى دير وكنيسه مار مينا بمريوط يوم 15 من هاتور وبينما كانوا سائرين فى الطريق الى الدير هو وبعض الشمامسه والأراخنه وكان هذا فى اليوم 13 من هاتور تجمع شعب القبطى فى المنطقه لإنهم لم يجدوا ماء لإنه ام يسقط مطر طوال الثلاث سنوات الماضيه وجفت الآبار ، وحزن البابا حزنا عظيما وذهب الكنيسه وطلب إليه كل من كان ذهب ليعيد عيد مارمينا بمريوط قائلين : نرجوك يأبانا ان تدعوا الى الله ان يترائف علينا لكى لا نموت نحن وأولادنا وبهايمنا عطشا ، فكان يقول لهم : انا أؤمن أن الله سوف يرينا رحمته سريعا وبصلوات شهيده ، ولما أكمل القداس فى 15 هاتور وناول الشعب من السرائر المقدسه سأل الرب من قلبه وفكره ان يذكر شعبه المحتاج إليه فى هذه المنطقه ويرضى قلوبهم بالماء ، وحدث انه إجتمع بالناس قرب مغيب الشمس فى نفس اليوم وكانوا يأكلون معا (تسمى مائده أغابى ومعناها مائده محبه ) بدأت السماء تمطر مطرا خفيفا ثم أصبحت السماء مظلمه من كثره الغيوم ثم رفع البابا يديه الى السماء بمسره روحانيه وقال:ياربى يسوع إلهى الغنى برأفته إن كنت تريد أن ترحم شعبك فإرحمهم وليمتلؤا من مسرتك وبركتك . ودخل الى مخدعه ليستريح وينام وقبل ان يعطى لعينيه مكانا للنوم صلى صلاه النوم كعادته وسأل الله ان يذكر شعبه ، فلما تم صلاته حدث رعد عظيم من السماء وهطل مطر غزير لدرجه انه كان يجرى على الأرض مثل الأنهار الجاريه فى الصحراء وإستمر لليوم التالى فأتى الى الدير كل الموجودين بالمنطقه والذين لم يحضروا العيد فرحين وهللوا له قائلين: مباركه الساعه التى التى أتيت فيها إلينا لإن الله الله انقذنا بصلواتك الطاهره إليه ، وإمتلأت الآبار الفارغه ورويت الأراضى والكروم وقيل ان المطر كفاهم ثلاث سنين أخرى .
أما المعجزه الأخرى التى حدثت فى نفس اليوم فقد حدثت ان البابا نمى الى علمه ان كاهنا من قسوس ( ليس راهبا ) كنيسه الشهيد مار مينا ظلم إمراه ارمله كان لها قطعه أرض بجوار أرضه مزروعه بالكروم ( العنب ) فاخذ منها الأرض عنوه وضمها الى ارضه فطلب منه البابا ان يعيد الأرض الى الأرمله الفقيره فرفض فحرمه البابا من مزاوله رتبه الكهنوت ، وحدث انه لما نزل المطر غزيرا على كل أرض المنطقه ورواها إلا أرض هذا الكاهن المغتصب أرض الأرمله الفقيره .


شراء موهبه الله بدراهم :

عندما عاد البابا من رحلته الرعويه فى الصعيد ووصل مصر ساله إنسان أن يقيمه أسقفا ويأخذ منه مالا كثيرا ، وفسر البابا له كيفيه رسامه الأسقف وكيف يختار فألح كثيرا ولكن طلبه رفض ، ففكر فى أمر يخزى به البابا شنوده ، فوجد راهب سوريا من أهل سوريا
تمرد المسلمين المدالجه:
قام فى ذلك الزمان إنسان مسلم من المدالجه سكان الإسكندريه وإلتف حوله جموع كثيره من الناس وهم مقاتلين شجعان أشداء وسمع العرب اخباره فإنضموا إليه كما إنضم إليه الفعله فصاروا اعدادا غفيره من المقاتلين وكانوا يهاجمون كل موضع فيه مركز للخليفه فيستولوا عليه ويطالبوه بالمال فأحرقوا بلاد كثيره وقتلوا ناس لا حصر لها وكانوا يهاجون الجنود ويهزموهم فى كل مكان فى الوجه البحرى حتى وصلواالى بلده بنا وإستولوا عليها وجبوا الخراج لإنفسهم مريوط حتى وصلوا الى دير مارمينا بمريوط وإستولوا عليه وأيضا محله بطره ومزارع دير ابو مقارنهبوها وأكلوا زرعها وتقاسموا الأغنام والبلاد فبغوا وكثر مالهم ورجالهم ودوابهم ونسائهم وأولادهم ولما غشتدت قوتهم حاصروا مدينه الإسكندريه وطالب بإستسلامها لينهبها كما نهب غيرها من البلاد وسبى النساء والأولاد وقتل رجالهم وأخذ أموالهم وحاول ألإستيلاء عليها ولكنه لم يفلح فلم يقدر على مقاومه الحصون فحاصرها ومنع الغذاء من الدخول إليها من البحيره ومن النيل وأقام الجسور الترابيه فسد ومنع مياه النيل من دخول الى الأسكندريه . وكانوا يشربون من الأبار فقل القمح بالمدينه ولم يستطع الكهنه الحصول على الدقيق وعصير العنب ، أما سكان مدينه رشيد فعملوا مركبا وملؤها قمحا وغذاء وأقلعوا قاصدين الإسكندريه عن طريق البحر فأنقذ أهل رشيد سكان الإسكندريه من الجوع وتشاور أهل المدينه فى أمر تقويه سورها فقفلوا الفتحات التى بين مساكنهم ببناء حوائط بينهافصار هناك سورا آخر وعملوا أبوابا وقفلوا جميع الأبواب ما عدا بابا واحدا فتحصنت مدينه الإسكندريه
وكان البابا لا يجد مكانا يأوى إليه لأن المدالجه كانوا قد نهبوا كل أراضى المسيحين ومع كل هذه البلايا طالبه والى الخراج إبن المدبر بالخراج عن الأراضى وأديره الكنيسه التى إستولى عليها المدالجه ، ولما لم يكن فى إستطاعته ان يدفع شيئا خاف ان يقبض عليه إبن المدبر ويرميه فى السجن ، ففضل ان يذهب الى المحله الكبيره وأمر ان تقام قداسات وصلوات فى كل أرض مصر لإجل أهل الإسكندريه المحاصرين حتى ينجيهم الله من الجوع والعطش والأعداء وكان إذا سافر إنسان من مكان الى آخر ووجدوا معه درهما كانوا يقتلونه ويأخذون ما معه وثيابه أيضا فكان المصريين يسافرون بثياب رثه فقيره وليس معهم أى نقود ، وكتب البابا الى تجار الكتان من الشرقيه أن يأتوا بكتانهم فدفع لهم مصاريفهم وقال لهم تاجروا وما يخرج من التجاره نرسله الى أهل الإسكندريه فذهب التجار الى الريف وأعطوها الى البابا الذى أرسلها الى أهل الإسكندريه والأديره التى نهبت وكان الرهبان فى الأديره فى خوف عظيم فكان العرب يرصدون تحركهم فأذا رأوا أحدا يذهب ليملأ جرته بالماء يقتلوه ويأخذون الثياب التى عليه وأوعيه الماء ، وكان الرهبان صابرين على الحر والبرد والخوف ، ولم يتمكن أحد من الشعب من الوصول الى دير مار مينا بمريوط ، وصار الدير خرابا أثناء حصار المدالجه للإسكندريه ، وخربت جميع الكنائس بمصر خاصه كنيسه السيده العذراء بأتريب ، ولم تنجى كنائس وأديره الصعيد منهم . وتفرق الرهبان فى البرارى والصحراء والجبال النائيه .
ولما أراد الله أن يفتقد شعب مصر جعل الخليفه يرسل واليا إسمه المزاحم وتحت إمرته جيش كبير من الأتراك المقاتلين المدربين جيدا على القتال ، ولم يستطع أحد مقاومتهم لإنهم كانوا يستعملون سلاحا جديدا ، لم يستعمله المصريين من قبل وهو ، النشاب ، وعندما وصل الى الفسطاط أخذ الأموال التى جمعها ابن المدبر وأنفق على جيشه وجمع الرجال ولما علم أنهم إستولوا على بعض البلاد فى الوجه البحرى والصعيد . أرسل مقدمه جيشه وفرسان راكبين الخيل ومشاه من الرجال المقاتلين ، وأرسل من البحر أيضا أسطولا من المراكب فيه أعدادا كبيره من المقاتلين ، وحدثت الحرب بين منطقتين هما بنا ، وأبو صير فى الوجه البحرى فقتل عددا كبيرا من المدالجه بالسيف وغرق فى البحر كثير منهم ، ومن إستطاع الهرب من المدالجه أحرقوه النفاطين بالنار { كانت المراكب قديما تلقى نفطا مشتعلا بالنار} بين منطقه سندفا ، والمحله ومن قوه النيران إحترقت حوانيت ودكاكين المحله وبها البضائع ، ومن هرب الى الجهه الأخرى وإلتجأ الى البحيره لم يقدر علىالعوده لإن المراكب التى تلقى النفط كانت تنتظرهم ، ولما حدث الحريق أفتقر الأغنياء لحرق بضاعتهم ، وكان هناك تاجرين من ألأقباط متجاورين أحدهما كان غنيا ولكنه لم يعطى الفقراء والآخر كان رحوما جيد القلب ومن أرباحه يعطى الفقراء والأيتام ، وعندما احاطت النار بالمكان أحرقت كل ما للغنى من بضاعه ، اما التاجر المحب الناس أنقذه الله فى يوم شدته . وعندما عاد مقدم الجيش قتل كل من بقى من المدالجه ففرت فلولهم المنهزمه الى الجبال لإن كان معهم بعض العرب . فكان إنتقام الله منهم عظيما لتخريبهم كنيسته.
وعاد الظالم ابن المدبر الى ظلمه ففرض جزيتين وضاعف الخراج على الأقباط الذين بارض مصر ففر الناس من ظلمه ولم يستطع الأغنياء أن يجدوا الخبز وطالب البابا شنوده بالخراج على أملاك الكنيسه ودير مار مينا بمريوط الذى دمره المدالجه وطالبه أيضا بجزيه الرهبان الذين قتل بعضهم ، فصبر البابا على هذه البلايا ووفى ما عليه بعد ضنك شديد


البار والخائن :

كان البابا شنوده لا يعطى الرتب الكهنوتيه إلا للصالحين والمتبحرين فى العلوم الدينيه وكان قد أعلن بالروح عن إنسانا يفعل افعالا جيده ، كما أعلن له فى المنام أن يعطيه رتبه الأسقفيه فآمن بما رأى , فأخذه قهرا ورسمه أسقف على القيس وسماه جرجا وأصبح يفعل المعجزات وسماه الناس القديس أنبا جرجه .
وكان يوجد إنسانا مسيحيا إسمه اصطفن ابن أندوده المصرى يقول عنه ابن المقفع انه صار وعاء الشيطان فى أفكاره وإضطهاده للأخوه أبناء المعموديه وكان كاتبا لأمير إسمه يحي ابن عبد الله سأله البابا شنوده ألا يضع جزيه على الرهبان إلا انه تجهل رجاء البابا وثبت عليهم الجزيه أمام الوالى يحي ، فحدث انه ظهرت بثره فى يده اليمنى التى يمسك بها القلم ويكتب بها النميمه وكذب الكلام على آبائنا الرهبان ، وصارت البثره خراجا فأكلت كفه ثم زراعه وقرر الأطباء قطعها ولكنه رفض وتكبر لكى تتم فيه قوه الله ومات بعد ذلك .


الخليفه يلغى الجزيه ويأمر بحريه ممارسه الأقباط لعبادتهم فى مصر:

ذهب راهب قديس الى عاصمه الخلافه سر من رأى , وإستعان ببعض المسيحين الذين يعملون فى قصر الخليفه ليعضدوه فى طلبه فى إلغاء الجزيه من على الرهبان ، فكتب له سجلا عن حريه العباده فى مصر مصرحا ان يعيدوا أعيادهم علانيه , وفرح الوالى المسلم بالسجل ، ونفذ أمر الخليفه ولما إعترض بعض المتطرفين من المسلمين ، كان يستشهد بآيات قرآنيه ، ان من يرفض المعيشه فى العالم ويسكن الجبال لا يجب ان يلزم بخراج او جزيه ، وكتب الوالى سجلا آخر يثبت سجل الخليفه وأرسله الى جميع بلاد مصر .
أعمال البابا فى الأديره..مرضه..عدو الخير: إهتم البابا شنوده بإعمار الأديره وحمايتها من البربر والعرب ، فأمر ببناء سور عالى وحصين وبنى أبراجا يحتمى فيه الرهبان إذا سقط الدير فى أيدى العرب ، وأحضر حجاره وقام بالبناء مع البنائين كواحد منهم ولكن عدو الخير لم يستطع ان يرى خيرا فضرب البابا بالمرض.
أصيب البابا شنوده بمرض النقرس خاصه فى يديه ورجليه ، وكان لا يقدر ان يكمل القداس من شده مرضه وأوجاعه وآلامه ن ولما زاد عليه المرض لم يستطيع الحضور للصلاه فى أيام الأعياد .

وحدث ان رجلا مسيحيا إسمه يعقوب كان صديقا لليهود ذهبوا الى ابن طولون ليبيع سيده البابا كما فعل الخائن يهوذا فأرسل كتابا فيه دسيسه وكذب على رئيس كهنه الله ، وقالوا إذا أعطاهم السلطان فسيستخرجوا منه 100000 دينار وسمع البابا عن الشر الذى يفعله يعقوب الشيخ فكان البابا يصلى لئلا يغرق فى آثامه وكتب الى الأراخنه الأقباط حتى يكلموه فيرتدع ، ولكنه كان يتضاعف شره كل يوم فإختفى فى شرق مصر ، ولما لم يجدوا البابا غرم الولاه الأساقفه مالا , وكانوا يصهلوا على النساء مثل الخيل يفعلون ما حرمته الأديان ، ويخطفوا الأولاد وينجسوهم من غير خوف من الله ، وينهبوا المواشى ويذبحوهم ويأكلونها ، وكانوا يأكلون لحم الخيل ويأكلون ويشربون الخمور وفسقوا , ولبس الأساقفه والكهنه لبس العلمانيين وتمموا واجبهم الدينى وشجعوا الأقباط ، إلا ان ابن طولون أدبهم فخافوا منه ومن هيبته وقتل كبارهم ونهب أموالهم فخاف الناس منه ومن أعماله معهم وقد خدعوا الوالى بأن جعلوا كاتبا من عند الوالى يكتب لهم بإسمه يطالب البابا والأساقفه بما يريدون فعرف الوالى أن الكاتب يزور أوامر منه فغضب غضبا شديدا ونهب جميه ماله وأمر بحلق لحيته وقيده بالحديد ووضعه فى السجن ومات يعقوب وصديقه اليهودى .
وحدث أيضا أن راهبا من دير الهنابطون ذهب الى بابليون ( الفسطاط ) وكتب كتبا ضد البابا وسلمها للولاه فأخذها خصيان الوالى وسلموها إليه فأمر ان يلازم البابا إلى أ، يسأل عنه فوقف على البابا أياما ولما رأى المؤمنين إلحاح هذا الراهب فى الوقوع فى الشر كلموه قائلين لا تذهب الى أبواب الولاه ولا تقل فى رئيس شعبك سوءا فتحرك ضميره من كثره التبكيت فترك تفكيره الردئ وذهب وطلبه الوالى فل يجده ولا عرفوا موضعه .
وحدث أيضا ان شماسا من منطقه بشمور كان قد ترهب ولبس ملابس الرهبان ثم نزع ثيابه الرهبانيه وكان يشبه القس السابق ولما ظهر للوالى قالوا له: أين أنت ؟ لا تترك مكانك الى ان تفعل ما تريد. فلم يشك فيه أحد وكتب الوالى له أمرا ومعه جنود فرسان وذهبوا إلى الموضع الذى فيه البابا ولم يعرف أحدا من الكتاب ولم يسجلوا الأمر فى الدواوين لإنه كتب فى خطابه للأمير: أن يكتب له أمرا ولا يسجل فى الدواوين خوفا من أن يعرف الناس أمره ولا يظفر بما يريد .
فقبض على البابا وسمع الأقباط بوصول البابا الى الفسطاط مقبوضا متألما ومتوجعا من مرض النقرس عليه فحزنوا حزنا شديدا وخافوا من هذا الشماس وإختبأوا ووصل امرا من الوالى بطرحه فى السجن ، مع المعتقلين من اللصوص والقتله والمجرمين وكان يحملونه أربعه من الغلمان فى محفه فقذف به جنود الوالى فى موقع ضيق ، وسمع أخباره جميع الأقباط والمسلمين فحزنوا لما ناله من الوالى. وكان امر الوالى ألا يدخل على البابا إلا تلميذا واحدا يأتى إليه بالطعام ولا يمكنه التكلم معه أو توصيته بما يريد وكان حراس السجن يأخذوا الطعام من تلميذه فيأكلوا منه ما يريدون ويتركوا الباقى للبابا فكان الذى يصل للبابا نذرا يسيرا فكان يأكل كل ثلاثه أيام ويترك الطعام الى المحبوسين معه ، أما المسجونين معه فقد أحبوه وكانوا يخدمونه خدمه العبيد لسادتهم ، فكانوا يحملونه الى دوره المياه ، ثم يرجعونه ثانيا .
وكان الأمر الذى أخذه الشماس فيه أمرا آخر بالقبض على الأساقفه فذهب الى بلاد مصر وقبض على الأساقفه وعندما كان يقبض عليهم كان يفضحهم ويشهر بعم فكان ينزع ثيابهم الكهنوتيه ويلبسه غيرها ولا يدع عليهم إلا القلسوه التى يلبسها الرهبان ويركبهم الدواب بغير سروج ولم يقبض على جميع الأساقف فقد هرب بعضهم وأعطاه بعض الأساقفه شيئا من المال عند قبضه عليهم .
وظل البابا يعانى من مرضه وألامه وهو فى السجن أربعين يوما حتى طرح الله فى قلب الوالى الرحمه فأطلقه من السجن وكان الشماس قد قبض على بعض الأساقفه ومتجها نحو الفسطاط عندما سمع خبرا ان البابا قد أطلق سراحه من السجن ، فأعاد الثياب الى الاساقفه وما كان أخذه منهم من دواب وأثاث وغيره ولكنه لم يرجع الذهب والفضه لأنه قد أعطاها إلى الرجال الذين معه ولأنفقه على ما يشتهيه لأنه كان فقير جدا ففرح الأباء ولم يطالبوه عن أى شئ لأنهم ظنوا ان الأخبار التى وصلته عن البابا كاذبه .وذهب الشماس الى البابا وقال له أسألك يأبى أن تغفر لى أنا عارف بالشر الذى فعلته وأننى لم أقدم لك خيرا فقال البابا له الرب يغفر وسأله أن يكتب له كتابا بأنه سامحه فقد كان لا يقدر ان يواجه الأقباط ولا المسلمين لإنهم كانوا يريدون رجمه بعد الذى فعله ، فأمر البابا شنوده يوحنا كاتبه بان يكتب له بأنه سامحه وانه حالل وثاقه من فمه ولا يمنع من التناول ثم ختم ما كتب بخاتمه ودفع له مبلغا من المال وأعطاه دابه وأمر بإعطاءه ثلاث ثياب فقال تلميذه كاتب سيرته يأبى كيف فعلت هذا وهو غير مستحق لتناول القربان فقال البابا ياولدى المبارك: ألا تعلم أن الإنسان الخاطئ إذا جسر وتناول القربان من قبل إقراره بخطيته أمام الله وسؤاله الصفح عنه وظن ان القربان يتمم مسيحيته فقد زاده القربان من خطايه لكنه إن ظن أن القربان يغفر الخطايا كما قال هذا جسدى كلوه فى كل حين لمغفره الخطايا فإنه قد تناول القربان وغفرت خطيته .
ولم يتخل الشماس عن شره فمضى يفعل أعمال الشر فى بلده بمنطقه صا فكان يجالس الولاه ويؤزى كهنه الكنائس هناك وكان يكتب الشكاوى على الأقباط والكهنه فلما تزايد سلطانه وقويت شوكته وخاف التجار وذوى الأعمال وكبار القوم منه إجتمع أهل الإسكندريه مع تجار الذين يعملون فى تجاره الأعمال البحريه (تصدير وأستيرادعن طريق البحر) فذهبوا الى الوالى وقالوا له: إننا لا نقدر ان نزاول تجارتنا ولن تستطيع ان تستخرج مالا من ميناء الإسكندريه إلا من التجاره التى ترد إليه من البحر والبر ، فخراج الإسكندريه لا يأتى من زراعه أرض وغيرها ، ونحن نعمل فى تجاره البر وهناك رجلا يؤذى من يصل منا إلى بلده فلا نقدر ان نتاجر فى بلده وتجار البحر واقفين إمتنعوا ان يدخلوا بمالهم الى الإسكندريه خوفا من ظهور البضاعه فيوشى بهم الى الولاه قائلا: انه إذا خرجت هذه البضاعه من البلاد ضعفت البلاد .

فإختار الوالى إثنا عشرا من الفرسان الأقوياء ( القرغلاميه) ليقبضوا عليه ولا يرحموه ، ولما ذهبوا الى بلده وقبضوا عليه أوثقوه بسلاسل حديديه فى يديه ورجليه وأركبوه على دابه غير مدربه وكان من عاده هذه الدابه انه إذا تحرك الراكب وتسمع صوت الحديد عليها تفزع وتقفز وتطرح راكبها من على ظهرها أرضا وتلتفت إليه وتعضه بفمها فكان يصرخ ويصيح فلا يلتفت أحد إليه ، وكان كل إنسان يراه يفرح ويدعوا للوالى الذى قبض عليه وكانوا يقولون له: الله قد طرحك فى هذه البليه ونحن نسأل الله ألا ينقذك منها فكان يرد عليهم قائلا: إننى سوف أتخلص من هذه المشكله لأننى ذكى وقد خدمت الولاه وهم لا يردونى وسوف أجازى كل واحد عن عمله معى . فكان الناس يقولون: أنك مستحق أكثر من هذا لأنك بأعمالك الشريره وضعت البابا شنوده فى السجن .
وكان شره قد إمتد الى المسلمين واليهود أيضا ، فلما رأى ان الناس قد أبغضوه وأن الوالى أيضا معهم غطى وجهه بعمامته من الخزى ولما وصلوا الى دار الولايه قال له الوالى : أنت الرجل الذى عملت هذه الشرور . فظن الشماس أنه إذا قال للوالى المسلم بما فعله مع البابا سيخلى سبيله ويشكره على فعلته فقال: نعم أنا ذلك الذى سلمت البابا للوالى وحصلت منه مالا كثيرا وقد سامحنى وبيدى مكتوب من البابا أن لا يضرنى أحد ، فقال الوالى : انت الذى فعلت هذا الذى بلغنى والآن فقد ظهر لى أنك من حزب الشيطان الملعون وقد قلت بوقاحه أنك لم تخاف الله ولا راعيت أبوك البابا حين فعلت معه هذه الأفعال الشريره فقد صدقت الآن كل ما قاله التجار عنك وما تعمله معهم ومع غيرهم من الضعفاء .
فاحضر غلمانا أشداء وأمرهم بأن يطرحوه على الأرض ويضربوه بعصى غليظه من الخشب فلما قال الجند انه قارب الموت فقال أوقفوه وإضربوه ثلثماءه سوط فقال الجند إذا ضربناه فإنه يقارب الموت وسوف تفقد المال فقد ظن الجنود انه يضربه ليدفع مالا ، فقال : ليس الأمر كذلك إفعلوا ما أمرتكم به . فجلدوه خمسين سوطا من جلود البقر فقارب الموت ولم يتحرك فأمرهم أن يسجنوه ويضيقوا عليه بالخشب والحديد ولا يعطوه من الطعام إلا بالقدر اليسير كل يومين فكان يشتهى الموت وناله ضيق وألم وخزى لا مثيل لهما .
وعندما سمع حراس السجن ما فعله أرادوا ان يقتلوه ولكنهم خافوا من المسجونين لئلا يخبروا أحدا وكان المسجونين قد تحدثوا أمامه بما فعلوه من جرائم وعندما عرفوا انه واشيا أرادوا قتله لئل يفرج عنه فيتكلم بما سمعه منهم عند الولاه وكان من ضمن المحبوسين رجلا كان عنده كنزا وضعه فى الأرض فإعتقل بسببها ولم يريد أن يعطيها للحاكم لمحبته فى المال وكان قد أوصاه عند دخوله السجن وقبل ان يعرف حقيقته بأن يوصيه بان يعرف أولاده المكان الذى فيه الكنز لئلا يموت فىالسجن. ولما علم انه واشيا ندم على إخباره بأمره وكان يريد قتله ولم يجد ما يقتله به فكان يأتى بأوساخ السجن وأتربته وما علق من عطب على الأسقف ويضعها على جروحه فكان يغشى عليه وعندما يفيق يقول: قتلتنى يا هذا الإنسان!! فلا يسمع لندائه محبوس ولم يحميه الحراس لأنهم أرادوا موته .
وصل إلى (بابليون ) الفسطاط راهب اسمه تيدرا ابن أوضوريطس فى الساعه التاسعه صباحا يطلب مقابله البابا ، فخرج تلميذه إليه وكان حزينا باكيا لأنه رأى شده آلام وجع النقرس على البابا طوال الليل فقال تلميذ البابا الى الراهب : ألم تسمع يأخى عن شده آلام البابا ووجع النقرس فلا يقدر أحد أن يكلمه فقل لنا ما تريد ، أو تصبر لعل الله يعطيه العافيه فتجتمع به ويجيبك الى طلبك . فقال: كتاب مصر كتبوا لى وأريد أن انجز ما جئت لأجله وأنكم تمنعونى عن مقابلته وتقولون انه عليل ومريض ، فإن لم أقابله فسأمضى وأعمل الشر فقال الحاضرين: إنك الآن تتكلم مثل الجبابره ونحن مثلك قد حضرنا ولم نستطيع أن نقابله فأمكث معنا وقابله غدا . فتكلم كلاما رديئا ودخله الفكر الشيطانى فلم يجيبوه بكلمه لأنهم كانوا مشغولين بمرض البابا فحمى صدره ووغر قلبه وإظلمت عيناه عن نظر النور .
خرج تيدرا من هناك وذهب الى مريوط بلدته البلد التى ولد وتربى فيها فمكث فيها أياما يخطط لعمل الشر ، فكان يذهب للوالى ويعرفه انه يريد المضى الى بابليون الفسطاط ويقول له أن البابا له ضياع ومواشى وأغنام وأراضى وأشجار فأحفظ ما قلته لك حتى يصلك خطاب من الوالى بمصر ولما وصل الفسطاط كتب طلبا الى والى مصر ابن طولون قال فيه : إن سلطانك أيها الأمير على أرض مصر كلها والكل يخاف منك إلا البابا شنوده القبطى المقيم بالأسكندريه وهو يفعل أفعالا تغضب الله ، فهو يسحر للمسلمين ويرسلهم الى الأديره ويعمدهم بالصبغه المسيحيه ويجعلهم رهبانا إعطينى أمرا ورجالا وسأذهب الى ألاديره فى البريه وأخرج بعض المسلمين الذين فيها .
وكان إبن طولون قد وصله أمرا من الخليفه أنه سيصبح المسيطر على كل أرض مصر ، وأن تكون جميع ولاه مناطق مصر تحت سلطته وهذا خلاف ما جرت به العاده فكان والى مصر ووالى الإسكندريه ليس بينهم علاقه عمل إلا أنهم كانوا يتبادلون الهدايا وعلاقاتهم ببعض علاقه وديه , وعندما تسلم الأمر من الخليفه فرح فرحا عظيما فأمر جنوده أن يلبسوا أفخر ثيابهم ويذهبوا معه إلى الإسكندريه وكان عددهم 1200 فارس وأعطى لكل رجل زوجا من الثياب الفاخره وعمامه صنع أهل بشمور وأعطاهم خمسه دنانير وأعد للحمله زادا وحمله فى المراكب ، ولما وصل الى الإسكندريه أراد أن يعين واليا يدين له بالولاء وعلى الخمس مدن الغربيه ، ولما ذهب اليها فى أول يوم فى شهر رمضان فأحب المدينه فمكث بها الى العيد وأصلح أمورها ثم أراد الرجوع الى الفسطاط فذهب عن طريق مريوط فقضى فيها يوما وليله ليستريح عسكره من عناء السفر.
فوجد الراهب وسيله فكتب شكوى وذكر البابا والرهبان الذين كانوا مسلمين ، فعرف ابن طولون ما يقصده هذا الراهب وأراد أن يفعل فيه شرا لإنه قال فى نفسه إن لم يكن شريرا لما كتب هذا عن أبيه ، إلا أنه أراد أن يتحقق مما كتبه ، فأمر كاتبه أن يحقق فى الأمر فقال للراهب تيدرا: فى أى مكان يوجد فيه هؤلاء الذى جعلهم البابا رهبانا فأجاب قائلا : فى البريه فإذا أعطيتنى رجالا فسأعرفهم بالمكان وأحضرهم إليك . فأرسل معه جنود أتراك أشداء مخيفين لمن ينظرهم وأخذهم الى دير ابو يحنس بوادى هبيب .
ولما دخلوا الدير إضطرب وإنزعج وخاف الرهبان ثم دخل تيدرا والفرسان الى قلايه (حجره ) راهب محب لله كان تدرا يكرهه ، فأمر بوضع الحديد فى رجليه وهو لا يعلم السبب ثم ذهبوا به الى الكاتب وقال تيدرا : هذا من المسلمين الذى جعلهم البطريرك شنوده نصرانيا ، فقال الكاتب: ماذا تقول أيها الراهب فيما قاله تيدرا عنك . فأجاب قائلا : أنا نصرانى إبن نصرانى ، أنا نصرانى منذ صباى أبى نصرانيا وأمى مسيحيه وأهل مدينتى يعرفوننى ، اما البطريرك الذى يقول عنه فإن كان أبى فهو أب لجميع الأقباط ، وأنا واحد منهم .
وكان هذا الكاتب شريرا محبا للذهب والفضه فأحضر شهود زور شهدوا انه كان مسلما وأن بطرك النصارى جعله راهبا وجمع بعض الناس وقالوا انه قرر امامهم انه مسلم ، وأمر ان تقلع عنه ثياب الرهبان وألبسوه ثياب المسلمين وأحضره مع شهود الزور أمام مجلس شهود آخرين ليجدد إسلامه أمامهم ووعده بمال إذا فعل ذلك فكان يردد أنه مسيحى ويحب المسيح وكلما فعلوا به شيئا كان يزداد إيمانا ويصرخ قائلا أنا مسيحى وأبى وأمى وأهل مدينتى يعرفوننى وكان يبكى ويلطم على خديه فكانوا يقولون له : إنك إعترفت بدين الإسلام أما الشهود الحاضرين ثم تعود الى الإنكار , ويقول ابن المقفع ص50 ان الرب كان معه فى جميع شدائده ونجاه من جميعها فأخذ الكاتب شهاده الشهود المكتوبه ولم يلتفت الى تجديده الشهاده وألقاه فى السجن .
وكتب امرا مع تيدرا وأرسل معه فرسان أتراك لا يعرفون اللغه المصريه ليقبضوا عليه ويحضروه الى مصر ، فسمع بعض الأقباط ما حدث فأرسلوا خطابات الى البابا فى الأسكندريه وعرفوه بما حدث فى مصر وأمر الجنود الذين سوف يأتون للقبض عليه ، فلما قرأ الخطابات صرخ الى الله أن يزيل الرب هذه التجربه ، وإستعد البابا أن يضع نفسه لأجل الكنيسه المقدسه التى هو أمين عليها وكان لا يقدر أن يتحرك عن مرقده وكان حيا بمعونه الله له ، وكان معه فى ذلك الوقت أولاده الروحين سيمون أسقف بنا الذى رسمه لسقفا فى هذه الأيام وأخوه الروحانى الشماس مقاره ، فقال لهم يأولادى : أننى لا أستطيع التحرك من رقدتى فالمرض قد أشتد على ، اما أنتم فإهربوا من وجه الشر لئلا يعتقدوا ان معكم شيئا مما للكنيسه وقص عليهم ما حدث فى الفسطاط ووصول خطابات الأراخنه تعلمه بما حدث. فقال الأخوين : لن يكون هذا يأبانا فلن نفارقك بل نجعل نفوسنا فداك .
وبينما هم يتكلمان إذ بالراهب المارق تيدرا ينادى على البابا ويقول إفتحوا : وكان قصده أن يدخل بالشرطه إليه فيفجعه ليموت فلما رأى الشرطه أنالبابا شنوده طريح الفراش مريض ويتألم من وجع النقرس ولا يقدر على النهوض من مكانه ، فلم يقتربوا منه بل كانوا يلعنون تيدرا ويشتموه لفعله ، وجرد أحد الأتراك سيفه وأراد ان يقتله به فقال لهم: أنكم أرسلتم معى لتتموا أمر الأمير وإن لم تفعلوا ما آمركم به فمجازتكم عند الأمير ، فحملوا البابا ووضعوه فى مركبا أعدوه ليحملوه فيه الى الفسطاط وأخذ الأخوين المذكورين وشد وثاقهم وكل من وجده هناك من الأراخنه وغيرهم ووضعهم فى المركب مقبزضا عليهم مثل اللصوص ونهب كل ما وجده فى المكان من كتب مقدسه وأوآنى وغيرها وكان البابا شنوده عالما وكان يهتم بنسخ (كتابه الكتب بخط اليد ) الكتب فكان يجمع حوله النساخ ليكتبوا له الكتب وكان إذا إنتهى من كتابه كتاب يفرح به كفرحه ببناء كنيسه فنهب تيدرا الكتب فقد كان يعرف قيمتها وكان يريد ان يستولى عليها لبيعها وأمر بأن لا يتحدث الى البابا إنسان من أصحابه أو الأخوين المقبوض عليهم ، وقد حمل معه صناديق مغلقه وإعتقد أنها محمله بالذهب والفضه وكان من عاده البابا لمرضه الشديد أن يضع فى صناديق كل إحتياجاته مثل الكتب وبعض الصنديق ثياب له ولمن يخدمه وبعضها طعام لهم ، وكانت ملابسه من الصوف فلا يلبس الحرير إلا نادرا وفى الأعياد إذا قدر ان ينزل ويحضر الصلاه وكان ثوب واحد يكفيه سنينا عديده .
ولما فتح الكاتب الصناديق المغلقه فلما لم يجد شيئا ظن ان الراهب المارق تيدرا أخذ جميع ما فيها من مال وذهب وفضه لنفسه , وأحضر الخشب له فأحضره سرا وقال له : إننى فتحت الصناديق ولم أجد فيها شيئا وأننى اشك انك قد أخذت كل ما فيها . فقال هكذا وجدتها فحملتها إليك ، فغضب عليه الكاتب وكان يريد قتله ولكنه خاف من هيبه الوالى ، اما البابا ومن معه فقد كانوا فى ضيق شديد من الإهانه والأربطه والوجع والجوع والعطش فلم يأخذوا معهم شيئا ليقتاتوا به ، فبكى الأقباط عندما رأوهم على هذا الحال فمضى أهل اتريب وإشتروا قيودا حديد وأحضروا طعام وأعطوا الحراس ذهبا وفضه ليرحموهم ويحلوا أربطتهم ويقيدوهم بالحديد بدلا منها ، اما تيدرا فقال لهم : لن أفعل هذا ولن يأكلوا ولن أضع قيود الحديد فى يديهم. ولم يعلم أن الله قد أرزله وقلب عليه فكر الكاتب فحزنوا أهل أتريب والقرى المحيطه بها وبكوا بكاءا مرا على باباهم المريض طريح الفراش وأوجاع المرض . ولما وصلوا الى الفسطاط الساعه العاشره من الليل وأمر الكاتب إعتقال تيدرا وكان يريد أن يأخذ امرا من الأمير بما يريد أن يفعل معه لأنه لم يحضر المال الذى وعد بإحضاره فخاف لأن الصناديق قد سلمها له ليلا وفتحها لأنه إعتقد ان تيدرا سوف يقول انها كانت مملؤه ذهبا وفضه فأخرجه من الحبس وكان البابا قد أودعه فى سجن ضيق مع اللصوص والقتله ، وفى الغد أرسل الكاتب فريقا من المسلمين ليشهدوا بالزور انهم حضروا الإعتقال وفتشوا ولم يجدوا مال فلما سمع ذلك إمتلئ غضبا على تيدرا ومنع جميع الأقباط بعدم زياره البابا بعد ان كانوا يأتون إليه فى السجن ويأخذون بركته ولا يكلموه خوفا من الأمير ، وبعد أيام طلبوا منه مالا ويفرجوا عنه فقال لست معى شيئا .
فأمر الأمير بإحضار الراهب تيدرا وقال له : أين المال الذى أخذته من البابا الذى ذكرت لى وقلت انك إذا أحضرته الى هنا سأحضر المال الكثير الذى فى حوزته . فقال الخبر وصل إليه قبل وصولى فأعطى المال لأولاده سيمون أسقف بنا ومقاره الشماس أخوه قال هذا ليدافع على نفسه من غضب الوالى . فأمر الوالى ان يحضروا إليه واحدا واحدا ليكلمهما كل على إنفراد . فأحضر اليه الشماس مقار قال له : اين مال البابا شنوده قد قالوا لى انك أخفيت المال وهربته فإمضى وأحضره إلى لأطلقك من الحبس حرا بغير عذاب فقال إن كل ما عند البابا أخذوه معه فى المركب وأخذونى معه فأن كنت أخذت شيئا فقد كنت هربت أيضا .ثم أحضر سمعان أسقف بنا وقال له : أنت سمعان أسقف بنا فقال:نعم فقال له : وأين مال البابا الذى عندك . فقال سمعان : ليس عند أبى مالا إت كل ما يجود به الأقباط عليه ينفقه على الكنائس والفقراء والمعوزين والزى أخذتموه منه عند القبض عليه هو كل ماله , فلما سمع ذلك وأحس بصدقه ونظر مرض البابا وضعفه الشديد ، أحضر أخيه الشماس غاضبا وحزن البابا لأنه علم أن الوالى يريد أن يؤذيه ، فقال له الوالى : إعطينى مال البابا وإلا عذبتك عذابا شديدا ، فقال له: قد قلت لك لا يوجد عند أبى شيئا .
فامر ان يضعوه على بطنه على الأرض ويرفعوا رجله وضربوه حتى تدفق الدم من جسمه فلما رأى الدم أمر بحبسهم أما البابا فقال لمقار الشماس : إفرح ياولدى فقد كنت مستحقا ان تعذب لاجل كنيسه الله وستنال الأجر من المسيح , ثم رشم علامه الصليب على مواضع الألم فزال عنه الألم وأختفت علامات الضرب من على جسمه ولما رأى المسلمين الذين فى الحبس ما حدث : قالوا على البابا : إن هذا رجل من رجال الله الصالحين .
وظل البابا فى الحبس ثلاثين يوما ، وكان الأقباط فى حزن وكآبه فدفع الشعب مالا إلى الوالى فأطلقه وصلى البابا لأجل الراهب الذين قالوا عنه انه مسلم فكان ان الوالى أرسل من يسأل عنه فى بلدته وتأكد من صحه كلامه فأطلقه فإستحق الراهب أن يأخذ إكليل الإعتراف بالسيد المسيح ، وذهب ليتعبد لله الى يوم وفاته وكان متخفيا لئلا ينال مجدا أرضيا بسبب تمسكه بالمسيح . وكان الأراخنه يسألون البابا ليأخذوا حلا لعقاب الراهب المارق تيدرا الذى تسبب فى هذه البلاوى فقال لهم دعوه ليقتص الله منه ، لأن الله كشف له ما سيفعله لتيدرا , فهرب الراهب من الفسطاط خوفا من الوالى والأراخنه وذهب الىالبريه المقدسه وعذب الآباء الرهبان هناك ، وأقلق سكونهم فعرف أهل الأسكندريه بأمره عن طريق تجار مسلمين كانوا يشترون الحصر وغيرها من الصناعات التى يصنعها الرهبان فى الأديره ، فشاهدوا الراهب هناك ورأوه يعامل الرهبان معامله سيئه ، فعرفوا الوالى بشروره فأمر بالقبض عليه هو وأخوه العلمانى فقال له : ما سمعت عما فعلته بالشماس الذى كان قبلك وفعل أفعالك المشينه ، فسوف أجازيك عن أفعالك الرديئه وأمرا ان يطرحا أرضا على بطنهما ويضربا بالسياط حتى صارا كالأموات وجرهما من أرجلهما فى سوق مدينه الإسكندريه أوثقهما بالحديد وسجنهما ودفعا كل ما كان يملكاه ، وكانت أمه تتصدقا لتدفع للحراس وغيرهما إلى أن أطلقوهما بعد سنه وكانت حالتهما زريه وأصيب بمرض الجزام وصار لونه أسود .
وشاخ أبينا البابا شنوده وطالت أيامه فى الأرض وضعفت قوته بعد كفاح وجهاد كبير مع الولاه والظلمه من أبناءه وإختاره الله ان يكون مع أبيه القديس مرقس رسول المسيح فتنيح بعد مرض طويل فى 24 من برموده وجلس على الكرسى المرقسى 21 سنه و3 شهور فإجتمع الشعب وحزنوا عليه وبكوا بكاءا مرا بركه هذا القديس المجاهد مع المرض ومع الولاه ومع أبناءه تكون معى يأبائى وإخوتى آمين.