مرحباً بكم في مدونة المسيح مخلصي وهى تحتوي على موضوعات مسيحية متعددة بالاضافة الي تاريخ الاباء البطاركة المنقول من موسوعة تاريخ اقباط مصر للمؤرخ عزت اندراوس بالاضافة الي نشر الكثير عن تاريخ الاباء

الأحد، يونيو 20، 2010

ظهور الأسقف أرسانيوس حياً الذى إتهم الإريوسيين أن أثناسيوس قتله

ظهور الأسقف أرسانيوس حياً الذى إتهم الإريوسيين أن أثناسيوس قتله
أما بخصوص أرسانيوس الذى أتهم البابا أثناسيوس بقتله فقال :
[ فلما استلمت هذا الخطاب ( به الدعوى ) ولو أنى لم اهتم كثيراً بالموضوع لأنى أعلم أن الأمر كله عار عن الحقيقة , ولكن لما وجدت الإمبراطور قد أهتم هكذا وإنشغل بالموضوع كتبت (3) إلى زملائى فىى الخدمة ( أساقفة وكهنة ) مصر وأرسلت شماساً راغباً فى تقصى الحقائق عن أرسانيوس , لأنى لم أكن قد رأيت هذا الرجل منذ خمس أو ست سنوات ..
ووجدوا أرسانيوس فى مخبئة - وجدوه فى دير عند بلدة بتيمن سركيس التابعة للعاصمة أنتوبوليس على الشاطئ الشرقى للنيل - والذين كانوا مع أرسانيوس شهدوا بذلك , وأنه كان مختبئاً لهذا الغرض حتى يحيكوا الإدعاء بموته , أما الشخص الذى كان متولياً حراسته فى مخبئة فكان يدعى بنيس وهو كاهن هذا الدير , وهذا الكاهن بنيس أرسل خطاباً إلى يوحنا ( أركاف) مؤداه ذلك (4) :
( ... بنيس كاهن دير بتيمن سركيس بإقليم أنتيوبوليس يكتب إلى أخيه المحبوب يوحنا مرسلاً تحياته , أود أن تعلم أن أثناسيوس أرسل شماسه إلى الصعيد ليبحث عن أرسانيوس فى كل مكان , وقد تصادف مقابلته أولاً مع الكاهن بسيسيوس وسلوانس أخى إلياس وتايناسيراميوس وبول راهب إبسيله ( مدينة شطب ألان) وهؤلاء إعترفوا له بأن ارسانيوس كان موجوداً معنا بالفعل , فلما سمعنا هذا وضعنا أرسانيوس فى الحال فى مركب أقلعت إلى الجنوب مع إلياس الراهب , وفجأة عاد إلينا هذا الشماس مع آخرين ودخلوا ديرنا باحثين عن أرسانيوس فلم يجدوه , لأنه كما قلت لك كنا قد أرسلناه جنوباً , ولكنهم قبضوا علينا أنا وإلياس الراهب وأبحروا بنا إلى الإسكندرية , وقدمونا أمام الدوق ( الحاكم ) ولما وجدت أنى غير قادر على الإنكار أعترفت بانه حى وأنه لم يقتل وإعترف أيضاً كذلك الراهب الذى أخذوه معى , من أجل هذا أردت أن أعرفك بهذه الأمور حتى لا ترتب إتهامك لأثناسيوس معتمداً على هذا , لأنى قلت إنه حى وأنه أجرى إخفاؤه بيننا , وكل هذا أصبح معروفاً فى مصر ولم يعد الأمر سراً ... ) (5)
وبعد ذلك وجدناه ( أى أرسانيوس) للمرة الثانية مختبئاً فى مدينة صور , والمدهش جداً أنه حتى بعد أن أكتشفوا (6) أمره هناك , لم يشأ أن يعترف أنه هو أرسانيوس حتى حرموه وشهدوا عليه أمام بول أسقف صور ( الذى كان يعرفه منذ القديم ) وأخيراً ومن شدة الخجل أعترف بغير إرادته ] (7)
ورفع تقرير بهذه الحدث الجديده للأمبراطور وقال البابا اثناسيوس :
[ فكتبت للأمبراطور بهذا ان أرسانيوس حى , وقد إكتشف مخبأه , وذكرته بموضوع إسخيراس , وما كان قد سمعه سابقاً من كاهنى مكاريوس فى نيقوميديا , فأوقف الأمبراطور كل إجراءات محاكمتى , وكنت شاجباً كل الإتهامات الموجهة ضدى حاكماً ببطلانها , وارسل إلى يوسابيوس ( اسقف قيصرية المؤرخ الكنسى المشهور وصاحب كتاب تاريخ الكنيسة ) وكل مرافقيه الذين قد صدر لهم المر بالتوجه إلى الشرق لإجراء المواجهات معى أن يعودوا ] (8)
الإمبراطور يعتذر للبابا أثناسيوس
قسطنطين فيكتور مكسيموس أوغسطس .. إلى البابا أثناسيوس
قد قرأت خطابات "حكمتكم" وشعرت بدافع ان أكتب بالتالى إليكم لكى تتشددوا .. أما بخصوص هؤلاء الأشخاص المستحقين كل لعنة , وأقصد بذلك المليتينيين المتمردين الجاحدين الذين اثبتوا حماقتهم بأعمالهم المجنونة , الذين رفعوا هذا الشغب ولفقوا هذه الفتنة بسبب حقدهم ليكشفوا بالأكثر جحودهم , أقول أن هذا يكفيهم , فالذى ادعوا عليه أنه ذبح بالسيف هنا هوذا موجود وحى بعد .
وفيما تمادى فيه هؤلاء الميليتينيون من أتهامكم أنكم تهجمتم بعنف ووضاعة ومسكتم الكأس وكسرتموه فى المكان المقدس ( الهيكل) مع أنه لا صدق لهذا الإتهام ولا وجود لهذا العنف وإن هذا كله ملفق ... أمور أصبحت حقيقتها واضحة أكثر من أنهم يخططون مؤامرة ضد حكتكم , وبعد ذلك من ذا الذى يرضى أن يتبعهم بعد ذلك ( مع الأسف أنه سمح بالتحقيق فى إتهاماتهم للمرة الثالثة فى مجمع صور ) هؤلاء الناس الذين لفقوا مثل هذه التهم للإيذاء بالآخرين , يتهمونكم بجرائم كاذبة , وأخيرا أحب أن أضيف أننى أرغب فى أن يقرأ هذا الخطاب مراراً بواسطة حكمتكم علناً حتى يصير معروفاً لجميع الناس , وبالأخص لكى يصل إلى آذان هؤلاء الناس الذين يعملون هذه الأمور ... وليعلموا أنهم إذا أثاروا شيئاً من هذا الشغب مرة أخرى فسأحقق بنفسى معهم وليس بعد بحسب القوانين الكنسية , ولكن بحسب القوانين المدنية ... لأنهم لصوص ليس إذاء الناس فقط بل وإذاء التعاليم الإلهية , ليت الرب يحفظكم دائماً أيها الأخ المحبوب .
إعتراف الأسقف أرسانيوس
وكتب أ{سانيوس إعتذاراً للبابا أثناسيوس : [ إلى المطوب البابا أثناسيوس , يكتب أرسانيوس أسقف على الذين كانوا " أى سابقاً " تحت ميليتيوس فى مدينة الإيسيليين ( وهى مدينة شطب الآن ) مع الكهنة والشمامسة يطلبون الصحة لكم من الرب , إذ أصبحت فى غاية الإشتياق إلى السلام والإتحاد مع الكنيسة الجامعة التى تترأسونها بننعمة الرب , راغباً فى أن أخضع أنا نفسى ومن معى لقانون الكنيسة تحت التقليد القديم ( تبادل خطابات الشركة ) نكتب إليك أيها البابا العزيز والمحبوب معلناً بإسم الرب أننا لن نجرى شركة فى المستقبل مع الذين يستمرون فى إنشقاقهم وكل من هم ليسو فى سلام الكنيسة الجامعة , سواء أكانوا أساقفة أو كهنة أو شمامسة .. ]
[ وليس أدل من إنسحاب يوحنا أركاف دليلاً على نوع المؤامرات التى كانت تحاك ضدنا التى أصبح الإمبراطور قسطنطين المحبوب لدى الرب والمطوب الذكر شاهداً عليها بنفسه عندما أرسل يوحنا خطابات إلى الإمبراطور هكذا : ... لقد سررت غاية السرور بخطاباتك إذ علمت منها ما كنت أشتاق طويلاً أن أسمعه أنك تركت جانباً كل مشاعرك الصغيرة وأنك صرت فى إتصال الشركة مع الكنيسة كما يليق بك , وإنك صرت فى إتفاق كامل مع الكلى الوقار الأسقف أثناسيوس .. ] (9)
ولم يظهر البابا أثناسيوس إعترافات وتوبة الأسقف أرسانيوس وأخفاها ولكنه أظهرها فيما بعد فى الوقت المناسب .
المــــــــــــــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة الطبعة الثانية 2002 م ص 83- 87
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) كان البابا أثناسيوس يستجم فى إحدى قلاع أمونياكا بالمدن الخمس على شاطئ البحر وذلك سنة 332م
(4) لم يتضح الطريقة التى وقع خطاب رئيس الدير الكاهن بنيس فى يد البابا أثناسيوس والذى أرسله إلى يوحنا اركاف رئيس جماعة المليتينيين .
(5) Apolgia contra Ar.67
(6) أما عن كيفيه إكتشافه فى صور فإن بينما كان خدام القنصل أرشيلاوس فى حدى الحانات سمعوا أن أرسانيوس مختبئ فى إحدى البيوت فعملوا له كميناً وقبضوا عليه .
(7) Apolgia contra Ar. 65, 67
(8) Ibid
(9) Apolgia contra Ar.68

شجاعة‏ ‏القديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الرسولي


نحن‏ ‏اليوم‏ ‏نمجد‏ ‏القديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏ونحييه‏ ‏ونفتخر‏ ‏به‏,‏ونقول‏ ‏إنه‏ ‏حامي‏ ‏الإيمان‏,‏والعالم‏ ‏كله‏ ‏معنا‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الإكرام‏,‏العالم‏ ‏كله‏ ‏ينحني‏ ‏احتراما‏ ‏وإجلالا‏ ‏لهذا‏ ‏الرجل‏,‏الذي‏ ‏يعتبر‏ ‏بحق‏ ‏مؤسس‏ ‏المسيحية‏ ‏الثاني‏.‏بعد‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏,‏أن‏ ‏المسيحية‏ ‏كادت‏ ‏أن‏ ‏تنتهي‏ ‏لولا‏ ‏أثناسيوس‏.‏


البدعة‏ ‏الأريوسية‏:‏


البدعة‏ ‏الأريوسية‏ ‏كانت‏ ‏بدعة‏ ‏دقيقة‏ ‏وصاحبتها‏ ‏ظروف‏ ‏جعلت‏ ‏هذه‏ ‏البدعة‏ ‏تنتشر‏,‏وأيدتها‏ ‏عوامل‏ ‏اجتماعية‏ ‏وسياسية‏ ‏جعلتها‏ ‏تكاد‏ ‏تبتلع‏ ‏المسيحية‏ ‏نهائيا‏,‏وانضم‏ ‏إلي‏ ‏هذه‏ ‏البدعة‏ ‏الأريوسية‏ ‏كثيرون‏ ‏من‏ ‏الشعب‏,‏وأيضا‏ ‏من‏ ‏الكهنة‏ ‏والأساقفة‏,‏وانضم‏ ‏رجال‏ ‏الدولة‏ ‏وانضم‏ ‏آخرون‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏المسيحيين‏ ‏إلي‏ ‏هذه‏ ‏البدعة‏ ‏وأصبحت‏ ‏الحركة‏ ‏حركة‏ ‏ضخمة‏ ‏واسعة‏ ‏كبيرة‏ ‏شملت‏ ‏قطاعات‏ ‏واسعة‏,‏لا‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏وحدها‏ ‏بل‏ ‏في‏ ‏العالم‏ ‏بأثره‏,‏وبالإيجاز‏ ‏كادت‏ ‏المسيحية‏ ‏أن‏ ‏تنتهي‏.‏المسيحية‏ ‏علي‏ ‏صورة‏ ‏الصفاء‏ ‏التي‏ ‏أرادها‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏,‏التعليم‏ ‏الذي‏ ‏علم‏ ‏به‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏,‏هذا‏ ‏التعليم‏ ‏كاد‏ ‏أن‏ ‏ينتهي‏,‏لم‏ ‏يكن‏ ‏الشعب‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏الوقت‏ ‏من‏ ‏القدرة‏ ‏علي‏ ‏الإيغال‏ ‏في‏ ‏الموضوعات‏ ‏اللاهوتية‏ ‏بحيث‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يفهم‏ ‏الفرق‏ ‏بين‏ ‏تعليم‏ ‏أثناسيوس‏ ‏وتعاليم‏ ‏أريوس‏,‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏وجه‏ ‏الخطر‏ ‏في‏ ‏الموضوع‏,‏لذلك‏ ‏كان‏ ‏أثناسيوس‏ ‏هو‏ ‏الرجل‏ ‏الوحيد‏ ‏الذي‏ ‏اعتبر‏ ‏معارضا‏ ‏واعتبر‏ ‏عنيدا‏.‏وقيل‏ ‏إنه‏ ‏الرأس‏ ‏الوحيد‏ ‏الذي‏ ‏لو‏ ‏انحني‏ ‏لحلت‏ ‏المشكلة‏,‏وبالطبع‏ ‏حل‏ ‏المشكلة‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏أرثوذكسية‏ ‏التعليم‏.‏حل‏ ‏المشكلة‏ ‏باختفاء‏ ‏أثناسيوس‏ ‏كان‏ ‏معناه‏ ‏سيادة‏ ‏الأريوسية‏ ‏وانتهاء‏ ‏المسيحية‏ ‏الأرثوذكسية‏,‏لذلك‏ ‏سمي‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الذي‏ ‏يعارض‏ ‏العالم‏ ‏وهذا‏ ‏ترجمة‏ ‏النص‏ ‏اللاتيني‏,‏لأن‏ ‏هذه‏ ‏المسألة‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏تخص‏ ‏العالم‏ ‏الشرقي‏ ‏فقط‏,‏بل‏ ‏العالم‏ ‏الغربي‏ ‏أيضا‏,‏لأن‏ ‏مجال‏ ‏العمل‏ ‏للقديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏امتد‏ ‏من‏ ‏الشرق‏ ‏إلي‏ ‏الغرب‏ ‏أيضا‏,‏فأصبح‏ ‏موضوع‏ ‏القضية‏ ‏التي‏ ‏يدافع‏ ‏عنها‏ ‏أثناسيوس‏ ‏ليست‏ ‏قضية‏ ‏خاصة‏ ‏بالشرق‏ ‏أو‏ ‏بمصر‏,‏وإنما‏ ‏كانت‏ ‏للمسيحية‏ ‏كلها‏ ‏في‏ ‏الشرق‏ ‏وفي‏ ‏الغرب‏,‏فسموه‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الذي‏ ‏يعارض‏ ‏العالم‏.‏


صمود‏ ‏القديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏وشجاعته‏:‏


هذا‏ ‏الكلام‏ ‏نمر‏ ‏عليه‏ ‏اليوم‏ ‏بسهولة‏,‏ونقول‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏من‏ ‏فوق‏ ‏المنابر‏ ‏وبحماس‏,‏ولكن‏ ‏من‏ ‏الصعب‏ ‏علينا‏ ‏اليوم‏ ‏أن‏ ‏ندرك‏ ‏تماما‏ ‏الثمن‏ ‏الغالي‏ ‏لهذا‏ ‏الموقف‏ ‏الذي‏ ‏اتخذه‏ ‏أثناسيوس‏,‏اليوم‏ ‏نأخذ‏ ‏الجانب‏ ‏السار‏ ‏من‏ ‏الموضوع‏ ‏بعد‏ ‏الانتصار‏,‏اليوم‏ ‏نذكر‏ ‏أثناسيوس‏ ‏بالتحية‏ ‏والاحترام‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏انتصر‏.‏لكن‏ ‏أريدكم‏ ‏أن‏ ‏ترجعوا‏ ‏لأفكاركم‏ ‏إلي‏ ‏الظروف‏ ‏القاسية‏ ‏التي‏ ‏كان‏ ‏يعيشها‏ ‏الرجل‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏الوقت‏,‏لو‏ ‏كنت‏ ‏أنت‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏هل‏ ‏كنت‏ ‏تقدر‏ ‏أن‏ ‏تتحمل‏ ‏هذا‏ ‏كله‏,‏هل‏ ‏تتحمل‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏في‏ ‏موقف‏ ‏يعارضك‏ ‏فيه‏ ‏الناس‏ ‏جميعا‏,‏حتي‏ ‏رجال‏ ‏الدين‏ ‏ورجال‏ ‏الحكم‏,‏تبحث‏ ‏عن‏ ‏أحد‏ ‏معك‏ ‏فلا‏ ‏تجد‏,‏وكل‏ ‏يوم‏ ‏تخسر‏ ‏أكثر‏ ‏وأكثر‏ ‏وأكثر‏ ‏حتي‏ ‏تصل‏ ‏المسألة‏ ‏أنك‏ ‏تجد‏ ‏نفسك‏ ‏تعيش‏ ‏بمفردك‏,‏ما‏ ‏أقسي‏ ‏هذا‏ ‏الموضوع‏,‏ارجعوا‏ ‏للوراء‏ ‏وحاولوا‏ ‏أن‏ ‏تعيشوا‏ ‏في‏ ‏الظروف‏ ‏التي‏ ‏عاشها‏ ‏أثناسيوس‏.‏من‏ ‏منا‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏في‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏,‏من‏ ‏منا‏ ‏كان‏ ‏يقدر‏ ‏أن‏ ‏يصمد؟‏,‏من‏ ‏كان‏ ‏يصمد؟‏ ‏لا‏ ‏يوم‏ ‏أو‏ ‏اثنين‏ ‏أو‏ ‏سنة‏ ‏أو‏ ‏سنتين‏...‏لكن‏ ‏خمسين‏ ‏سنة‏,‏لو‏ ‏كنت‏ ‏أنت‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏هل‏ ‏يكون‏ ‏عندك‏ ‏هذا‏ ‏الصمود؟‏ ‏هل‏ ‏يكون‏ ‏عندك‏ ‏هذا‏ ‏الجلد؟‏,‏هل‏ ‏يكون‏ ‏عندك‏ ‏هذا‏ ‏الإصرار؟‏,‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الموقف‏ ‏الصعب‏.‏كيف‏ ‏تعيش‏ ‏بين‏ ‏الناس‏,‏كيف‏ ‏تتحمل‏ ‏النقد‏ ‏والانتقاد‏,‏والشتائم‏ ‏والإهانات‏ ‏والسباب‏,‏وظروف‏ ‏الاضطهاد‏ ‏والنفي‏ ‏والتشريد‏,‏حتي‏ ‏القوة‏ ‏المدنية‏,‏قوة‏ ‏الدولة‏ ‏كلها‏ ‏التي‏ ‏تجندت‏ ‏لمحاربة‏ ‏أثناسيوس‏ ‏لأن‏ ‏الدولة‏ ‏يهمها‏ ‏صالح‏ ‏الأمن‏,‏وعندما‏ ‏تكون‏ ‏الأغلبية‏ ‏ضد‏ ‏واحد‏ ‏فمحصلة‏ ‏الأمن‏ ‏تقتضي‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏الدولة‏ ‏في‏ ‏نصرة‏ ‏الأغلبية‏ ‏ضد‏ ‏الأقلية‏.‏خاصة‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏الأقلية‏ ‏واحدا‏,‏ولو‏ ‏اختفت‏ ‏رأس‏ ‏هذا‏ ‏الإنسان‏ ‏استراح‏ ‏العالم‏.‏تصور‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏وصعوبته‏,‏تصور‏ ‏كل‏ ‏هذا‏.‏


فاليوم‏ ‏عندما‏ ‏نفتخر‏ ‏بأثناسيوس‏ ‏ونمدح‏ ‏أثناسيوس‏,‏نمدحه‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏انتصر‏,‏بعد‏ ‏هذا‏ ‏التعب‏ ‏كله‏...‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أصبح‏ ‏العالم‏ ‏يقدر‏ ‏موقفه‏ ‏ويقتنع‏ ‏بصحة‏ ‏معتقده‏,‏إنما‏ ‏كيف‏ ‏عاش‏ ‏أثناسيوس‏ ‏هذه‏ ‏الخمسين‏ ‏سنة‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الآلام‏ ‏المرة‏,‏وهذه‏ ‏المتاعب‏ ‏الجمة‏,‏وهذه‏ ‏المقاومات‏ ‏والمعارضات‏.‏لابد‏ ‏أن‏ ‏أثناسيوس‏ ‏كان‏ ‏يحارب‏ ‏حتي‏ ‏نفسيا‏.‏ربما‏ ‏كان‏ ‏يحاربه‏ ‏الفكر‏ ‏يقول‏ ‏له‏ ‏أنت‏ ‏عملت‏ ‏انقساما‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏,‏أنت‏ ‏عملت‏ ‏عثرة‏,‏أثناسيوس‏ ‏عمل‏ ‏انقساما‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏,‏وكل‏ ‏الناس‏ ‏كانوا‏ ‏يقولوا‏ ‏هذا‏ ‏الإنسان‏ ‏ضد‏ ‏المسيح‏ ‏لأنه‏ ‏خلق‏ ‏انقساما‏,‏كان‏ ‏مفروض‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏رجل‏ ‏سلام‏,‏ولا‏ ‏يكون‏ ‏سبب‏ ‏انقسام‏ ‏ومتاعب‏ ‏ومضايقات‏ ‏ويخلق‏ ‏عثرات‏ ‏ويجعل‏ ‏الناس‏ ‏تخطئ‏ ‏لأنها‏ ‏تضطر‏ ‏أن‏ ‏تشتم‏ ‏عليه‏,‏والناس‏ ‏تخطئ‏ ‏في‏ ‏اشتراكها‏ ‏في‏ ‏الحروب‏ ‏المختلفة‏ ‏والمضايقات‏ ‏والمتاعب‏.‏أخطاء‏ ‏من‏ ‏رجال‏ ‏الحكم‏ ‏وأخطاء‏ ‏من‏ ‏الشعب‏,‏وأخطاء‏ ‏من‏ ‏الكهنة‏ ‏وأخطاء‏ ‏من‏ ‏الأساقفة‏ ‏وأخطاء‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏حد‏...‏كل‏ ‏هذا‏ ‏مسئول‏ ‏عنه‏ ‏أثناسيوس‏ ‏لأنه‏ ‏سبب‏ ‏كل‏ ‏هذا‏,‏ولو‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏ركع‏ ‏وانحني‏,‏لو‏ ‏كان‏ ‏أخفي‏ ‏رأسه‏ ‏كانت‏ ‏تخلصت‏ ‏الكنيسة‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏المتاعب‏ ‏ولكن‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏صحة‏ ‏الإيمان‏.‏


الذين‏ ‏يبحثون‏ ‏علي‏ ‏السلام‏ ‏الرخيص‏,‏الذين‏ ‏يفهمون‏ ‏السلام‏ ‏بمعني‏ ‏الاستسلام‏,‏الذين‏ ‏يفهمون‏ ‏السلام‏ ‏بمعني‏ ‏التساهل‏,‏هؤلاء‏ ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏عصر‏ ‏وفي‏ ‏كل‏ ‏زمان‏ ‏يلومون‏ ‏أصحاب‏ ‏المبادئ‏ ‏القويمة‏ ‏التي‏ ‏يترتب‏ ‏عليها‏ ‏انقسام‏ ‏الناس‏,‏أو‏ ‏يترتب‏ ‏عليها‏ ‏إحداث‏ ‏قلاقل‏ ‏وافتراق‏ ‏في‏ ‏الرأي‏.‏هل‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏المسيحية‏ ‏التي‏ ‏يكرز‏ ‏بها‏ ‏هؤلاء‏,‏الذين‏ ‏يدعون‏ ‏إلي‏ ‏هذا‏ ‏السلام‏ ‏الرخيص‏ ‏أو‏ ‏هذا‏ ‏الاستسلام‏.‏ليست‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏مسيحية‏ ‏المسيح‏,‏لأن‏ ‏المسيح‏ ‏يقول‏:‏لا‏ ‏تظنوا‏ ‏أني‏ ‏جئت‏ ‏إلي‏ ‏الأرض‏ ‏لألقي‏ ‏سلاما‏ ‏بل‏ ‏سيفا‏,‏بل‏ ‏انقساما‏,‏جئت‏ ‏لأفرق‏ ‏الأب‏ ‏ضد‏ ‏ابنه‏...‏ولأفرق‏ ‏الحماة‏ ‏ضد‏ ‏كنتها‏ ‏وأعداء‏ ‏الإنسان‏ ‏أهل‏ ‏بيته‏ (‏مت‏10:34-36).‏معني‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏أن‏ ‏مبادئ‏ ‏المسيح‏,‏من‏ ‏شأنها‏ ‏أن‏ ‏ينقسم‏ ‏الناس‏ ‏بإزائها‏ ‏قسمين‏,‏قسم‏ ‏يقبلها‏ ‏وقسم‏ ‏يرفضها‏,‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏حرب‏ ‏بين‏ ‏من‏ ‏يقبلها‏ ‏ومن‏ ‏يرفضها‏.‏هذه‏ ‏هي‏ ‏حرب‏ ‏المبادئ‏,‏حرب‏ ‏الأفكار‏,‏حرب‏ ‏المواقف‏ ‏التي‏ ‏جاء‏ ‏المسيح‏ ‏ليخلقها‏ ‏ويثيرها‏ ‏ويزرعها‏ ‏في‏ ‏الأرض‏.‏المسيح‏ ‏رب‏ ‏السلام‏ ‏جاء‏ ‏ليخلق‏ ‏هذا‏ ‏الانقسام‏ ‏وليجعل‏ ‏فارقا‏ ‏بين‏ ‏النور‏ ‏والظلمة‏,‏وبين‏ ‏الحق‏ ‏والباطل‏,‏وبين‏ ‏الخير‏ ‏والشر‏,‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏حرب‏ ‏سجال‏ ‏بين‏ ‏أتباع‏ ‏الحق‏ ‏وأتباع‏ ‏الباطل‏,‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الحرب‏ ‏مطلوب‏ ‏عند‏ ‏المسيح‏,‏لأنه‏ ‏لو‏ ‏خمدت‏ ‏هذه‏ ‏الحرب‏ ‏معناه‏ ‏أن‏ ‏الكنيسة‏ ‏بمبادئها‏ ‏قد‏ ‏ماتت‏.‏جسم‏ ‏الإنسان‏ ‏عندما‏ ‏يكون‏ ‏محموما‏,‏معني‏ ‏الحمي‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏حربا‏ ‏بين‏ ‏الميكروبات‏ ‏الغريبة‏ ‏التي‏ ‏دخلت‏ ‏إلي‏ ‏جسم‏ ‏الإنسان‏,‏وبين‏ ‏الكرات‏ ‏البيضاء‏ ‏التي‏ ‏في‏ ‏الدم‏,‏التي‏ ‏مهمتها‏ ‏أن‏ ‏تحارب‏ ‏الأجسام‏ ‏الغريبة‏.‏طالما‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏حمي‏ ‏معناه‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الإنسان‏ ‏مازال‏ ‏حيا‏,‏وحياته‏ ‏تجعل‏ ‏كراته‏ ‏البيضاء‏ ‏تنضوي‏ ‏لمحاربة‏ ‏الميكروبات‏ ‏الدخيلة‏ ‏علي‏ ‏جسم‏ ‏الإنسان‏,‏لو‏ ‏خمدت‏ ‏هذه‏ ‏الحرب‏ ‏وأحيانا‏ ‏تخمد‏ ‏الحرب‏,‏ويصاب‏ ‏الإنسان‏ ‏ببرودة‏,‏وتكون‏ ‏هذه‏ ‏البرودة‏ ‏هي‏ ‏برودة‏ ‏الموت‏.‏إنما‏ ‏الحمي‏ ‏دليل‏ ‏الحياة‏,‏أنه‏ ‏مازال‏ ‏الجسم‏ ‏حيا‏ ‏ومازالت‏ ‏هناك‏ ‏حرارة‏,‏مازالت‏ ‏هناك‏ ‏مقاومة‏ ‏للميكروبات‏ ‏الضارة‏ ‏بجسمه‏,‏فإذا‏ ‏ظن‏ ‏بعض‏ ‏الناس‏ ‏أنه‏ ‏لكي‏ ‏يخمد‏ ‏الحمي‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يقتل‏ ‏الكرات‏ ‏البيضاء‏,‏فيجعل‏ ‏الميكروبات‏ ‏تلتهم‏ ‏الكرات‏ ‏البيضاء‏ ‏وحينئذ‏ ‏تنتهي‏ ‏الحرب‏,‏وإذا‏ ‏انتهت‏ ‏الحرب‏ ‏يصاب‏ ‏الجسم‏ ‏بالبرودة‏ ‏وإذا‏ ‏أصيب‏ ‏بالبرودة‏ ‏فقد‏ ‏أصيب‏ ‏بالموت‏.‏لو‏ ‏توقفت‏ ‏الكنيسة‏ ‏عن‏ ‏حرب‏ ‏المبادئ‏ ‏لكان‏ ‏معناه‏ ‏أن‏ ‏الكنيسة‏ ‏ماتت‏ ‏وأن‏ ‏رسالتها‏ ‏قد‏ ‏انتهت‏.‏إنما‏ ‏بقاء‏ ‏الحرب‏ ‏دليل‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏الكنيسة‏ ‏حية‏ ‏والحرب‏ ‏علامة‏ ‏حياة‏ ‏وعلامة‏ ‏صحة‏.‏


أقول‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏ ‏لأن‏ ‏بعض‏ ‏الناس‏ ‏من‏ ‏المسيحيين‏ ‏يفهمون‏ ‏المسألة‏ ‏خطأ‏ ‏ويفهمون‏ ‏رسالة‏ ‏السلام‏ ‏بمعني‏ ‏الاستسلام‏,‏لا‏ ‏يرضون‏ ‏بمواقف‏ ‏القوة‏,‏ولا‏ ‏يرضون‏ ‏بمواقف‏ ‏إبراز‏ ‏الحق‏ ‏لأنه‏ ‏يعثره‏,‏ويظنون‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏عثرة‏ ‏في‏ ‏الكنيسة‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هناك‏ ‏مواقف‏ ‏الصحة‏ ‏ومواقف‏ ‏البطولة‏.‏لو‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏مبادئ‏ ‏المسيح‏ ‏لما‏ ‏قال‏ ‏الكتاب‏ ‏عن‏ ‏المسيح‏ ‏إنه‏ ‏صار‏ ‏عثرة‏,‏المسيح‏ ‏صار‏ ‏عثرة‏ ‏لليهود‏ ‏وجهالة‏ ‏للأمم‏.‏المسيح‏ ‏صار‏ ‏عثرة‏ ‏لأنه‏ ‏ترتب‏ ‏علي‏ ‏عمل‏ ‏المسيح‏ ‏أن‏ ‏اليهود‏ ‏كرهوه‏,‏وهذه‏ ‏الكراهية‏ ‏قادتهم‏ ‏إلي‏ ‏أخطاء‏ ‏وإلي‏ ‏جرائم‏,‏فلولا‏ ‏المسيح‏ ‏لما‏ ‏كانوا‏ ‏سقطوا‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الجرائم‏ ‏الواضحة‏.‏إذن‏ ‏المسيح‏ ‏كان‏ ‏عثرة‏ ‏لليهود‏ ‏وكان‏ ‏جهالة‏ ‏للأمم‏.‏هل‏ ‏معني‏ ‏هذا‏ ‏أن‏ ‏المسيح‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏أن‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏عثرة‏ ‏بهذا‏ ‏المعني‏ ‏يتوقف‏ ‏عن‏ ‏رسالته‏ ‏فلماذا‏ ‏إذن‏ ‏جاء؟‏ ‏جاء‏ ‏المسيح‏ ‏ليبذر‏ ‏بذرة‏ ‏وهذه‏ ‏البذرة‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏تجد‏ ‏مقاومة‏,‏وهذه‏ ‏المقاومة‏ ‏تخلق‏ ‏هذا‏ ‏الجو‏ ‏من‏ ‏الانقسام‏ ‏والتغير‏,‏وهذه‏ ‏الحرب‏ ‏هي‏ ‏حرب‏ ‏المبادئ‏.‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏المسيحية‏ ‏ديانة‏ ‏السلام‏ ‏بمعني‏ ‏الاستسلام‏ ‏فلماذا‏ ‏كان‏ ‏الاستشهاد؟‏,‏لماذا‏ ‏كان‏ ‏أبطال‏ ‏الإيمان‏ ‏يتحملون‏ ‏كل‏ ‏عذاب؟‏ ‏لماذا‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏الأخطاء‏ ‏علي‏ ‏مجري‏ ‏التاريخ؟‏ ‏مادامت‏ ‏المسألة‏ ‏أن‏ ‏نحب‏ ‏السلام‏ ‏بهذا‏ ‏المعني‏ ‏الرخيص‏ ‏لماذا‏ ‏كان‏ ‏الاستشهاد؟‏ ‏هنا‏ ‏يصبح‏ ‏الاستشهاد‏ ‏حماقة‏ ‏في‏ ‏نظر‏ ‏البعض‏,‏عدم‏ ‏حكمة‏ ‏في‏ ‏نظر‏ ‏البعض‏,‏اندفاعا‏ ‏في‏ ‏نظر‏ ‏البعض‏,‏سببا‏ ‏للانقسام‏ ‏في‏ ‏نظر‏ ‏البعض‏.‏ولكن‏ ‏المسيحية‏ ‏باستمرار‏ ‏عاشت‏ ‏مضطهدة‏,‏وهذا‏ ‏الاضطهاد‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏حسب‏ ‏الظاهر‏ ‏أضرها‏ ‏لأنه‏ ‏حرمها‏ ‏من‏ ‏أعضائها‏,‏سواء‏ ‏بالموت‏ ‏أو‏ ‏الذين‏ ‏انسلخوا‏ ‏عنها‏ ‏بسبب‏ ‏الاضطهاد‏.‏الناس‏ ‏حسب‏ ‏الظاهر‏ ‏يعتقدون‏ ‏أن‏ ‏الاضطهاد‏ ‏أضر‏ ‏الكنيسة‏ ‏لأنه‏ ‏صفاها‏,‏طرد‏ ‏بعضا‏ ‏من‏ ‏أعضائها‏ ‏ممن‏ ‏خرجوا‏ ‏عن‏ ‏الإيمان‏ ‏خوفا‏ ‏من‏ ‏الاضطهاد‏.‏ولكن‏ ‏علي‏ ‏العكس‏ ‏مما‏ ‏يظنه‏ ‏بعض‏ ‏الناس‏,‏رأينا‏ ‏الاضطهاد‏ ‏كان‏ ‏بذار‏ ‏للإيمان‏,‏والاضطهاد‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏طهر‏ ‏الكنيسة‏ ‏من‏ ‏الأوراق‏ ‏الصفراء‏ ‏الضعيفة‏ ‏والواهنة‏ ‏التي‏ ‏سقطت‏.‏ونبتت‏ ‏بدلا‏ ‏منها‏ ‏براعم‏ ‏خضراء‏ ‏جميلة‏.‏الكنيسة‏ ‏لم‏ ‏تمت‏ ‏بالاضطهاد‏ ‏إنما‏ ‏عاشت‏ ‏بالاضطهاد‏,‏طالما‏ ‏الكنيسة‏ ‏تعيش‏ ‏بسياسة‏ ‏سيدها‏ ‏فتعيش‏ ‏فيها‏ ‏حرارة‏ ‏الإيمان‏,‏وهذه‏ ‏الحرارة‏ ‏لازمة‏ ‏لبقائها‏ ‏ولوجودها‏,‏إنما‏ ‏لو‏ ‏أنها‏ ‏في‏ ‏سبيل‏ ‏ومن‏ ‏أجل‏ ‏أن‏ ‏تتجنب‏ ‏الاضطهاد‏ ‏تستسلم‏ ‏للواقع‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏السلام‏ ‏الرخيص‏,‏لأصاب‏ ‏الكنيسة‏ ‏برودة‏ ‏الموت‏ ‏وانتهت‏ ‏رسالتها‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏.‏


أيها‏ ‏الإخوة‏ ‏والأبناء‏ ‏نحن‏ ‏اليوم‏ ‏نمدح‏ ‏أثناسيوس‏,‏لكن‏ ‏أؤكد‏ ‏لكم‏ ‏أنه‏ ‏لو‏ ‏عاش‏ ‏أثناسيوس‏ ‏اليوم‏ ‏لانصرف‏ ‏أكثركم‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏أثناسيوس‏,‏لاتهمتموه‏ ‏بالغباوة‏ ‏وبالحماقة‏,‏لقال‏ ‏أكثر‏ ‏المسيحيين‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏عنيد‏ ‏سبب‏ ‏لنا‏ ‏متاعب‏,‏هؤلاء‏ ‏يهمهم‏ ‏سلام‏ ‏الكنيسة‏ ‏ولو‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏المبادئ‏,‏وهذا‏ ‏يدلكم‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏روحا‏ ‏غبية‏,‏روحا‏ ‏ليست‏ ‏من‏ ‏روح‏ ‏آبائنا‏ ‏الشهداء‏ ‏قد‏ ‏تسربت‏ ‏إلي‏ ‏شعبنا‏,‏ودخل‏ ‏الموت‏ ‏ودخل‏ ‏الضعف‏ ‏ودخلت‏ ‏الاستكانة‏.‏أصبحنا‏ ‏طبولا‏ ‏يهزها‏ ‏الهواء‏,‏بينما‏ ‏كان‏ ‏آباؤنا‏ ‏أبطالا‏ ‏صناديد‏ ‏يقفون‏ ‏أمام‏ ‏المتاعب‏ ‏كالجبل‏ ‏الأشم‏ ‏لا‏ ‏يلين‏ ‏ولا‏ ‏يتحرك‏,‏وكان‏ ‏يقال‏ ‏عن‏ ‏آبائنا‏ (‏إن‏ ‏تحريك‏ ‏جبل‏ ‏عن‏ ‏موضعه‏ ‏أيسر‏ ‏من‏ ‏تحريك‏ ‏قبطي‏ ‏عن‏ ‏موضعه‏).‏كانت‏ ‏روح‏ ‏البسالة‏ ‏وروح‏ ‏الشجاعة‏ ‏وروح‏ ‏الاستمساك‏ ‏والارتباط‏ ‏بالمبدأ‏,‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏رائدة‏ ‏شعبنا‏ ‏ومن‏ ‏خصائصنا‏ ‏المحافظة‏ ‏كقول‏ ‏المسيح‏ ‏له‏ ‏المجد‏:‏الذي‏ ‏عندكم‏ ‏تمسكوا‏ ‏به‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏أجئ‏ (‏رؤ‏2:25).‏أما‏ ‏التساهل‏ ‏فصار‏ ‏في‏ ‏شعبنا‏ ‏اليوم‏ ‏موجة‏ ‏وموضة‏,‏ويظن‏ ‏هذا‏ ‏المتساهل‏ ‏أنه‏ ‏مسيحي‏ ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏السلام‏.‏ليس‏ ‏هذا‏ ‏سلام‏ ‏بل‏ ‏إنه‏ ‏الاستسلام‏,‏إنه‏ ‏برودة‏ ‏الموت‏,‏إن‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏المواقف‏ ‏رأي‏ ‏بعضا‏ ‏من‏ ‏تلاميذه‏ ‏تراجعوا‏ ‏إلي‏ ‏الوراء‏,‏فنظر‏ ‏إلي‏ ‏الباقين‏ ‏منهم‏ ‏وقال‏ ‏لهم‏:‏هل‏ ‏أنتم‏ ‏تريدون‏ ‏أن‏ ‏تمضوا‏ ‏أيضا‏ (‏يو‏6:67)...‏تريدون‏ ‏أن‏ ‏تمضوا‏ ‏امضوا‏...‏لا‏ ‏يرضي‏ ‏المسيح‏ ‏أبدا‏ ‏بهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏السلام‏ ‏ولا‏ ‏بهذا‏ ‏التراجع‏ ‏أو‏ ‏التقهقر‏ ‏عن‏ ‏المبادئ‏,‏وإنما‏ ‏المسيح‏ ‏يقول‏:‏الذي‏ ‏عندكم‏ ‏تمسكوا‏ ‏به‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏أجئ‏ ‏كن‏ ‏أمينا‏ ‏إلي‏ ‏الموت‏ ‏فسأعطيك‏ ‏إكليل‏ ‏الحياة‏ (‏رؤ‏2:10).‏ما‏ ‏معني‏ ‏الأمانة؟‏ ‏ما‏ ‏معني‏ ‏الأمانة‏ ‏والأمانة‏ ‏إلي‏ ‏الموت؟‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏معناها؟‏...‏إذا‏ ‏كان‏ ‏منهجنا‏ ‏منهج‏ ‏الاستسلام‏,‏منهج‏ ‏السلام‏ ‏الرخيص‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏المبادئ‏,‏هذه‏ ‏خيانة‏ ‏لديانتنا‏,‏خيانة‏ ‏لمسيحنا‏,‏خيانة‏ ‏لأرثوذكسيتنا‏.‏هذه‏ ‏أمور‏ ‏ينبغي‏ ‏أن‏ ‏تصحح‏,‏هذه‏ ‏ثورة‏ ‏التصحيح‏ ‏التي‏ ‏نادي‏ ‏بها‏ ‏أثناسيوس‏,‏أن‏ ‏يقف‏ ‏الإنسان‏ ‏عند‏ ‏مبدئه‏,‏ولو‏ ‏وقف‏ ‏لوحده‏ ‏وحيدا‏,‏ولو‏ ‏وقف‏ ‏العالم‏ ‏كله‏ ‏ضده‏,‏قالوا‏ ‏له‏ ‏فعلا‏ ‏أنت‏ ‏واقف‏ ‏لوحدك‏ ‏العالم‏ ‏كله‏ ‏ضدك‏,‏قال‏:‏وأنا‏ ‏بنعمة‏ ‏إلهنا‏ ‏ضد‏ ‏العالم‏.‏مثل‏ ‏ما‏ ‏قال‏ ‏الرسول‏:‏حاشا‏ ‏لي‏ ‏أن‏ ‏أفتخر‏ ‏إلا‏ ‏بصليب‏ ‏ربنا‏ ‏يسوع‏ ‏المسيح‏ ‏الذي‏ ‏به‏ ‏صلب‏ ‏العالم‏ ‏لي‏ ‏وأنا‏ ‏للعالم‏ ‏الصليب‏ ‏خشبتان‏ ‏متعارضتان‏ ‏واحدة‏ ‏أفقية‏ ‏وواحدة‏ ‏رأسية‏,‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تكونا‏ ‏متوازيتين‏,‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏أبدا‏ ‏التقاء‏ ‏إلا‏ ‏في‏ ‏التعامد‏ ‏والتعارض‏,‏هذه‏ ‏أفقية‏ ‏وهذه‏ ‏رأسية‏ ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏التقاء‏ ‏إلا‏ ‏علي‏ ‏أساس‏ ‏التعامل‏ ‏والتعارض‏. ‏
المــــــــــــــــــــــراجع
(1) عن مقالة للعلامة القبطى الأنبا أغريغوريوس أسقف الدراسات العليا بعنوان " شجاعة‏ ‏القديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الرسولي " وردت فى جريدة وطنى بتاريخ الصادرة فى 14/5/2006 م السنة 48



السبت، يونيو 19، 2010

الإتهامات الأريوسية هى إتهامات مدنية وليست دينية

الإتهامات الأريوسية هى إتهامات مدنية وليست دينية
أتهم يوسابيوس النيقوميدى تهمتين جديدتين بالأشتراك مع المليتينيين هما :-
أولاً : إسخيراس القس الغير قانونى (1)
كان كودلوتوس الأسقف المليتى لمدينة سينوبوليس العلا قد رسم قساً أسمه إسخيراس , وقد أجتمع فى الأسكندرية مجمع سنة 324 م برئاسة ألكسندروس وأوقف هذه الرسامة وأعتبرها باطلة .
وظل هذا القس الغير قانونى بأمر المجمع المصرى يمارس الكهنوت فى قريته فى قريته التى تدعى إيرين وهى فى منطقة مريوط (3) وقام البابا أثناسيوس بإرسال سكرتيراً أسمه " مكاريوس " ينذره أن لا يمارس خدمة الكهنوت بحسب أمر المجمع , ولكن إلتجأ إسخيراس إلى المليتنيين الذين إستكتبوه عريضة إدعى فيها أن الكاهن مكاريوس سكرتير البابا إقتحم كنيسته وكسر كأس الإفخارستيا ( من الزجاج ) وحطم المائدة ( من الخشب ) ووقعوا على عريضة الشكوى وأرسلت إلى يوسابيوس فى نيقوميديا , وهذا رفعها بدوره إلى الإمبراطور.
ثانياً : أرسانيوس الأسقف المليتى
كان مجمع نيقية الذى عقد سنة 327 م قد قبل 35 أسقفاً من الأساقفة المليتينيين فى الكنيسة وقدم كشف بأسمائهم لهذا المجمع على شرط أن لا يرسم بعد ذلك أى أسقف أو كاهن أو شماس جديد بمعرفة المليتينيين , وحدث أنهم رسموا شخصاً أسمه أرسانيوس أسقفاً وأقاموه على مدينة " إيسيله " وكان رسمه على يد يوحنا أركاف الذى ترأس شيعة / طائفة المليتينيين بعد موت الأسقف مليتيوس إذا فهو أسقف قانونى طبقاً لقرارات المجمع المسكونى , وكانوا قد أعدوا خطة جديدة لإتهام البابا أثناسيوس بقتله فأوعزوا إلي أرسانيوس أن يختبئ بين الرهبان المليتينيين فى صعيد مصر , ثم أشاعوا فى كل مكان أن القديس أثناسيوس بسبب حقدة على المليتينيين قتل الأسقف أرسانيوس !! وقطع أعضاءه لأستعمالها فى أعمال السحر التى يقوم بها , وللدليل على صدق دعواهم أحتفظوا بذراع ميت داخل صندوق خشبى وأخذوا يقيمون عليها مناحة على أن هذه الذراع هى ما تبقى من جثة أرسانيوس !!
وقام المليتينيون بإرسال شكوى موقعه بإتهام البابا أثناسيوس بقتل أسقفاُ ميليتينياً , ومعها حادثة إسخيراس , ووصلت الشكوى إلى الإمبراطور فأرسل فى الحال أخ له ( أو ربما أبن أخته ) وأسمه دالماتيوس أحد حكام الشرق وهو من الضباط العظام فى انطاكية , ليقوم بتحقيق هذه التهم الذى أقترح عقد مجمع فى قيصرية برئاسة يوسابيوس القيصرى ( المؤرخ الكنسى المشهور ) على أن يلتئم المجمع فى سنة 334 م (4)
فقام البابا أثناسيوس بتقديم إحتجاجه لدى الإمبراطور وأصر على عدم إمتثاله أمام محكمة قاضيها يعتبره متحيزاً , فكان رفض أثناسيوس وإعتبار المؤرخ يوسابيوس ذو وقع مرير على نفسية هذا المؤرخ العجوز .
وقال البابا أثناسيوس : [ وبعد هذه الحوادث (كان القديس أثناسيوس قد سافر إلى نيقوميديا , ودحض إتهامات يوسابيوس مع المليتينيين ضده من جهة فرض ضريبة على قماش التيل الأبيض التى حق الأمبراطور فقط ] لزم المليتنيون الهدوء قليلاً , ولكنهم عادوا يدبرون مكائد أخرى , فإن مريوط التى تعتبر ضاحية للأسكندرية , لم يستطع المليتينيون أن يبثوا فيها إنشقاقاتهم , وكانت كل الكنائس هناك محتفظة بحدودها الرسمية وكان الكهنة يسهرون على رعاياهم , وكان كل الشعب يعيش بسلام , ولكن ظهر شخص يدعى إسخيراس لم يكن من الإكليروس , وكانوا قد رسموه خارجاً عن القانون , فلم يكن بذى إعتبار , هذا إبتدأ يضلل شعب قريته معلناً نفسه أنه كاهن , وفى الحال أعلمنى بذلك كاهن هذه الناحية عندما كنت أقوم بزيارتى لكنائس هذه النواحى , فأرسلت كاهنى الخاص مكاريوس يستدعيه للمحاكمة , فوجده مريضاً راقداً فى قلايته , فاخبروا إياه أن يمنع أبنه من التمادى فى أعماله التى وصلت ضده إلى علم الكنيسة .
ولكنه لما تعافى من مرضه وبدأ اقاربه واصدقاءه يمنعونه من التمادى فى خطته قام وهرب إلى المليتينيين , وهؤلاء إتصلوا بيوسابيوس وأتباعه وأخيراً دبروا هذه المؤامرة أن مكاريوس ( كاهن البابا أثناسيوس الخاص ) كسر الكأس ( الإفخارستيا) وأضافوا إليها مسألة المدعوا أرسانيوس الأسقف أنى قتلته , وأخفوا هذا الأرسانيوس حتى يظهر أنه قد أنتهى فعلاً عندما يبحث عنه الناس فلا يجدونه , وإحتفظوا بذراع ميت توكيداً لإدعائهم أنه تمزق إلى قطع .
قضية إسخيراس
أما إسخيراس فلما راجهه أصدقاؤه , ولاموه جاء إلى باكياً وأعترف لى أنه لم يحصل له قط شئ من هذا الذى أخبروا به ان الكاهن مكاريوس فعله , ولكن المليتينيين أغروه برشوة لهذه الشهادة الزور حتى يخترعوا هذه الوشاية , وكتب هذا الخطاب : "
إلى البابا المطوب أثناسيوس ..
يرسل إسخيراس دعاءه للرب بالصحة .. لما جئت إليك يا سيدى الأسقف طالباً أن أْقبل فى الكنيسة راجعتنى بملامة عما سبق أن قلته وكأننى تطاولت عليك فى هذا بحرية إرادتى , ولذلك أقدم لك إعتذارى هذا مكتوباً ليكون تحت يدكم حتى تعلموا أنهم قد أستخدموا العنف معى وقد ضربنى أسحق وهيراكليدس وجماعتهم (5) , وأنى أعلن وأشهد الرب على نفسى فى هذا الأمر أن لا شئ صحيح على الأطلاق فى كل ما قالوه عنكم وأتهموكم به , فلا كأس أنكسر ولا مائدة مقدسة انقلبت , ولكنهم أجبرونى بالقوة أن أدعى هذا , وهذا الدفاع عن نفسى اقدمه لكم مكتوباً طالباً أن أقبل ضمن شعبكم سائلاً ومتوسلاً لدى الرب أن يعطيكم الصحة , وإنى أضع هذا أمامكم أيها الأسقف أثناسيوس فى حضرة الكهنة أموناس هيراكليدس ... ألخ ( وقد ذكر 13 كاهناً ) (6)
كان البابا أثناسيوس فند أتهام أسخيراس فى نيقوميديا أمام الإمبراطور قبل حصوله على هذا الإعتذار ثم عاد الأمبراطور وجعل هذه الحادثة إحدى دعائم الإتهامات فى محاكمات مجمع صور .
المــــــــــــــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة الطبعة الثانية 2002 م ص 83- 87
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) Apolgia contra Ar. 63
(4) Gwatkin, op. cit, p, 84
(5) هم ثلاثة اساقفة مليتينيون : إسحق أسقف مدينة كليوباتريس ( بالفيوم والآن هى سرسنة ) والأسقف أسحق على مدينة لاتوبوليس ( إسنا ) والأسقف هيراكليدس على نقيوس
(6) Apolgia contra Ar. 63 - 64

بداية التحرك الأريوسى لعزل أثناسيوس

بداية التحرك الأريوسى لعزل أثناسيوس
يوسابيوس هو الرأس المدبر لآريوس وهو الذى أطلق عليه المؤرخين ذئب نيقوميديا إشارة إلى شدة دهاءة وخططه التى كاد ينجح فيها ونشر الهرطقة الأريوسية .
الأريوسيين ومهاجمة مقررات مجمع نيقية
نجح يوسابيوس أسقف نيقوميديا بعد سنة واحدة من رسامة البابا أثناسيوس فى نوال العفو من المنفى ورجوعه إلى مقر أسقفيته , بلا ضمانات تؤكد رجوعه عن هرطقته الأريوسية , بل وصار صديقاً حميماً للأمبراطور قسطنطين (1) وأوعز للأساقفة التابعين له لمهاجمة مقررات مجمع نيقية , ولم يظهر يوسابيوس أسقف نيقوميديا عداءه لمجمع نيقية لعلمه أن الأمبراطور قسطنطين بالرغم من تذبذبه بين الأريوسية والأرثوذكسية إلا أنه ظل أميناً لكل مقررات مجمع نيقية ككل وظل يدافع عنه ويؤيده ويفخر به .
إقصاء مؤيدى مجمع نيقية عن كراسيهم
بدأ يوسابيوس النيقوميدى بنسك شباك الدهاء حول ضحاياه من أساقفة آسيا الصغرى , حيث أن الموالون لمجمع نيقية كانوا قلة فى وسط أساقفة هذه المنطقة كما كانوا ضعفاء
الضحية الأولى للأريوسيين - أسقف أنطاكية
فبدأ بــ يوستاثيوس اسقف مدينة أنطاكية الذى كان أرثوذكسياً أميناً فى عقيدته مخلصاً للسيد المسيح وكان متواضعاً وهادئاً , ولفق له الأريوسيين تهماً بالهرطقة والجنوح وتعليم البدعة السابيلية , مع عدة تهم أخلاقية , وأنه أساء سمعة الإمبراطور قسطنطين , فأسقطوه عن ‘ن كرسيه نهائياً بقوة البوليس المدنى سنة 330 م وظل بعدها 38 سنة حياً بعيداً عن كرسيه حتى مات سنة 358 م (3) ولم يقبل الشعب هذا الحكم وثار ثورة عارمة فى وجه هؤلاء الملفقين ولم يقبل أى أسقف آخر يرسم على مدينتهم طوال حياة يوستاثيوس , وظلوا امناء له إلى آخر نسمة !! بل وبعد أن مات ظلوا فى حداد وحزن عليه مدة ليست بقليلة (4) أما سبب إختيار الأريوسيين عليه ليكون ضحيتهم الأولى لأنه كان وهو والشعب النطاكى أوفى الأصدقاء للقديس اثناسيوس الرسولى , حتى أن أثناسيوس عند ذهابه لأنطاكية عام 346م لم يقبل أن يشترك فى الصلاة إلا مع شعب يوستاثيوس فقط مما أقام المدينة وأقعدها (5)
الضحية الثانية للأريوسيين - أسقف أدريانوبل
وكانت ضحيتهم الثانية هو بوتروبيوس أسقف أدريانوبل , شهد البابا أثناسيوس وقال عنه : أنه رجل كامل فى الإيمان , قام عليه الأريوسيين فأسقطوه عن كرسيه ونفوه ..
ثم ضحايا عديدة
ولما رأوا أن خططهم نجحت , نشطوا بصورة جنونية فى تلفيق التهم والإطاحة بالأساقفة الأرثوذكسيين المؤيدين لمجمع نيقية الواحد تلو الآخر , وكانت الحصيلة النهائية لضحياهم الأساقفة التالى أسمائهم : -
يوفراتيوس أسقف بالانبا - كيماتيوس أسقف بالتوس - كاتيروس أسقف أنترادوس - أسكليباس أسقف غزة - كيريوس أسقف بيريا بإقليم سوريا - ديودوروس أسقف آسيا - دومينون أسقف سيرميم , هلانيكوس أسقف تريبوليس .
وأنتهى الحال بهؤلاء الأريوسيين بإستصدار اوامر من الأمبراطور بتغيير الأساقفة وإقامة أساقفة أريوسيين بدلاً منهم .
وخلا الطريق من ضعاف الأساقفة وبدأوا بأقويائهم حجة ومنزلة فإنقضوا مارسيللوس أسقف إقليم غلاطية الذى كان من أكبر المتصديين ليوسابيوس النيقوميدى الأريوسى فأحاطا به به بكل جرأة بالرغم من علو مقامة وذيوع شهرته .
وأخيراً أنقضوا على بولس أسقف القسطنطينية وأستطاعوا بمعونة الأمبراطور أن يسقطوه عن كرسيه عدة مرات ونفيه إلى عدة مدن , حتى أنه فى آخر منفى له مات فى جبل القوقاز والسلسلة فى يديه !! (6)
المــــــــــــــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م ص 76
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) Gwatkin, op. cit., pp. 73, 64.
(4) Hist, Arian,4.
(5) NPNF, vol. IV. p. 481.
(6) Hist, Arian,4, 5, 6, 7.

بداية تحرك الأريوسيين المرحلة الأولى : للقضاء على أثناسيوس
وأصبح البابا أثناسيوس العقبة الوحيدة أمام الآريوسيين بعد أن قضوا على عمالقة مجمع نيقية , ووضعوا خطة لإثارة القلاقل فى مصر فقد أرسل يوسابيوس النيقوميدى لأتباعه الأريوسيين فى مصر ونصحهم أن ينضموا إلى المليتينيين ليكونوا جبهة واحدة ضد أثناسيوس وكان يوسابيوس ( وهو أريوسى ) قد وعد المليتنيين بإغراءات كثيرة , وإتحد الأريوسيين بالفعل مع المليتنيين مبكراً جداً , حسب تحقيق المؤرخ سوزومين (3)

وكانت الخطة تنقسم (1) إلى : -
المرحلة الأولى : بدأت هذه المرحلة باللين واللطف , وعندما لم يجدوا أنها لم يتحصلوا منها نفعاً إنقلبوا إلى التهديد والوعيد والعنف حتى يجبروا الكنيسة القبطية لتقبل آريوس فى شركتهم , وكانت هذه المرحلة من أهم المراحل التى لو حققوها لرد شرف للآريوسين من الدرجة الأولى فقد كان العائق الوحيد هو الصخرة التى وضع فيها الرب يسوع الإيمان ألا وهو أثناسيوس .
الأريوسيين يريدون فرض آريوس على الأنبا اثناسيوس
فى سنة كان يوحنا أركان بطل الموقف كله فقد أستطاع يوسابيوس النيقوميدى أن يأخذ أمراً من الأمبراطور بخروج آريوس من المنفى , بعد أن أدعى أنه تاب , وكتب قانون الإيمان بصيغة ملتوية جازت على الأمبراطور , وبمجرد خروجه من المنفى أرسل يوسابيوس خطاباً مع رسول خاص إلى أثناسيوس يطلب منه برجاء أن يقبل آريوس وكل أعوانه فى الشركة , وكان هناك رسالة شفهية قالها الرسول مفادها : أنه هدد أثناسيوس إذ لم يقبل طلبه ورجاءه فى أن يقبل أثناسيوس .


وكان يوسابيوس النيقوميدى قد بيت النية وأعد الخطة مسبقاً أنه فى حالة عدم قبول آريوس فى شركة أثناسيوس بعد رجاءه وتهديده , وإذا برسول من الأمبراطور وخطاب تهديد شخصى من الإمبراطور نفسه : أن يفتح القديس أثناسيوس الكنيسة لا لآريوس فقط بل لكل من يريد أن يدخل الكنيسة بلا أى شرط .


وكان أثناسيوس البطل المصرى شجاعاً فى رده على الأمبراطور رافضاً رجاءه وتهديده , وكانت أول دفاع للهجوم الشيطانى الآريوسى الذى أستخدم ملك العالم كقوة لتدمير الإيمان الأرثوذكسى وكان رد اثناسيوس [ إن هرطقة تقاوم المسيح لا يمكن أن يكون لها شركة مع الكنيسة الجامعة ]
المــــــــــــــــراجع


(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م ص 76
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) Soz. II. 21, 22.


المرحلة الثانية الأريوسيين يستخدمون الإمبراطور قسطنطين للأنقضاض على اثناسيوس
المرحلة الثانية : ولم يكن أمامهم إلا المرحلة الثانية لفشل المرحلة الأولى وهى إقصاء أثناسيوس عن كرسيه (1), ونفيه فتدين مصر للأريوسية كمنهج لاهوتى ومبدأ فكرى ينشروه فى ربوع وادى النيل والعالم .
بدأ يوسابيوس النيقوميدى فى شن صراع مرير جاز فيه الأنبا اثناسيوس الذى لم يذق طعم الراحة منذ ذلك الوقت طالما هو على قيد الحياة , وذلك بحسب تعبير المؤرخ هوكر (3) الذى قال : " فمنذ بداية سنة 330 م والعواصف لم تفارق سماء القديس أثناسيوس حتى أشرقت الشمس فجأة على روحه فى السماء بعد جهاد دام أكثر من 40 سنة "
وبالرغم من عظمة الإمبراطور قسطنطين إلا أنه كان أداة فى يد الأريوسيين كما أنه لسرعة إنفعالة كان يصدر قرارات ليست فى صالح الإيمان المسيحى وكان يتردد بين الأرثوذكسية والأريوسية , وقد أستطاع يوسابيوس بدهائه ألا يبالى كثيراً بألفاظ وعبارات العقيدة المستقيمة (4) وقام فى الوقت نفسه بتحسين وزخرفة العقيدة الأريوسية (5) حتى بدت لائقة له وجميلة بعد أن أخفى السم الذى فيها , كما فعلت الحية بحواء فسقطت وأسقطت كثيرين .
المليتينيون يبدأون خطة للإيقاع بأثناسيوس
قام يوسابيوس بالأتفاق مع المليتينويون على مؤامرة بين نيقوميديا ومصر , فقد أبحر ثلاثة أساقفة ميليتينيون سراً من الإسكندرية إلى عاصمة الإمبراطورية البيزنطية نيقوميديا , ليقدموا عرضة إتهام ضد البابا أثناسيوس وهؤلاء الثعالب الثلاثة هم : إيسيون أسقف أتريب , وإيدامون أسقف تانيس , وغاللينيكوس أسقف بيلوزسوم ( الفرما قديماً شرق بور فؤاد وتسمى ألان بالوظة )
وقد وصف البابا أثناسيوس هذه الإتهامات فال : [ فلما كتبت للإمبراطور وأقنعته أن هرطقة ضد المسيح لا يمكن أن يسمح لها بشركة مع الكنيسة الجامعة , عادة يوسابيوس من إتجاه آخر مغتنماً فرصة الإتفاق المبرم مع المليتينيين فكتب وأقنعهم أن يخترعوا إدعاءات وتهماً ضدى مثل التى حبكوها سابقاً ضد بطرس وأخيلاس وألكسندر ( الباباوات السابقين ) وبعد البحث والمشورة إذا لم يجدوا شيئاً , أتفقوا معا مع يوسابيوس وأتباعه , ودبروا اول أتهام بواسطة " إيسيون " و " إيدامون " و " " غاللينيكوس " بخصوص ملابس الكتان الخاصة بالكهنة ( الإستيخارة ) (6) مدعيا أنى وضعت قانوناً على المصريين يلزمهم بتقديمها كفريضة ( وهذا معناه أن القديس أثناسيوس إغتصب حقاً من حقوق الحكومة الرومانية وحدها وهى فرض القوانين والضرائب ] (7)
وحدث أن أثنين من الكهنة المصريين كانوا فى العاصمة فتقدما للأمبراطور وأوضحا كذب الأساقفة فكتب المبراطور للبابا بالحضور لالعاصمة نيقوميديا , وهذا ما ذكره البابا أثناسيوس حول هذا الموضوع : [ ولكن كان بعض الكهنة الذين لى حاضرين " أبيس ومكاريوس " وتحقق الأمبراطور من الأمر فأدان الأساقفة , وكتب لى الأمبراطور بنفسه وأدان " أديسيون " ( زعيم البعثة ) وأمرنى أن أحضر أمامه وكان خطابه كالآتى ( للأسف فقد هذا الخطاب ) ] (8)
ماذا فعل يوسابيوس عندما علم أن أثناسيوس سيحضر لنيقوميديا ؟
وصل البابا أثناسيوس إلى نيقوميديا فى أواخر سنة 330 م لم يتوقع يوسابيوس فشل خطته وحضور أثناسيوس إلى نيقوميديا , فألح على الأساقفة الميليتنيين الثلاثة بالبقاء فى نيقوميديا وأخرج من جعبته مجموعة أخرى من الأتهامات الجديدة , ولفقوا تهمة لمكاريوس الكاهن المصرى الذى فضحهم أمام الإمبراطور وهذا ما ذكره البابا أثناسيوس حول هذا الموضوع: [ وإذا كان يوسابيوس منتبهاً لهذا الأمر ( يقصد حضور البابا أثناسيوس ) أقنع الأساقفة الثلاثة , فلما وصلت إتهموا مكاريوس بكسر الكأس ( وقصة كسر الكأس , مؤداها أن مكاريوس الكاهن إقتحم كنيسة للمليتينيين , وضرب الكاهن المدعو " إسخيراس " وهو كاهن غير قانونى وكسر كأس الإفخارستيا الذى كان من الزجاج ) أما بخصوص التهمة التى قدموها ضدى فكانت أفظع تهمة يمكن أن تكون وهى : أننى بصفة عدو للأمبراطور قد أرسلت كيساً من الذهب لأحد أعداء الأمبراطور ( الثائرين عليه ) ويدعى فيلومينوس فسمع ألمبراطور لدفاعى فى هذا الأتهام , وأدانهم كما هى العادة وطردهم من حضرته , وعندما عدت أرسل خطاباً إلى الشعب ( المصرى ) يقول فيه : " بعد مهاجمة عنيفة على الأساقفة المخادعين الملفقين للتهم والحاسدين الحاقدين على البابا أثناسيوس وتكلمت معه بخصوص هذه الأمور لأنى مقتنع أنه رجل الرب , وينبغى أن تعلموا أنتم هذا وليس لى أنا أن أحكم فيها , وإنى أرى أنه من اللائق أن أثناسيوس الكلى الإحترام يقدم بنفسه تحياتى إليكم , وإنى أعلم مقدار عنايته الرحيمة بكم التى هى حقاً تتفق مع الإيمان المملوء سلاماً الذى أنا أيضاً أعترف به , كما أعرف أنه دائب العمل فى إعلان معرفة الخلاص لكم وأنه قادر أن يعظكم كما يليق ليت الرب يحفظكم يا اخوتى المحبوبين " - هذا هو خطاب قسطنطين ] (9)
كانت هذه الإتهامات بعيدة عن الإيمان وكان هدفها الإيقاع بين أثناسيوس والإمبراطور قسطنطين وهدم العلاقة بينهما .
البابا اثناسيوس يصاب بمرض
وبالرغم من نجاح البابا أثناسيوس فى الدفاع عن نفسه ضد التهم الملفقة وحفاوة الإمبراطور به إلا أنه اصيب بمرض طويل أقعده ولم يستطع العودة إلى مصر , وعندما تعافى كان موسم الشتاء قد حل الذى يتميز بالعواصف الشديدة التى تعطل الملاحة , وقال بعض المؤرخين أن البابا أثناسيوس مكث سنة واحدة فى العاصمة نيقوميديا أى من سنة 330 - 331 م ولكن التحقيق الحديث من فحص الخطابات الفصحية ( الخطابين الثالث والرابع) يكشف أن البابا أثناسيوس حضر للأسكندرية سنة 332 م بعد أن عبر أكثر من نصف صوم الفصح المقدس , وكان هذا الكشف واضح فى صيغة وزمن الخطاب الرابع الفصحى سنة 332 م هذا الخطاب الذى إضطر أن يرسله من نيقوميديا بيد احد الجنود قبل حضوره وقبل موسم الصوم بفترة مناسبة حتى يعلم الشعب وأساقفة العالم كله بموعد بدء الصوم حسب ما نص عليه فى القوانين ,
وفيما يأتى بعض الفقرات من الخطاب الفصحى التاريخى الرابع :
[ إنى أرسل لكم يا احبائى متأخراً أو بعد فوات الوقت المعتاد , ولكنى أثق أنكم ستعذرونى فى التأخير بسبب رحلتى الطويلة , ولأنى قد أمتحنت بمرض , وبسبب هذين السببين وأيضاً بسبب العواصف الشيدية التى حدثت على غير العادة فقد تأخرت فى الكتابة إليكم , ولكن بالرغم من رحلاتى الطويلة ومرضى الخطير لم انس أن اخطركم بموعد العيد بحسب واجبى , فلو أن زمن الخطاب أصبح متأخراً ( عن ميعاد بدء الصوم ) عن المعتاد وغير مناسب لهذا الإعلان , إلا أنه لا يزال يعتبر فى حينه الحسن لأن أعدائنا قد صاروا فى خزى ووقع عليهم اللوم من الكنيسة لأنهم إضطهدونا بلا سبب , إذاً فلنسبح للرب تسبحة العيد بالمديح ] (10)


المــــــــــــــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة الطبعة الثانية 2002 م ص 80 -82
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) HOOKER, ECCL. POL. 42, 2.
(4) Soccr., Eccl. Hist. 1, 7.
(5) Newman's Arians of the Forth Century, c 3 ch. 2.
(6) وهى التونية البيضاء التى ما زال الكهنة يلبسونها فى الخدمة حتى ألان
(7) Apolgia contra Ar. 60
(8) Ibid
(9) Apolgia contra Ar. 60- 63
(10) Lener IV. Festal Letters of Athnasias.







الأربعاء، يونيو 09، 2010

البابا أثناسيوس فى رحلة رعوية

أهداف هذه الزيارة الرعوية ونتائجها : -



1 - كان من ضمن أهداف هذه الزيارة الرعوية هو تجميع أقباط مصر وتنظيم صفوفهم ضد الأريوسيين فقام بضم صفوف أساقفته , وشجع كنائسة ورعاياه ووطد إيمانهم .
2 - أن هذه الرحله هدفها هى الرعاية وتفقد أحوال الشعب فى نجوع مصر وقراها .
3 - كان لا بد من الشعب المسيحى فى هذه المناطق البعيدة عن الأسكندرية أن تتعرف على رئيس أساققتها حيث كانت المسيحية قد أنتشرت إنتشاراً واسعاً فى الصعيد وإمتلأت منطقة أسوان بالكنائس , وذكر بعض المؤرخين ان واصل رحلته حتى وصل إلى حدود أثيوبيا .
4 - كان إحتفال أهل الصعيد الزائد للبابا أنبا اثناسيوس لأنهم يعرفون انه من أهل الصعيد وكان يعيش بينهم وذلك قبل رسامته بقليل حيث قال : [ ,انا فى لاصعيد قبل أن يضعوا على اليد ] وهذا ما جاء فى المخطوطة التى أكتشفها الأب متى المسكين والموجودة فى كتابه ص 43 و 44 (1)
فى بداية خدمة الأنبا اثناسيوس لشعب مصر المسيحى سنة 329 م قام بجولة رعوية كبيرة وصل فيها إلى حدود أسوان مروراً بقرى مصر ونجوعها (1) , ومدنها وكان يدعى فى هذا الوقت إقليم طيبة أو طيبايد , حيث إتخذه أتباع آريوس وميليتيس مراكز للتجمع والمقاومة , وكان هدفه ألا يقمع هؤلاء المنشقين بالعنف بل أن يضمهم للكنيسة بالحب والإقناع , كما ورد فى التسجيلات التاريخية للقديس ابيفانيوس أسقف قبرص (3)


[ وكان وقتئذ ألب الفاضل أثناسيوس رئيس أساقفة مدينة الأسكندرية أول ما تقلد الكرسى , ولما أزمع على المضى إلى الصعيد الأعلى وإلى بلد " سين " أو "سينوس" وهى أسوان , ليتفقد البيع التى هناك ويوطدها ويحكم أمورها , وكان طريقه على طبانسين ( منطقة أديرة أنبا باخوم فى إيبرشية دندرة ) وهى جزيرة على النيل , ولما وصل إلى دوناسا ( دوفاديس ) خرج ابونا باخوميوس مع جماعة الإخوة فى خلق كثير وجمع غفير وإستقبله قبولاً حسناً بالصلوات الكثيرة والتسابيح والأضواء , وبكل بشاشة وفرح لأجل حضور رئيس الأساقفة وراعيهم , وكان أنبا سيرابيون أسقف تشيرون (دندرة) المقدم ذكره ( كان أنبا باخوم يتردد على إيبارشيته ليخدم شعبه ويعظهم ) موجوداً , فتقدم إلى رئيس الأساقفة وعرفه أن فى بلدته المختصة بكرسيه رجلاً مباركاً للرب فاضلاً وعابداً وطلب منه أن يقدمه قسيساً ويرسمه مقدماً على سائر الأديرة والرهبان الذين فى الصقع , ولما تحقق النبا باخوميوس هذا الخبر أختفى من رئيس الأساقفة فى وسط الجمع , فلما جلس أنبا اثناسيوس والجمع العظيم الذى معه قال الأنبا سرابيون : " بالحقيقة الرجل الذى قلت لى عنه الذى هو أنبا باخوميوس قد سمعت خبر إيمانه ,انا فى الصعيد من قبل أن يضعوا على اليد (4) ومن بعد ذلك قام وصلى وقال لأولاده : " سلموا على أبيكم وقولوا له : إنك وإن إختفيت منى وهربت من الأشياء التى بسببها تكون الغيرة والحزن والحسد , وإخترت لك العلو الفاضل الدائم إلى الأبد مع المسيح , فربنا يعطيك مثل قلبك , وإن كنت قد هربت من العظمة الفارغة الوقتية الفانية , فليس أنت فقط لا تشاء أن يكون لك هذا الأمر بل وانا ايضاً أمد يدى إلى العلى الأبدى إنى لا أغصب رئاستك ولا أكلفك على هذا الأمر , بل بمشيئة الرب إذا عدت ( من رحلتى ) ليتنى أكون مستحقاً أن أرى محبتك للإله .
ثم خرج من عندهم ومضى إلى الصعيد ومعه أساقفة كثيرة وجموع لا تحصى , ومن بعد ذهابه خرج أبونا باخوميوس من الموضع الذى كان مختفياً فيه , وفى الحال رجوع أنبا أثناسيوس فى المركب , وكان فى زهرة النيل ( يقصد ايام الفيضان ) أتى إيه أبونا با خوميوس لأخذ بركته لعلمه أنه ولى الرب وخادمه , ولا سيما بسبب ما بلغه عنه من الصبر على أصناف متعدده من الإضطهادات وما قاساه من التجارب التى كابدها لأجل نصرة الإنجيل والإيمان القويم ] (5)
المــــــــــــــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م ص 71
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) Epiph., Haer. 69, II. 69, 6.
(4) واضح من هذه العبارة أن أثناسيوس كان قد عاش فى صعيد مصر قبل رسامته كاهناً
(5) سيرة انبا باخوميوس ص 43 و 44 , والمعروف من التحقيق العلمى أن سيرة انبا باخوميوس هى وثيقة غاية فى الأهمية والدقة التاريخية بسبب تحقيق العالم كروجر Kruger, in Theol. lizg. 1890, p. 620.

الأريوسيين أيضاً ينظمون صفوفهم
إنهزم الفكر الهرطوقى الأريوسى فى مجمع نيقية ولكنهم لم يقتنعوا بهزيمتهم , وإنضم إليهم ميليتس المتروبوليت المصرى المنشق الذى لم يرضى بالحل الذى قرره مجمع الأساقفة بنيقية , وكان الأمبراطور فى ذلك الوقت هو قسطنطين الذى حاول أن يضع السلام فيما بينهم وبين الكنيسة لأن إنقسامهم فى الداخل تجعل أعداء الأمبراطورية تطمع فى الهجوم عليها , أى انه سياسياً ودينياً هذه الإنقسامات غير مقبولة , وحاول أن يفرض حلول عادلة ولكنهم كانوا يراوغون ويعاندون ويتحدون سلطته ويستخفون به , فإنقلب ضدهم جميعاً وقرر إتخاذ إجراءات مدنية رادعة ضدهم بواسطة القوة العسكرية التى لم تعرف أى رحمة مع المعارضين فنفاهم جميعاً , ولكنه للأسف ضعف فعاد فعفى عنهم الواحد تلو ألاخر (1) .



آريوس فى المنفى


نفى آريوس إلى منطقة إلليريكون ( وهى مناطق جبلية شمال اليونان - ألبانيا والبلقان ألان ) ويعتقد المؤرخين أن آريوس لم يمكث فى منفاة إلا سنة واحدة وأعفى عنه , ولكن من المرجح أن ظل منفياً هناك لمدة 5 أو 6 سنين حسب تحقيق المؤرخ جواتكن (3) , وبعد إطلاق سراحه من منفاة إستأنف نشاطة مرة ثانية , وقد استغل آريوس وجوده فى هذه المناطق الجبلية وأستطاع أن يعلم ويتلمذ أسقفين صارا عماد الفكر الأريوسى بعد ذلك على إمتداد نصف قرن من الزمان وهما : -
 الأسقف فالنس Valense of Mursa
 الأسقف أورساكيوس Urascius of Belgrade
كما نشطا فى هذه المدة بعينها إثنان من أكبر أعوان آريوس وهما : -
 ثيؤجينيس أسقف صور الذى أطلق من منفاة بعد سنة واحدة .
 سكوندس أسقف برقة بشمال أفريقيا
وكان أخطر أسقف أريوسى الذى كان يدبر المكائد والخدع هو :

 الأسقف يوسابيوس الذى كانوا يطلقون عليه ذئب نيقوميديا الذى أطلق سراحه أيضا من منفاة بعد سنة واحدة ليبدأ نشاطة وهوايتة فى تدبير المكائد والخدع على مستوى الإمبراطورية , والأسقف يوسابيوس لم يكن له مبدأ أو عقيدة لاهوتية محددة ولكنه كان يتظاهر مرة بأنه اريوسى وأخرى بانه تابع لميليتس , وجمع حوله كل العناصر والقوى المقاومة للإيمان الأرثوذكسى فى أنحاء الأمبراطورية , وتحكم فى أساقفة آسيا الصغرى ونواحى الشام , وكان المسرح الذى تتم فيه مكائده هو البلاط الإمبراطورى .
 هل كان يوسابيوس القيصرى مؤرخ تاريخ الكنيسة المشهور آريوسى ؟
ومن ضمن هؤلاء المجموعة الأريوسية التى نشطت على المستوى السياسى فقط وليس اللاهوتى يوسابيوس أسقف قيصرية مؤرخ تاريخ الكنيسة المشهور , فتحرك بحرية وسط الأريوسيين وتماشى معهم ومع الأمبراطور قسطنطين , وبالرغم من أنه فى كتاباته التاريخية كان من أشد المعجبين بكنيسة الأسكندرية والشعب المسيحى المصرى إلا أنه لم يخلوا فكره وكتاباته من ألأريوسية .
المليتينيون ينضمون مع الأريوسيين
المليتينيون هم طائفة من أتباع ميلتيوس الأسف المنشق , وهم شيعة متروبوليت ليكوبوليس , وجملة عددهم 35 أسقفاً ويتبعهم عدة مئات من الكهنة والرهبان (4) , إحتل المليتينيون مراكز فى انحاء القطر المصرى وظلوا محافظين فى البداية على تقليد إيمانهم الأرثوذكسى , ولكنهم بدأوا بعد فترة يرفضون طاعة الرئاسة الكنسية ويتحللون من التقليد الإيمانى , وقام يوسابيوس النيقوميدى بإغرائهم بوعود عديدة فإتحدوا مع الآريوسيين ضد البابا أثناسيوس فى معاهدة ذات مشتركة ومتبادلة , وظهر هذا الإتحاد بعد موت ميليتيوس وقيام " يوحنا أركاف " خلفه له كزعيم لهذه الفئة وهو أسقف غير قانونى رسمه ميليتيوس قبل أن يموت وعينه خلفاً له لرئاسة هذه الطائفة سنة 330 م ولأنه اسقفاً غير قانونى فقد كان أشد خصوم أثناسيوس عنفاً ودهاء , وقد ظل المليتينيوس كحزب منشق داخل الكنيسة المصرية قائماً بنشاطه حتى القرن الخامس (5)
وقد حزن وبكى عليهم كثيراً ابيفانيوس وهو المؤرخ الوحيد الذى أهتم بسرد تاريخ إنشقاقهم (6)
المؤامرة المحبوكة بين الآريوسيين والمليتنيين
وقد علق البابا أثناسيوس على وحدة المليتينييون مع الأريوسيين فقال : [ لقد قسموا المؤامرة بينهم , فالفريق الأول ( الأريوسيين) أعطوا لأنفسهم الحق فى تقديم الإتهامات ضدى , والفريق الآخر ( الميليتينيون) كان عليهم أن يجلسوا ويحكموا فى الموضوع ] (7) أى ان ألاريوسيين من خارج الكنيسة والمليتنيين من داخل الكنيسة .
الناحية السياسية
أولا ً : تردد الأمبراطور قسطنطيين
لم يكن الأمبراطور قسطنطين حازماً بصورة كافية ولم يكن متشدداً بالقدر المناسب فى معاقبة الخارجين عن مجمع نيقية الذى ظل يفتخر به طيلة حياته , ففى الثلاث سنين إلى خمس سنين التالية بعد مجمع نيقية تردد هو نفسه بين الإقتناع بالآريوسية تارة والأيمان المسيحى الحقيقى تارة أخرى , فبدأ فى العفو عن الأساقفة الأريوسيين بل ويسهل لهم إستعادة كراسيهم وسلطانهم بدون ضمانات بنبذهم للفكر الأريوسى , فقد سيطرت عليه فكرة وحدة الكنيسة , وبالتالى وحدة المبراطورية وسلامتها سياسياً , وكان من ضمن العوامل الشخصية هو بروز أسم البابا أثناسيوس وشخصيته على ساحة الأمبراطورية كشخصية عالمية مما أثار غيرته وهذا يذكرنا بقصة الكتاب المقدس التى تحكى قصة الملك شاول والفتى داود النبى .
ثانياً : قسطنطينا أخت الأمبراطور قسطنطين
وقسطنطينا هى أخت الأمبراطور قسطنطين وأصبحت أرملة بعد أن قتل قسطنطين زوجها الأمير ليسينيوس , وكان إشبينها الكاهن يوستاثيوس أريوسى فإستغل علاقته بها وأقنعها أن تطلب من أخيها الأمبراطور ان يفرج عن الأريوسيين ويعاملهم بلطف وقد نجحت بالفعل فى التأثير عليه تأثيراً جدياً لأنها كانت على فراش الموت سنة 328 م (8) وكان قسطنطين يحس بعقدة الذنب فنفذ طلبها .


اليهود
وكانت طائفة اليهود بمدينة الإسكندرية تنهز فرص كهذه لإضعاف المسيحيين حيث كانوا يكونون تنظيمأً قوياً داخليا مسلحاً بالمال والدهاء والجواسيس والخطط لأنهم يعتبرون أن المسيحية خرجت منهم , وكانت وحدتهم مع الأريوسيين تتركز على الإيمان المشترك الذى يجحد ألوهية السيد المسيح بالدرجة الأولى , وكان هدفهم المباشر هو أثناسيوس الذى تركزت عليه كل الخطط والمؤامرات (9)
ومما جعل حماس اليهود فى مشاركتهم للأريوسيين ضد البابا أثناسيوس يبلغ درجة العداء السافر والمواجهة , علمهم أن هذا يزيدهم تقرباً من الأمبراطور ومن السلطات الحاكمة المحلية (10)
الوثنيون

كان البابا أثناسيوس خصماً عنيداً للوثنية وكرس نفسه لهدمها وبدأ يعمد الألوف من الوثنيين من الذين آمنوا بالمسيحية , مما أثار غضبهم فزاد عدائهم ولكنه كان كامناً فى موضع الإحتياط يمكن أن تنضم لأيه حركة ضد البابا أثناسيوس , وقد كانوا يمثلون أغلبية فى الجيش وبين موظفى الدولى والفلاسفة , وطبقة المتعلمين والمثقفين والتجار وجزء كبير من الشعب والطبقة العاملة (11)
المــــــــــــــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م ص 71
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) Gwatkin, op. cit., 86.
(4) Apologia countra Ar. 71.
(5) Theodoret, EH. i. 9.
(6) Epiph. Haer. 68. 6.
(7) Apologia countra Ar.59. 71.
(8) Soc. I. 25.
(9) Epist, encyclica 4.
(10) Hist, Arian, 71.
(11) Gwatkin, op. cit., pp. 53 - 59 .

الكنيسة القبطية وبداية تبشير أثيوبيا / الحبشة

كيف بدأ العمل التبشيرى فى لأثيوبيا
لم تكن حياة الأنبا أثناسيوس الباباوية على وتيرة واحدة ولكن يمكن تقسيمها إلى فترات هدوء وإستقرار وبناء , وفترات عنف ونفى , وقد كانت أولى فترات جلوسة على كرسى مار مرقس الرسول هى فترة هدوء وأستقرار أستمرت حوالى 7 سنوات وشهر واحد وثلاثة أيام وهى الفترة من 8 يونيو سنة 328 م إلى 11 يوليو 335 م
ولم يصلنا من المؤرخين شيئاً يذكر من أعمال الأنبا اثناسيوس إلا أن أهم عمل قام به البابا أثناسيوس بالنسبة للتبشير فى أثيوبيا هو رسامته فرمنتيوس أسقفاً على كرسى أكسوم ( اثيوبيا / الحبشة ) وهذه كانت بداية تأسيس كنيسة رسمية على هذه الديار المباركة وهذا هو الخبر كما أوردة أبينا المتنيح الأب متى المسكين ص 69 - 70 (1) : [ كان البابا أثناسيوس يوما ما جالساً وسط الأساقفة فى مجمع ملتئم بالأسكندرية , عندما حضر شخص قال أنه قادم من بلاد أثيوبيا يتوسل ويريد أن يقابل القديس أثناسيوس فى أمر هام , وأبلغ الرسول أن اسمه فرمنتيوس , وسمح الأنبا اثناسيوس لمقابلته وقص عليه قصته فال : أننى وأخى إيديسيوس مسيحيان وعندما كنا شباب رافقنا قريب لنا أسمه ميروبيوس وهو رجل فيلسوف فى رحلة إلى بلاد أثيوبيا , وفى العودة رست السفينة التى كنا نقلها فى إحدى موانئ البحر البحر على حدود إثيوبيا داهمتنا وداهمتنا بعض القبائل المتوحشة , ونجيت أنا وأخى إيديسيوس بأعجوبة من القتل , وباعونا كعبيد للملك , فأحبنا الملك وأستأمنا على خدمته , وكلف أخى إيديسيوس بالعمل ساقيا له وكان ذا إيمان نقى ونفس طاهرة .
وبعد موت الملك كلفونى أنا فرمنتيوس حارساً ورائداً لأبنه , فإنتهزت الفرصة وبدأت أشيد مساكن للعبادة للزملاء المسيحيين من التجار المتغربين فى هذه البلاد , وبدأت أنشر التعاليم المسيحية بين المقربين إلى من الشعب الأثيوبى , وتأثرت الملكة بأخلاقنا وتعاليم المسيح فقبلت الإيمان المسيحى هى ةبعض أشراف المملكة , فلما أستولى إبن الملك على الحكم سنة 328 م أقالنى أنا وأخى من الخدمة فى البلاط الملكى بالرغم من إلحاح الملك وأمه له , وعدنا مرة أخرى إلى " العالم الرومانى "
وذهب إيديسيوس إلى صور حيث رسم قساً هناك , أما أنا فقد رأيت أنه ليس من اللائق أن أخفى عمل الرب هكذا ] ومن أجل هذا أسرعت متوجهاً إلى الإسكندرية وتوسلت إلى البابا أثناسيوس بتعيين أسقفاً لكى يقوم بخدمة الكنيسة فى هذه الديار التى أحبها وعشت فيها .
فكان جواب البابا أثناسيوس : [ ومن ذا يكون أصلح منك لهذه المهمة ؟ ] وبعد موافقة الأساقفة المجتمعين رسم فرمنتيوس أول أسقف سكندرى على أثيوبيا , وأنطلق الأسقف فرمنتيوس حاملاً بشارة السلام وبركة الإنجيل , وأسس كرسيه فى أكسوم وخدم هناك خدمة محبوبة , لأن أسم فرمنتيوس ظل محبوباً غى كل ديار اثيوبيا حتى هذا اليوم , وقد لقبوه " أبا سلامة " بصفته " أول من فجر نور المسيح الباهر فى أثيوبيا " وتعيد له الكنيسة فى 18 كيهك - 14 ديسمبر من كل عام (3)
متى دخلت المسيحية أثيوبيــــــا


كان يعتقد لعهد قريب أن بداية تأسيس الكرسى الأسقفى لأثيوبيا وإنتشار المسيحية كان فى بداية خدمة البابا أثناسيوس لأى حوالى سنة 330 الذى سام فرمنتيوس كأول أسقف على أثيوبيا بأسم " أبا سلامة الأول " , ولكن كان المؤرخ أرشيبالد ربرتسون Archibald Robertson له رأى آخر حيث بحث فى زمن هذه الرسامة وجعلها مرتبطة بقيام المبراطور قسطنطين وتعيين الأسقف الأريوسى الدخيل على الأسكندرية سنة 357 م وقد أستعان فى إثبات ذلك بروح ونص الخطاب الذى أرسله المبراطور قسطنطيوس إلى بلاد أثيوبيا / الحبشة " ضد فرمنتيوس أسقف أكسوم " حيث وجهه الإمبراطور إلى أمراء وحكام أكسوم عاصمة أثيوبيا كما يلى :


[ قسطنطينوس فيكتور مكسيموس أغسطس إلى إيزانس وسازاتس ... أرسلوا سريعاً الأسقف فرمنتيوس إلى مصر عائداً لمقابلة الأسقف جورج ( الأسقف الأريوسى الدخيل على كرسى الإسكندرية ) ... ليعين له مسئولياته .. لأن هذا الأسقف فرمنتيوس قدمه لهذه الرتبة أثناسيوس ( لم يعطه اللقب ) رجل متهم بعشرة ألاف جريمة .. وقد حرم من كرسيه ... وإن هو ( يقصد فرمنتيوس) تأخر من طاعة هذا الأمر فإنه سيكون بينه على أنه متواطئ مع أثناسيوس الشرير , وهكذا يسئ إلى عبادة الرب , مختاراً طريق أثناسيوس إليكم ويفسد شعبكم ,, ولكنى أثق أن فرمنتيوس سيعود إلى وطنه فى الحال ,, ليستلم النصائح من الكلى الوقار جورج (هكذا) .. وليحفظكم الرب دائماً أيها الأخوة جزيلى الإحترام ] (4)


وقد أستنتج المؤرخ أرشيبالد ربرتسون أن هذا الخطاب أرتبط زمنه بزمن وصول الأسقف الأريوسى جورج إلى الإسكندرية فى 24 فبراير سنة 357 م , وقد أتضح من الخطاب ايضاً أن فرمنتيوس إسكندرى المولد والجنسية من الجملة التى قيلت فيه " يعود إلى وطنه فى الحال "
تعليق من الموقع : الفرق بين التاريخ المتداول 330 م وتاريخ رسامة الأسقف الأريوسى جورج 357م هو 27 سنة وهى مدة طويلة ونحن نعرف أن الكنيسة فى اثيوبيا لم تنشأ بين يوم وليلة بل إحتاجت إلى سنين طويلة من جهد التبشير بين قبائل أثيوبيا ومناطقها بلغاتها وطبائعها المختلفة , وفيما يبدو من الخطاب أن أمر المسيحية فى أثيوبيا كان قد أنتشر إلا ان هذا الخطاب يعتبر وثيقة غاية الأهمية من جهة تأسيس الكنيسة الأثيوبية الشقيقة وعلاقتها الوثيقة بالإسكندرية والأرثوذكسية المستقيمة الرأى
المــــــــــــــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) Ruf., 1, 9; Socrat. 1- 19; Soz. II, 24,
(4) Apol, ad Constant. 31.

أثناسيوس يصبح البابا الـــ 20 للأقباط

أثناسيوس يصبح البابا الـــ 20 للأقباط
قبل سيامة أثناسيوس بابا الأسكندرية
كان من ضمن مقررات مجمع نيقية هو تكليف الكرسى الأسكندرى بدء الصوم الكبير وتحديد عيد القيامة بإعتبار المصريين أقدر أساقفة العالم فى ذلك الوقت من جهة الحسابات الفلكية , ثم بدء فى خطاب فصحى دورى إلى أساقفة العالم بتحديد مواعيد وأزمنة الصوم الكبير وعيد القيامة وبعد فترة حوالى 5 شهور من نهاية أخر جلسة فى مجمع نيقية تنيح البابا ألكسندروس فى 22 برمودة الموافق 17 أبريل أى فى الموسم الفصحى سنة 328 م .
[ وقد وصف المؤرخ روفينوس (3) البابا ألكسندروس بالقديس اللطيف الهادئ ولم تكن نياحته دون إشارة إلهامية من الروح القدس بخصوص من سيخلفه على الكرسى , من أجل هذه المهمة السماوية الخطوة التى بدأها الإله على يديه إلا وهى الدفاع عن الإيمان الصحيح والشهادة للاهوت المسيح .
فإلكسندروس وهو فى النزاع الأخير , وكل الإكليروس مجتمعون حولة يتباركون منه , بدأ ينادى بإلحاح : " أثناسيوس ... أثناسيوس " ولكن لأن اثناسيوس كان يخشى هذه اللحظة وما يمكن أن يكون وراءها من مسئولية , فهرب , فلما كرر البابا نداءه : " أثناسيوس ... أثناسيوس " رد عليه أحد الإكليروس من الواقفين وكان أسمه اثناسيوس أيضاً , فإستنكر البابا رد هذا المدعى , ثم أستمر ينادى أثناسيوس , ولكن عندما تحقق من عدم وجوده قال : " وهل تظن أن بهروبك يمكنك أن تفلت ؟ ... لا يمكن ]
الأساقفة المليتينين يقاومون رسم أثناسيوس بابا للأسكندرية
كان فى الكنيسة القبطية 35 أسقفاً من المليتينين ( تابعين للأسقف لمليتيوس وكانوا قد أنضموا للأريوسيين سراً ) وحدث أن أسقف منطقة مارمريكا كان من المليتينيين قطع من الشركة ( حرم من الكنيسة القبطية ) أسمه نيثوناس كان المليتنيين قد تجرأوا ورسموه اسقفاً , وكانوا يريدون تقديمه ليكون بابا للكنيسة القبطية ولكنهم لم يستطيعوا لإتحاد رأى الأساقفة الباقيين حول إختيار أثناسيوس ليكون البابا رقم 20 للكنيسة القبطية وكان عددهم يقترب من المائة ( 94 أسقفاً إختاروا اثناسيوس مقابل 35 من المليتينيين ) من الأسكندرية ومصر وليبيا (4) وربما النوبة , وكان إعتراضهم أن سن أثناسيوس فى ذلك الوقت كان قد قارب الثلاثين من عمره وهو اقل من السن القانونى بحسب التقليد الكنسى .
وقرر الأساقفة فى رسالة لهم لأخوانهم أساقفة العالم قالوا فيها : [ إنه قد أختير بأغلبيتنا العظمى على مرأى من جميع الشعب وبإستحساناته , ونحن الذين أقمناه نشهد بذلك كشهود عيان , وتعتبر شهادتنا أصدق من الذين لم يحضروا رسامته وجاءوا الآن لينشروا تقاريرهم المزيفة , وهوذا لا يزال يوسابيوس ( أسقف نيقوميديا عاصمة الأمبراطورية ) يجد أخطاء فى غختيار أثناسيوس أسقفاً , الذى هو نفسه ربما لا يتلقى أيه موافقة عند إختياره على الإطلاق , وحتى ولو قد حاز على موافقة فهو نفسه قد جعلها بلا قيمة ] (5)
وقال المؤرخ جيبون عن هذه الوثيقة الهامة فى تاريخ الكنيسة القبطية [ ولا يمكن أن يعقل أنهم يشهدون هكذا رسمياً لحادثة يمكن أن تكون مكذوبة ] (6)
وأشار القديس غريغوريوس النزينزى عن وجود حضور شعبى قوى فى إنتخاب البابا أثناسيوس فقال : [ إنه بأصوات الشعب كله وتشفعاته - وليس بالعنف وإراقة الدماء التى سادت بعد ذلك - بل إنما فى وقار رسولى وروحانى أقيم أثناسيوس على عرش مار مرقس ] (7)
مركز كنيسة الإسكندرية بين كنائس العالم فى ذلك الوقت
بلغ عدد أساقفة كنيسة الأسكندرية ( كرسى مار مرقس الرسولى فى ذلك الوقت ) 129 أسقفاً من مصر والخمس مدن الغربية وربما النوبة معها , وكانت الإسكندرية تعتبر المدينة الثانية ( بعد روما ) أو الثالثة بعد القسطنطينية فى الأهمية السياسية , ولكنها من الناحية الدينية فقد كانت مدينة الإسكندرية تعتبر أكثر تقدماً فى المعرفة الإنجيلية واللاهوتية ورائدة العالم من الناحية الروحية


ألقاب القديس أثناسيوس
تنقسم الألقاب التى أطلقت على القديس أثناسيوس إلى : -

ألقاب عالمية : وهى الألقاب التى أطلقها أساقفة غير محليين وغير تابعين له :
يقول ابينا متى المسكين (1) ص 67 : [ كانت كنيسة الأسكندرية " أم كنائس العالم " وبهذا يكون أسقفها هو عظيم الأساقفة بلا منازع , أو بحد تعبير القديس باسيليوس " أسقف الأساقفة " ] وقد قال القديس غريغوريوس النزيزى عن ألقديس أثناسيوس : [ لأت رأس كنيسة الأسكندرية هو رأس العالم .] (8) , أما القديس باسليوس الكبير فكان يعتبر القديس أثناسيوس أنه " أسقف الأساقفة " وقد أرسل إليه مستغيثاً ليتدخل فى مشكلة أنطاكية ويستميل إليه مناصرة الغرب , وخاطب أثناسيوس بقوله : [ إن حسم النزاع فى مشكلة كنيسة أنطاكية منوط بك وحدك بوصفك أسقف الأساقفة )
والموقع يفسر هذا القول : إن الكنيسة القبطية لا تتطلع إلى الرئاسة إنما قصد الجملة السابقة ان الغوص فى الكتاب المقدس جعل أثناسيوس فى المرتبة الأولى على العالم فى العلم الروحانى والمعرفة اللاهوتية لهذا أستحق أن يطلق عليه أسقف الأساقفة , ولكن لا يرث اساقفة باباوات الأقباط هذا اللقب لأنه لقب خاص بفرد استطاع الفوز فى السباق فإستحق التكريم بإطلاق هذا اللقب الذى كان يسبق ذكر أسمه .
ولا شك ان الكنيسة الجامعة العالمية أطلقت عليه أسم أثناسيوس الرسولى لأنه حافظ على الإيمان القويم .
ألقاب محلية : وهو لقب بابا ,هو لقب محلى وسرعان ما إستعاره أسقف الكاثوليك الذى يطلق عليه اليوم أسم بابا روما !!

لقب بابا : يقول ابينا متى المسكين (1) ص 68 : [ على أن اللقب الكنسى الذى كان يذكر به ( الأنبا أثناسيوس ) فى الكنيسة عامة كان لقب " بابا " أو " باباس " وأن أول من أطلق عليه هذا اللقب ÷و هيراكلاس البابا الــ 13 , وهو لقب روحى صرف يفيد معنى الأبوة العزيزة )
وكان لقب الأنبا أثناسيوس المحبوب لدى المصريين هو " أبونا " ولكن فى أعلى معنى للكلمة , كما ورد فى الحوار التالى وهو بين الدوق أرتيميوس المرسل من الأمبراطور للبحث عن الأنبا أثناسيوس والقبض عليه سنة 359 - 360 م وبين رهبان دير بافو الذى كان يقيم فيه القديس باخوم مع أولاده , فعندما وصل هذا الدوق إلى الدير سائلاً عن البابا أثناسيوس جاوبه الرهبان هكذا : [ وإن كان أثناسيوس هو أبونا بعد الرب إلا أننا لم نرى وجهه حتى الآن ]
لقب رئيس أساقفة ألأسكندرية : وفى حوالى سنة 359 - 360 م أرسل الأنبا أثناسيوس رسالة إلى كافة رهبان البرارى كان عنوانها هو : [ أثناسيوس رئيس أساقفة الإسكندرية ]
المـــــراجع

(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م ص 66 - 70
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) Ruf., Ec. Hist, 1, 1
(4)a. Epiphan., Haer. 68.
b. Gwatkin, op., p. 66.
c. Church. quarterly Rev., XVI. p. 393.
(5) Apologia contra Ar. 6.
(6) Gibbon, D. & F., ch. 21.
(7) Greg., Naz., Orat. 21, ch. 8.
(8) Dean stanley, op. cit., p. 231.


المنشق ميليتيوس والأريوسين ضد البابا أثناسيوس

المنشق ميليتيوس والأريوسين ضد البابا أثناسيوس
أنشق مليتيوس أسقف أسيوط عن الكنيسة القبطية ورسم أساقفة وكهنة وترك أبروشيته وأقام فى مدينة ألأسكندرية , وظهرت هذه الفئة كأنهم غيورين ومتمسكين بالأيمان المسيحى بسبب تمسكهم برفض عودة الكهنة والشعب الذين ضعفوا فى زمن الأضطهاد إلى الكنيسة وأنكروا الإيمان , ودام أنشقاق مليتيوس وأتباعه زماناً طويلاً , والمفروض أن تكون فئة الميليتيوس ضد الأريوسيين , ولكن لأن الأثنين فئات ضالة خرجت من الكنيسة فقد نسيا عداواتهما وأتفقا معا على أضطهاد الكنيسة , وعداء البابا أثناسيوس .



يوسابيوس أسقف نيقوميديا الأريوسى


زادت وطأة الميليتيين بعد رسامة أثناسيوس بابا وبطريرك الكنيسة القبطية سنة 328 م وأشتدت شوكتهم فى مصر فأوعز الأريوسيين لهم بأن ينتهزوا فرصة أعتلاء البابا أثناسيوس الكرسى السكندرى بأن يجعلوا الأمبراطور يأمره بأن يقبل آريوس فى شركته ويحله من الحرم فأتصلوا بــيوسابيوس أسقف نيقوميديا الذى كان أريوسياً , وكان فيما يعتقد له صلة قرابه بالأمبراطور قسطنطين (1) , فكتب يوسابيوس إلى أتباع مليتيوس أن يتهموا أثناسيوس فى سلوكه الشخصى حتى يحطموا سمعته الدينية محلياً أى فى مصر ويتهموه بأتهامات أخرى ليضعوا حائلاً بينه وبين الأمبراطور عالمياً , وبالفعل كان من بين الأتهامات أنه : يجبى ضريبة عامة من الكتان لأستخدام هذه الأموال فى كنيسته بعيداً عن أوامر الحكومة , وأتهموه بإتهامات أخرى سخيفة , فدفعت هذه الأتهامات البابا أثناسيوس أن يذهب إلى القيطنطينية ليبرئ ساحته ويثبت برائته من هذه التهم وعاد إلى الإسكندرية منتصراً حاملاً رسالة من ألأمبراطور يمدحه فيها : دعاه فيها الأمبراطور بــ " رجل الرب الإله " و " الأنسان المكرم جداً " (2)
المــــــــــــــــــــــــــــــراجع
(1) كتاب جقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند ألريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م ص 56
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى ص 76

الشماس أثناسيوس فى مجمع نيقية سنة 325

القديس اثناسيوس في مجمع نيقية
أختبر القديس أثناسيوس السيد المسيح الفادى فى حياته وعاش منفذاً أقواله وذهب إلى مجمع نيقية يدافع (1) عن حبيبه المسيح الذى يعرف حقيقته فملك الحق لا فى عقلة ولا فى لسانه فحسب , ولكن فى كل نبضة فى قلبه لأن العامل فيه كان السيد المسيح نفسه , لم يذهب أثناسيوس إلى مجمع نيقية المسكونى العالمى كأسقف , ولكنه ذهب شماساً مرافقاً لأسقفه وأبلى بلاءاً حسناً كما شهد وقال القديس غريغوريوس النزينزى ولقبه بأنه : " أعظم المرافقين للأساقفة " (3) وجاهد ضد الهرطقة الأريوسية " مجاهداً أقصى ما يكون من الجهد لحصر هذه الكارثة وضغطها فى أقل حيز ممكن " (4)



أما عن شكل هذا القديس الشجاع فيصفه غريغوريوس أيضا ً : له وجه كلائكى , وجسم نحيف الذى أصبح مرعباً لدى كل الخارجين عن الحق , وجبهته العريضة وعينية اليقظتين , يراقب حركات الأريوسيين بنباهة وذكاء وحذر فائق , ليقطع عنهم كل طرق اللف والدوران والخداع والمؤامرة فقال : [ وعندما قال الأساقفة ( الأرثوذكس ) إن " الكلمة " يتحتم أن يوصف " بالقوة الحقيقية " و " صورة ألآب فى كل شئ مثله بلا تغيير " , " دائم " , " موجود فيه بلا إنقسام " ولم يكن الكلمة قط غير موجود بل دائم الوجود " , " أزلى مع الآب كشعاع النور للنور " .. , وإذا يوساب ( الذئب النيقوميدى ) وجماعته وأتباعه عندما لم يجدوا مفراً من الإحتمال ( لهذه الأقوال ) إذ لم يكن لديهم الجرأة على الإعتراض لأنهم صاروا فى خذى بسبب الإحتجاج الذى صار ضدهم , أخذوا يتهامسون الواحد مع الآخر ويغمزون بعيونهم ] (5)
صيغة " وأنه واحد مع الآب فى الجوهــر"
وعندما أدرك القديس أثناسيوس أن المجتمعين فى نيقية أمكنهم قبول كل الأوصاف السابقة إذ بحثوها ووجدوا أن الأسفار الإلهية قد أستخدمتها فى وصف الإنسان العادى بالرب فى أماكن كثيرة فى الكتاب المقدس , فما كان من الأساقفة الأرثوذكسيين ( بتوجيه من أثناسيوس ) إلا أنهم أعادوا صيغة مرة اخرى وأضافوا إليها صفة كلمة جديدة فى وصف الكلمة " كانت معروفة سابقاً (6) وكانت إضافة هذه الصيغة ضربة قاصمة للأريوسيين وأوقعتهم فى الفخ الذى نصبوة , أما هذه الصيغة فكانت " وأنه واحد مع الآب فى الجوهر" (7)
العودة للإنجيل
وكان لا بد للقديس أثناسيوس للعودة للنصوص الأنجيلية وجعلها الحكم والفيصل فى المناقشات والمجادلات التى دارت فى مجمع نيقية , فكان يورد النصوص الإنجيلية فى وصف لاهوت الكلمة ولا يحيد عنها وأستطاع أن يضفى هذا الطابع بأكمله على كل المجتمعين فى مجمع نيقية حتى الخصوم من الأريوسيين أيضاً ألزمهم بقبول هذه القاعدة , وذلك إيماناً بنظرية هامه وهى أنه : لا يوجد فى لغة البشر خارج عن كلمات الوحى الإلهى فى الأنجيل تستطيع أن تعبر عن لاهوت المسيح تعبيراً كافياً يكون خالياً من الأعتراض عليه .
ومع ذلك أضطر الاباء المجتمعين فى نيقية إذاء مكر وخداع الأريوسيين ولوي معانى الآيات الإنجيلية إلى تحديد تعبير لاهوتى جديد لمنعهم من أستخدام حتى الايات الإنجيلية وتحوير معناها فى الإخلال بلاهوت الإبن :
[ والمجلس ( والإشارة هنا خفية لأثناسيوس نفسه ) وهو برغبة فى الإطاحة بأسلوب الأريوسيين فى أستخدامهم الجمل الكفرية , أتخذ عوضاً عن العبارات العادية , نفس كلمات الأسفار المقدسة مؤكداً أن " الأبن مع الآب " وليس من لا شئ ( كما يقولون ) وهو " الكلمة " و " الحكمة " وليس خليقة ولا عملاً وإنما أبن حقيقى للآب .
ولكن يوسابيوس ( أعتنق هرطقة أريوس ) مع أتباعه وهم مساقون مع عنادهم غير المستقيم , أعتبروا أن صفة الأبن " من الرب " هى له كما هى لنا أيضاً ( لأننا من الرب ) , وكأن " كلمة اللإله " لا يختلف شيئاً عنا , كالمكتوب : " يوجد إله واحد الذى منه كل شئ " فإنتبه الاباء لهم وأدركوا خبثهم ودهائهم فى تذكية كفرهم وأضطروا أن يشرحوا بوضوح أكثر معنى القول : إن الكلمة هو " من الإله " فكتبوا " من جوهر الرب ---------" وهذا حتى لا يستطيعوا أن يستخدموا كلمة " من الرب " إستخداماً مشتركاً بين " الإبن " وبين الأشياء المخلوقة ] (8)
وإصطلاح Homoousion كان قد أستخدم سابقاً لكى يعبر عن الإيمان الصحيح بالمسيح كونة " إبن اإله الحقيقى " إختير فى مجمع نيقية ليكون محكاً دقيقاً لمدى إلتزام الأريوسيين بالآيات التى توضح لاهوت المسيح
وكان الفرق بين أثناسيوس وخصومه الأريوسيين فى مجمع نيقية أن خصومه كانوا مماحكين يستخدمون الآيات التى تفيد أكثر من معنى أو التى قيلت فى زمان ومكان تقتضى قولها , أما أثناسيوس فقد أستخدم الآيات ذات المعنى الواحد والتى لا يستطيع أحد الإلتفاف حولها فكل عبارات اثناسيوس اللاهوتية , وبالأخص Homoousion أى " مساو للآب فى الجوهر " تتعدى الوضع النظرى أو التحديد القانونى لتعبر عن حقيقة يراها أثناسيوس ويوقن بها ويجاهد حتى يراها معه الكل أيضاً ويوقنون بها .
وإيمان أثناسيوس بلاهوت المسيح وحبه وغيرته الملتهبة التى لا يفتر حماسها له , قد ملك عليه فكره ووجدانه وكرس له حياته غير عابئاً بملوك ذاك الزمان ولا باباطرتهم ولا حتى بالأساقفة الأريوسيين , وكان أساقفة مصر ينتظرون رسائلة التى تشرح لهم أحداث مجمع نيقية فقال فى أحداها : [ إنى أهيب بكم أنتم الذين وضع تحت أيديكم إعتراف قد تحدد فى نيقية بعد أن دافع الآباء بغيرة عظيمة وثقة فى الرب ] (9)

العودة المنتصرة من نيقية ومتاعب تلوح فى الأفق
ما أحلى حياة النصرة مع المسيح ففى ذهاب أثناسيوس إلى نيقية لم يكن يعرف إلا المسيح المنتصر القائم من بين الأموات بقوة لاهوته وأن يسوع المسيح هو أبن الإله المتجسد بكل معنى الكلمة الإلهية وقوتها ..
وفى عودته حمل معه قرارات مجمع نيقية والتى كان منها أقوى تعبير عن لاهوت المسيح من الإصطلاح اليونانى ------------ أى أن " المسيح مساو للآب فى الجوهر " الذى أعتبره أثناسيوس هو الإصطلاح المركز والمختصر الذى يضع المسيحيين فى حالة إلتزام بعبادة لاهوت الكلمة عن إستحقاق كلى وبكل تقوى ووقار .
وكان أثناسيوس فيما يبدوا يرى انه أى معاناه كابدها فى سبيل إرساء قواعد الإيمان الأرثوذكسى جزء لا يتجزأ من العبادة الأمينة الصادقة والحقيقية وهى فى نفس الوقت محبة للمصلوب الذى قام من بين الأموات , وبعد فرحة الأنتضار لم يلبث أن توفى البابا الكسندروس الـ 19 بعد خمسة شهور من ختام جلسات مجمع نيقية ( 22 برمودة - 17 ابريل سنة 328م ), وبدأ أثناسيوس مرحلة أخرى من الجهاد العنيف الممزوج بالأضطهاد والعذاب والألم ضد الهرطقة الأريوسية .
خطة الأريوسيين لتقوية جبهتهم بضم الميليتينين
[ وكان بطرس بيننا قبل الأضطهاد , وفى أثناء الإضطهاد أستشهد , أما ميليتس الذى كان يحمل لقب " أسقف ليكوبوليس " فقد ثبتت عليه جرائم كثيرة ومن ضمنها تقديم ذبائح للأوثان فى زمن الإضطهاد الذى وقع سنة 303 م فأسقطة بطرس عن كرسيه فى مجمع عام .. ذلك الحين , فبدأ يناوئ الأساقفة , ويلقى عليهم الإتهامات الكاذبة وضد بطرس نفسه وضد خليفته أرخيلاوس , وبعد أرخيلاوس ألكسندر ... وبينما ميليتس ( يعمل لحساب الشيطان ) قامت هرطقة أريوس بالأضافة , ولكن بينما فى مجمع نيقية وقعت حروم على البدعة الأريوسية , وأسقط الأريوسيين عن كراسيهم , نجد الميليتيين يعودون ويدخلون ( الكنيسة) مرة أخرى , لست اعلم على أى أساس ولا داعى ألان لذكر السبب - ( أثناسيوس هنا يهاجم بصورة خفية قرار مجمع نيقية بذلك وقبول الكسندروس المليتيين)
وحدث تحول كبير نياحة البابا ألكسندروس , فإنه بالرغم من قبوله الميليتيين ( هم أتباع ميليتس السقف الذى بخر للأوثان ) أتباع فى الكنيسة , وكان ينتظر من الميليتون أن ينضموا بهدوء للكنيسة المصرية ويكونوا شاكرين لقبولهم ضمن المؤمنين المسيحيين , إلا أنهم لم ينتظموا فى العبادة وتحولوا إلى كلاب شرسة التى حنت إلى قيئها فبدأوا يقلقون الكنيسة .
وأما يوسابيوس ( أسقف نيقوديمية وصديق قسطنطنيين ) والذى كان يرأس العراطقة الأريوسيين ويقودهم فقد علم بموت البابا القبطى الكسندروس وتمرد المليتينيين بعد موته فأرسل إليهم وأشتراهم بوعود كثيرة وكبيرة فصاروا أصدقاءه السريين يأتمرون بأمره وينفذون خططه .
[ ولكن يوسابيوس أرسل فى البداية إلى انا ( أثناسيوس ) شخصياً يحضنى على قبول أريوس وأتباعه فى الشركة وهددنى شفهياً مع رسوله , أما فى خطاباته فكان يتوسل !!!
فلما رفضت معلناً أنه ليس من الحق أن الذين أبتدعوا هرطقة ضد الحق ووقعت عليهم حروم من مجمع مسكونى أن يصرح لهم بدخول الشركة , إستعدى على الإمبراطور قسطنطين المطوب الذكر الذى كتب إلى مهدداً أنه فى حالة عدم قبول آريوس وأتباعه سينزل على المحن التى سبق أن غايتها والتى الآن أعانى منها !!! ] (10)
المـــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م ص 60 - 64
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) Greg. Naz., Orat. 21.
(4) Ibid.
(5) De Decr. 20.
(6) راجع شرح طوموؤوسيوس فى الجزء الثانى من كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م
(7) De Decr. 20.and ad Afr. 5.
(8) Dr Decr. 19.
(9) Ad Epyscopos Aegypti 21; NPNF, 2nd series, vol. IV, p. 234
(10) Apol. Contr. Arian, 59.

الأحد، يونيو 06، 2010

الأنبا غريغوريوس والبابا أثناسيوس

الأنبا غريغوريوس والبابا أثناسيوس

جريدة وطنى بعنوان 20/5/2007م السنة العدد 2369 عن مقالة بعنوان " أثناسيوس‏ ‏الحارس‏ ‏الأمين‏ ‏للإيمان " للمتنيح‏ ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس
ما‏ ‏أحلي‏ ‏وما‏ ‏أجمل‏ ‏أخبار‏ ‏القديسين‏,‏وكما‏ ‏يقول‏ ‏بعض‏ ‏الآباء‏ ‏القديسين إن‏ ‏من‏ ‏يكرم‏ ‏أثناسيوس‏ ‏فقد‏ ‏أكرم‏ ‏الفضيلة‏ ‏نفسها وهذه‏ ‏نظرة‏ ‏كنيستنا‏ ‏واحترامها‏ ‏وإكرامها‏ ‏للقديسين‏,‏فإننا‏ ‏لانعبد‏ ‏أشخاص‏ ‏وإنما‏ ‏نعبد‏ ‏الله‏ ‏وحده‏,‏وإنما‏ ‏نكرم‏ ‏الفضيلة‏ ‏في‏ ‏القديسين‏ ‏إحياء‏ ‏لذكرهم‏,‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏مخلصنا‏ ‏الذي‏ ‏قال‏ ‏عن‏ ‏المرأة‏ ‏التي‏ ‏دهنت‏ ‏رأسه‏ ‏بالطيب‏ ‏مريم‏ ‏أخت‏ ‏لعازرحيثما‏ ‏يكرز‏ ‏بالإنجيل‏ ‏في‏ ‏الخليقة‏ ‏كلها‏ ‏يخبر‏ ‏أيضا‏ ‏بما‏ ‏فعلته‏ ‏هذه‏ ‏المرأة‏ ‏إحياء‏ ‏لذكرهامت‏26:13.‏فنحن‏ ‏باحتفالنا‏ ‏بالقديسين‏ ‏نتمم‏ ‏أمر‏ ‏مخلصنا‏ ‏الذي‏ ‏أمر‏ ‏بأن‏ ‏يخبر‏ ‏بأفعالهم‏,‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏تلاحظونه‏ ‏حينما‏ ‏يتلو‏ ‏الكاهن‏ ‏أسماء‏ ‏مجمع‏ ‏القديسين‏,‏فإنه‏ ‏يقوللأن‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏مخلصنا‏ ‏أن‏ ‏نذكر‏ ‏القديسينبناء‏ ‏علي‏ ‏هذا‏ ‏الأمر‏ ‏الذي‏ ‏ذكره‏ ‏سيدنا‏ ‏في‏ ‏مناسبة‏ ‏المرأة‏ ‏التي‏ ‏دهنت‏ ‏رأسه‏ ‏بالطيب‏,‏ثم‏ ‏أن‏ ‏في‏ ‏إحياء‏ ‏ذكر‏ ‏القديسين‏ ‏إحياء‏ ‏للفضيلة‏ ‏نفسها‏.‏فالناس‏ ‏لايفهمون‏ ‏الدين‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏الأشخاص‏ ‏وإنما‏ ‏المباديء‏ ‏الدينية‏ ‏تتمثل‏ ‏في‏ ‏أشخاص‏ ‏يدركونها‏ ‏في‏ ‏حياتهم‏.‏



فالقديس‏ ‏أثناسيوس‏ ‏من‏ ‏أروع‏ ‏الأمثلة‏ ‏التي‏ ‏شاعت‏ ‏في‏ ‏التاريخ‏ ‏المسيحي‏,‏والتي‏ ‏برز‏ ‏فيها‏ ‏فضائل‏ ‏كثيرة‏ ‏أهمها‏ ‏قداسته‏,‏والقداسة‏ ‏في‏ ‏مفهومنا‏ ‏الأرثوذكسي‏ ‏هي‏ ‏قداسة‏ ‏في‏ ‏الإيمان‏ ‏وقداسة‏ ‏في‏ ‏السيرة‏.‏وقداسة‏ ‏الإيمان‏ ‏سلامة‏ ‏العقيدة‏ ‏وخلوها‏ ‏من‏ ‏الخطأ‏ ‏واستمساك‏ ‏الإنسان‏ ‏بالحقائق‏ ‏الإيمانية‏.‏


ودفاعه‏ ‏عنها‏ ‏وتمسكه‏ ‏بها‏ ‏لمحافظته‏ ‏عليها‏ ‏كوديعة‏,‏يخدمها‏ ‏لأنه‏ ‏انعقدت‏ ‏عليها‏ ‏نفسه‏,‏لايفرط‏ ‏فيها‏ ‏لأنه‏ ‏وكيل‏ ‏مؤتمن‏ ‏علي‏ ‏وديعة‏,‏ياتيموثيئوس احفظ‏ ‏الوديعة‏ ‏بالروح‏ ‏القدس‏ ‏الساكن‏ ‏فيك‏2‏تيمو‏1:14.‏فوديعة‏ ‏الإيمان‏ ‏هذه‏ ‏ليست‏ ‏لنا‏,‏لا‏ ‏نتساهل‏ ‏فيها‏ ‏ولانتسامح‏,‏التسامح‏ ‏في‏ ‏الحق‏ ‏الخاص‏,‏أما‏ ‏التسامح‏ ‏في‏ ‏الإيمان‏ ‏فخيانة‏ ‏وعدم‏ ‏أمانة‏ ‏وتفريط‏ ‏وإهمال‏ ‏في‏ ‏المقدسات‏.‏وذلك‏ ‏له‏ ‏دينونة‏ ‏مخيفة‏ ‏ورهيبة‏ ‏ومرعبة‏.‏خصوصا‏ ‏بالنسبة‏ ‏للوكلاء‏.‏من‏ ‏هو‏ ‏الوكيل‏ ‏الأمين‏ ‏الحكيم‏ ‏الذي‏ ‏يقيمه‏ ‏سيده‏ ‏علي‏ ‏عبيده؟هي‏ ‏وكالة‏,‏رجل‏ ‏الدين‏ ‏ليس‏ ‏صاحب‏ ‏الوكالة‏,‏رجل‏ ‏الدين‏ ‏وكيلا‏ ‏علي‏ ‏أمانة‏ ‏ليس‏ ‏من‏ ‏حقه‏ ‏أن‏ ‏يفرط‏ ‏فيها‏ ‏ولايتنازل‏ ‏عن‏ ‏شيء‏ ‏منها‏,‏هذا‏ ‏تساهلا‏ ‏علي‏ ‏حساب‏ ‏الله‏ ‏وعلي‏ ‏حساب‏ ‏الإيمان‏.‏هكذا‏ ‏كان‏ ‏الآباء‏ ‏العظماء‏ ‏يفهمون‏ ‏رسالتهم‏ ‏أنها‏ ‏رسالة‏ ‏الوكيل‏ ‏الأمين‏.‏ولذلك‏ ‏حينما‏ ‏يسأل‏ ‏في‏ ‏اليوم‏ ‏الأخيرأعطي‏ ‏حساب‏ ‏وكالتكيكون‏ ‏حسابه‏ ‏دقيقا‏ ‏وحسابه‏ ‏عسيرا‏ ‏لأنه‏ ‏وكيل‏ ‏مؤتمن‏.‏فإذا‏ ‏برزت‏ ‏أمانته‏ ‏سمع‏ ‏التعبير‏ ‏الجميل‏ ‏والمديح‏ ‏الثمين‏ ‏والشهادة‏ ‏التي‏ ‏هي‏ ‏أعظم‏ ‏شهادة‏,‏لأنها‏ ‏شهادة‏ ‏الله كنت‏ ‏أمينا‏ ‏في‏ ‏القليل‏ ‏أقيمك‏ ‏علي‏ ‏الكثيرمت‏25:23‏أحسنت‏ ‏أيها‏ ‏العبد‏ ‏الصالح‏ ‏والأمين‏,‏صالح‏ ‏لأنه‏ ‏أثبت‏ ‏صلاحيته‏ ‏لمهمته‏,‏هنا‏ ‏الصلاح‏ ‏بهذا‏ ‏المعني‏, ‏صالح‏ ‏لأنه‏ ‏أثبت‏ ‏صلاحيته‏ ‏بالمهمة‏ ‏التي‏ ‏أوكلت‏ ‏إليه‏,‏صالح‏ ‏وأمين‏.‏والأمانة‏ ‏ضد‏ ‏الخيانة‏,‏صالح‏ ‏وأمين‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏المدح‏ ‏الذي‏ ‏تلقاه‏ ‏ذلك‏ ‏العبدأيها‏ ‏العبد‏ ‏الصالح‏ ‏والأمين‏ ‏كنت‏ ‏أمينا‏ ‏في‏ ‏القليل‏ ‏أقيمك‏ ‏علي‏ ‏الكثير‏,‏فالأمانة‏ ‏مطلوبة‏ ‏منا‏ ‏جميعا‏.‏وفي‏ ‏سفر‏ ‏الرؤيا‏ ‏يقول‏ ‏المسيح‏ ‏له‏ ‏المجد‏ ‏كن‏ ‏أمينا‏ ‏حتي‏ ‏الممات‏ ‏فأعطيك‏ ‏إكليل‏ ‏الحياةرؤ‏2:10‏هذه‏ ‏هي‏ ‏الأمانة‏ ‏المطلوبة‏ ‏من‏ ‏العبد‏ ‏خادم‏ ‏سيده‏,‏لأن‏ ‏رجل‏ ‏الله‏ ‏الحق‏ ‏خادم‏ ‏لسيده‏.‏رجل‏ ‏الدين‏ ‏خادم‏ ‏الله‏ ‏أولا‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏خادم‏ ‏الشعب‏,‏رجل‏ ‏الدين‏ ‏إذا‏ ‏تحول‏ ‏إلي‏ ‏خادم‏ ‏للشعب‏ ‏فقد‏ ‏تحول‏ ‏من‏ ‏طرف‏ ‏خفي‏ ‏إلي‏ ‏زعيم‏,‏وليس‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏المفهوم‏ ‏الأصيل‏ ‏لمهمة‏ ‏رجل‏ ‏الدين‏,‏إن‏ ‏رجل‏ ‏الدين‏ ‏يفهم‏ ‏رسالته‏ ‏يعرف‏ ‏أنه‏ ‏خادم‏ ‏لسيده‏,‏حيث‏ ‏يكون‏ ‏سيده‏ ‏يكون‏ ‏هو‏,‏حتي‏ ‏لو‏ ‏جاء‏ ‏وقت‏ ‏كان‏ ‏فيه‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏ضد‏ ‏الشعب‏,‏إذا‏ ‏كان‏ ‏الشعب‏ ‏ضد‏ ‏الله‏,‏فرجل‏ ‏الدين‏ ‏يكون‏ ‏في‏ ‏جهة‏ ‏الله‏,‏فرجل‏ ‏الدين‏ ‏هو‏ ‏خادم‏ ‏للشعب‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏خدمته‏ ‏لله‏,‏لكن‏ ‏هو‏ ‏خادم‏ ‏الله‏ ‏أولا‏,‏لأنه‏ ‏قد‏ ‏تأتي‏ ‏مواقف‏ ‏فيها‏ ‏يقف‏ ‏رجل‏ ‏الله‏ ‏ضد‏ ‏الشعب‏,‏فإذا‏ ‏كان‏ ‏الشعب‏ ‏واقفا‏ ‏ضد‏ ‏السيد‏ ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏يقف‏ ‏أثناسيوس‏ ‏ضده‏,‏هذا‏ ‏هو‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الرجل‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏خادما‏ ‏لسيده‏ ‏ولم‏ ‏يعرف‏ ‏سيدا‏ ‏آخر‏,‏لأنه‏ ‏سمع‏ ‏كلمة‏ ‏المسيح‏ ‏إلي‏ ‏تلاميذهأن‏ ‏سيدكم‏ ‏واحد‏ ‏هو‏ ‏المسيح‏.‏ليس‏ ‏له‏ ‏سيد‏ ‏آخر‏,‏لا‏ ‏يأخذ‏ ‏أمره‏ ‏من‏ ‏إنسان‏ ‏آخر‏,‏إنه‏ ‏يأخذه‏ ‏من‏ ‏سيده‏,‏وليس‏ ‏له‏ ‏سادة‏ ‏كثيرين‏ ‏هو‏ ‏سيد‏ ‏واحد‏,‏ويكون‏ ‏هو‏ ‏حيث‏ ‏يكون‏ ‏سيده‏,‏في‏ ‏الجانب‏ ‏الذي‏ ‏يكون‏ ‏فيه‏ ‏سيده‏ ‏لأنه‏ ‏خادم‏ ‏وجاءت‏ ‏المواقف‏ ‏التي‏ ‏فيها‏ ‏تعرض‏ ‏أثناسيوس‏ ‏لهذه‏ ‏التجربة‏ ‏الإلهية‏.‏


كان‏ ‏في‏ ‏القرن‏ ‏الرابع‏ ‏من‏ ‏الميلاد‏,‏وفي‏ ‏القرن‏ ‏الرابع‏ ‏من‏ ‏الميلاد‏ ‏كانت‏ ‏لاتزال‏ ‏الغالبية‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏غالبية‏ ‏وثنية‏,‏ومعني‏ ‏أنها‏ ‏غالبية‏ ‏وثنية‏ ‏أنها‏ ‏لاتقر‏ ‏الاتجاه‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏يدافع‏ ‏عنه‏ ‏أثناسيوس‏,‏كان‏ ‏أثناسيوس‏ ‏يدافع‏ ‏عن‏ ‏أزلية‏ ‏المسيح‏ ‏وأن‏ ‏المسيح‏ ‏قائم‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏لاهوته‏ ‏مع‏ ‏الآب‏ ‏والروح‏ ‏القدس‏ ‏في‏ ‏جوهر‏ ‏إلهي‏ ‏واحد‏ ‏منذ‏ ‏الأزل‏ ‏وإلي‏ ‏الأبد‏,‏المسيح‏ ‏موجود‏ ‏قبل‏ ‏التجسد‏,‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يولد‏ ‏من‏ ‏مريم‏,‏قبل‏ ‏جميع‏ ‏الأجيال‏ ‏والدهور‏,‏منذ‏ ‏الأزل‏.‏في‏ ‏البدء‏ ‏كان‏ ‏الكلمة‏ ‏والكلمة‏ ‏كان‏ ‏عند‏ ‏الله‏ ‏وكان‏ ‏الكلمة‏ ‏الله‏.‏العالم‏ ‏به‏ ‏كون‏,‏هو‏ ‏الذي‏ ‏كون‏ ‏العالم‏,‏فيه‏ ‏رسالة‏ ‏الحياة‏,‏هو‏ ‏رب‏ ‏الحياة‏ ‏ورئيس‏ ‏الحياة‏ ‏ومبدء‏ ‏الحياة‏ ‏وباعث‏ ‏الحياة‏.‏قال‏ ‏عنه‏ ‏يوحناكان‏ ‏قبلي‏ ‏وصار‏ ‏قدامي‏ ‏يو‏1:15‏كان‏ ‏قبلي‏ ‏لأنه‏ ‏كان‏ ‏قائم‏ ‏منذ‏ ‏الأزل‏.‏ولما‏ ‏قال‏ ‏المسيح‏ ‏لليهودأبوكم‏ ‏إبراهيم‏ ‏اشتهي‏ ‏متهللا‏ ‏أن‏ ‏يري‏ ‏يومي‏ ‏فرأي‏ ‏وفرحيو‏8:56,‏قالوا‏ ‏له‏ ‏أنت‏ ‏لم‏ ‏تصل‏ ‏بعد‏ ‏خمسين‏ ‏سنة‏ ‏كيف‏ ‏رآك‏ ‏إبراهيم‏,‏قال‏ ‏لهم‏:‏الحق‏ ‏الحق‏ ‏أقول‏ ‏لكم‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏إبراهيم‏ ‏أنا‏ ‏كائنيو‏8:58,‏وهنا‏ ‏كلمة‏ ‏كائن‏ ‏بها‏ ‏رنينالكائن‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏الدائم‏ ‏إلي‏ ‏الأبدكما‏ ‏في‏ ‏سفر‏ ‏الرؤيا‏.‏أنا‏ ‏الكائن‏ ‏والذي‏ ‏كان‏ ‏منذ‏ ‏الأزل‏ ‏والدائم‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏,‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏معني‏ ‏كلمة‏ ‏يهوه‏,‏يهوه‏ ‏بالعبرانية‏ ‏هو‏ ‏الاسم‏ ‏الخاص‏ ‏لله‏ ‏معناه‏ ‏الدائم‏.‏يهوه‏ ‏من‏ ‏فعل‏ ‏الكينونة‏ ‏أهيه‏ ‏بمعني‏ ‏الذي‏ ‏يكون‏ ‏دائما‏,‏الذي‏ ‏هو‏ ‏دائما‏ ‏كائن‏,‏دائما‏ ‏في‏ ‏الزمن‏ ‏الماضي‏ ‏وفي‏ ‏الحاضر‏ ‏وفي‏ ‏المستقبل‏,‏هو‏ ‏دائم‏,‏هو‏ ‏كائن‏ ‏ديمومة‏ ‏دائمة‏ ‏ومعناه‏ ‏حرفياالدائمالله‏ ‏وحده‏ ‏الدائم‏,‏والمسيح‏ ‏نسب‏ ‏إلي‏ ‏نفسه‏ ‏الكائن‏ ‏دائما‏:‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏إبراهيم‏ ‏أنا‏ ‏كائنأنا‏ ‏القيامة‏ ‏وأنا‏ ‏الحياةيو‏11:25‏من‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏يجرؤ‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏علي‏ ‏نفسه‏ ‏إنه‏ ‏القيامة‏ ‏وأنه‏ ‏الحياة‏.‏هل‏ ‏يجرؤ‏ ‏نبي‏ ‏ويقول‏ ‏أنا‏ ‏الحياة‏,‏هل‏ ‏يجرؤ‏ ‏أحد‏ ‏من‏ ‏البشر‏ ‏أو‏ ‏من‏ ‏الملائكة‏,‏أي‏ ‏كائن‏ ‏من‏ ‏كان‏ ‏يجرؤ‏ ‏أن‏ ‏ينسب‏ ‏إلي‏ ‏نفسه‏ ‏أنه‏ ‏هو‏ ‏الحياة‏ ‏إلا‏ ‏المسيح‏.‏


ولما‏ ‏سألته‏ ‏المرأة‏ ‏السامرية‏ ‏وقالت‏ ‏له‏ ‏كيف‏ ‏تطلب‏ ‏مني‏ ‏لتشرب؟قال‏ ‏لهايا‏ ‏امرأة‏ ‏لو‏ ‏علمتي‏ ‏عطية‏ ‏الله‏ ‏ومن‏ ‏هذا‏ ‏الذي‏ ‏يقول‏ ‏لك‏ ‏أعطيني‏ ‏لأشرب‏ ‏لطلبتي‏ ‏منه‏ ‏أنت‏ ‏فأعطاك‏ ‏ماء‏ ‏الحياةيو‏4:10‏ماء‏ ‏ينبع‏ ‏إلي‏ ‏حياة‏ ‏أبدية‏,‏من‏ ‏هذا‏ ‏الذي‏ ‏يملك‏ ‏الحياة‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏ ‏وأن‏ ‏يعطي‏ ‏حياة‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏,‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏هو‏ ‏ذاته‏ ‏الحياة‏ ‏وهو‏ ‏ذاته‏ ‏الأبد‏.‏ومن‏ ‏هذا‏ ‏الذي‏ ‏يجرؤ‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏ليوحنا‏ ‏في‏ ‏سفر‏ ‏الرؤياأنا‏ ‏هو‏ ‏الألف‏ ‏والياء‏,‏أنا‏ ‏البداءة‏ ‏وأنا‏ ‏النهاية‏,‏أنا‏ ‏الأول‏ ‏وأنا‏ ‏الآخررؤ‏1:17‏هذه‏ ‏بعينها‏ ‏الكلمات‏ ‏التي‏ ‏رددها‏ ‏الرب‏ ‏في‏ ‏العهد‏ ‏القديم‏ ‏علي‏ ‏فم‏ ‏إشعياء‏ ‏فقال‏:‏أنا‏ ‏هو‏ ‏الأول‏ ‏وأنا‏ ‏الآخر‏ ‏لايكون‏ ‏قبلي‏ ‏إله‏ ‏ولايكون‏ ‏بعدي‏ ‏إلهإش‏ 44:6‏من‏ ‏هذا‏ ‏الذي‏ ‏يقول‏:‏أنا‏ ‏الواحد‏ ‏الأحد‏..‏أنا‏ ‏الذي‏ ‏لي‏ ‏مفاتيح‏ ‏الهاوية‏ ‏والموترؤ‏9:18‏من‏ ‏هذا؟‏..‏والجماهير‏ ‏كانت‏ ‏متحيرة‏ ‏حينما‏ ‏كان‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏,‏تحيروا‏ ‏وقالوا‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الذي‏ ‏الريح‏ ‏والبحر‏ ‏أيضا‏ ‏يطيعانه؟من‏ ‏هذا؟من‏ ‏هذا‏ ‏الذي‏ ‏يخرج‏ ‏الشياطين‏ ‏بسلطان؟من‏ ‏هذا‏ ‏الذي‏ ‏ينتهر‏ ‏الحمي‏ ‏ويكلم‏ ‏الحمي‏ ‏ويزجر‏ ‏الحمي‏,‏لم‏ ‏يصل‏ ‏ويركع‏ ‏ويترجي‏ ‏كما‏ ‏كان‏ ‏يفعل‏ ‏الآباء‏ ‏الرسل‏,‏إنما‏ ‏انتهر‏ ‏الحمي‏ ‏زجر‏ ‏الحمي‏,‏هل‏ ‏رأت‏ ‏البشرية‏ ‏نبيا‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏يصنع‏ ‏هذا‏ ‏إذن‏ ‏من‏ ‏هذا؟‏...‏هذه‏ ‏كانت‏ ‏رسالة‏ ‏أثناسيوس‏ ‏إيضاح‏ ‏حقيقة‏ ‏المسيح‏ ‏وأنه‏ ‏كان‏ ‏قبل‏ ‏الزمان‏,‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يولد‏ ‏من‏ ‏مريم‏ ‏كان‏ ‏في‏ ‏الأزل‏.‏


لم‏ ‏يكن‏ ‏ميلاده‏ ‏من‏ ‏مريم‏ ‏إلا‏ ‏تجسدا‏,‏لكنه‏ ‏ليس‏ ‏ميلادا‏ ‏كما‏ ‏يولد‏ ‏البشر‏ ‏حيث‏ ‏يبدأون‏ ‏في‏ ‏فترة‏ ‏من‏ ‏الزمن‏,‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏السبب‏ ‏أن‏ ‏فرحنا‏ ‏في‏ ‏عيد‏ ‏القيامة‏ ‏يعظم‏ ‏عن‏ ‏عيد‏ ‏الميلاد‏,‏عيد‏ ‏الميلاد‏ ‏نسميه‏ ‏العيد‏ ‏الصغير‏ ‏وعيد‏ ‏القيامة‏ ‏العيد‏ ‏الكبير‏,‏لا‏ ‏لأنه‏ ‏ينتهي‏ ‏بالصوم‏ ‏الكبير؟لا‏..‏لأنه‏ ‏لولا‏ ‏القيامة‏ ‏لما‏ ‏كان‏ ‏الميلاد‏.‏


آباء‏ ‏الكنيسة‏ ‏كانوا‏ ‏مترددين‏ ‏في‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏للمسيح‏ ‏عيد‏ ‏الميلاد‏ ‏ولولا‏ ‏هرطقة‏ ‏الذين‏ ‏أنكروا‏ ‏التجسد‏ ‏لما‏ ‏كانت‏ ‏الكنيسة‏ ‏تقيم‏ ‏عيد‏ ‏الميلاد‏,‏ولذلك‏ ‏في‏ ‏ليلة‏ ‏عيد‏ ‏الميلاد‏ ‏إنجيل‏ ‏باكر‏ ‏في‏ ‏البدء‏ ‏كان‏ ‏الكلمة‏...‏والكلمة‏ ‏صار‏ ‏جسدا‏ ‏وحل‏ ‏بيننا‏.‏وإنجيل‏ ‏القداس‏ ‏في‏ ‏ليلة‏ ‏عيد‏ ‏الميلاد‏:‏وإذا‏ ‏مجوس‏ ‏أتوا‏ ‏من‏ ‏المشرق‏ ‏يقولون‏ ‏أين‏ ‏هو‏ ‏المولود‏ ‏ملك‏ ‏اليهود؟الغريب‏ ‏أن‏ ‏في‏ ‏ليلة‏ ‏عيد‏ ‏الميلاد‏ ‏كنيستنا‏ ‏لا‏ ‏تقرأ‏ ‏قصة‏ ‏ميلاد‏ ‏المسيح‏ ‏ولاقصة‏ ‏الرعاة‏,‏هذه‏ ‏تقرأ‏ ‏في‏ ‏البرمون‏.‏إنما‏ ‏في‏ ‏ليلة‏ ‏عيد‏ ‏الميلاد‏,‏في‏ ‏رفع‏ ‏بخور‏ ‏باكر‏ ‏يقرأوالكلمة‏ ‏صار‏ ‏جسداوفي‏ ‏إنجيل‏ ‏القداسوإذا‏ ‏مجوس‏ ‏أتوا‏ ‏من‏ ‏المشرق‏ ‏وقالوا‏ ‏أين‏ ‏هو‏ ‏المولود‏ ‏ملك‏ ‏اليهودحكمة‏ ‏الكنيسة‏ ‏أنها‏ ‏لاتريد‏ ‏من‏ ‏أولادها‏ ‏أن‏ ‏يتصوروا‏ ‏أن‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الليلة‏ ‏وجد‏ ‏المسيح‏ ‏بمعني‏ ‏نشأ‏ ‏المسيح‏.‏والكلمة‏ ‏صار‏ ‏جسداليس‏ ‏بمعني‏ ‏أن‏ ‏ميلاد‏ ‏المسيح‏ ‏كميلاد‏ ‏واحد‏ ‏من‏ ‏البشر‏ ‏لا‏..‏ميلاد‏ ‏المسيح‏ ‏معناه‏ ‏تجسد‏ ‏المسيح‏.‏أنه‏ ‏اتخذ‏ ‏جسدا‏,‏إنما‏ ‏المسيح‏ ‏كما‏ ‏قال‏ ‏أثناسيوسكان‏ ‏ولم‏ ‏يزل‏ ‏إلهاهو‏ ‏إله‏ ‏منذ‏ ‏الأزل‏,‏ولكن‏ ‏في‏ ‏الزمان‏ ‏اتخذ‏ ‏له‏ ‏جسدا‏,‏استتر‏ ‏في‏ ‏جسد‏,‏احتجب‏ ‏في‏ ‏جسد‏,‏لكن‏ ‏المسيح‏ ‏لم‏ ‏يبدأ‏ ‏من‏ ‏مريم‏ ‏حاشا‏,‏وكلنا‏ ‏نقول‏ ‏عن‏ ‏مريم‏ ‏إنها‏ ‏والدة‏ ‏الإله‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏إن‏ ‏الذي‏ ‏خرج‏ ‏من‏ ‏أحشائها‏ ‏الإله‏ ‏المتجسد‏,‏إنما‏ ‏المسيح‏ ‏لم‏ ‏يبدأ‏ ‏من‏ ‏مريم‏,‏المسيح‏ ‏سابق‏ ‏في‏ ‏وجوده‏ ‏علي‏ ‏كل‏ ‏الوجود‏ ‏وعلي‏ ‏كل‏ ‏الخليقة‏ ‏في‏ ‏البدء‏ ‏منذ‏ ‏الأزل‏.‏وكم‏ ‏من‏ ‏مرة‏ ‏يقول‏ ‏المسيح‏ ‏له‏ ‏المجدمجدني‏ ‏عندك‏ ‏أيها‏ ‏الآب‏ ‏بالمجد‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏لي‏ ‏عندك‏ ‏قبل‏ ‏كون‏ ‏العالميو‏17:5,‏ويقول‏:‏من‏ ‏عند‏ ‏الآب‏ ‏خرجت‏ ‏وإلي‏ ‏الآب‏ ‏أمضييو‏16:28‏ليس‏ ‏من‏ ‏عند‏ ‏مريم‏,‏لا‏...‏أنا‏ ‏قبل‏ ‏ذلك‏ ‏بكثير‏,‏من‏ ‏عند‏ ‏الآب‏ ‏خرجت‏.‏وفي‏ ‏مرة‏ ‏ثانية‏ ‏يقول‏:‏أنا‏ ‏هو‏ ‏الخبز‏ ‏الحي‏ ‏الذي‏ ‏نزل‏ ‏من‏ ‏السماء‏,‏ليس‏ ‏كما‏ ‏أكل‏ ‏آباؤكم‏ ‏المن‏ ‏في‏ ‏البرية‏ ‏وماتوايو‏6:49,41‏المسيح‏ ‏من‏ ‏السماء‏ ‏نزل‏ ‏لأنه‏ ‏كان‏ ‏موجود‏ ‏في‏ ‏السماء‏.‏


وفي‏ ‏مرة‏ ‏ثانية‏ ‏يقول‏:‏ما‏ ‏من‏ ‏أحد‏ ‏صعد‏ ‏إلي‏ ‏السماء‏ ‏إلا‏ ‏الذي‏ ‏نزل‏ ‏من‏ ‏السماء‏ ‏ابن‏ ‏الإنسان‏ ‏الذي‏ ‏هو‏ ‏في‏ ‏السماءيو‏3:13‏لم‏ ‏يصعد‏ ‏أحد‏ ‏فوق‏ ‏سماء‏ ‏السموات‏ ‏من‏ ‏البشر‏ ‏أبدا‏ ‏إلا‏ ‏واحد‏,‏وهو‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏,‏وهو‏ ‏علي‏ ‏حجر‏ ‏مريم‏ ‏كان‏ ‏جالسا‏ ‏علي‏ ‏العرش‏,‏وهو‏ ‏يرضع‏ ‏اللبن‏ ‏كان‏ ‏يدبر‏ ‏شئون‏ ‏الكون‏ ‏والمسكونة‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏المعني‏ ‏الذي‏ ‏دافع‏ ‏عنه‏ ‏أثناسيوس‏.‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏المعني‏ ‏كان‏ ‏صعبا‏ ‏لم‏ ‏يستطع‏ ‏الناس‏ ‏بسهولة‏ ‏أن‏ ‏يقبلوا‏ ‏دفاع‏ ‏أثناسيوس‏,‏ولذلك‏ ‏قاوموه‏ ‏وكانت‏ ‏مقاومتهم‏ ‏شنيعة‏.‏


كان‏ ‏قسيسا‏ ‏لا‏ ‏ينتمي‏ ‏بروحه‏ ‏إلي‏ ‏مدرسة‏ ‏الإسكندرية‏ ‏اللاهوتية‏ ‏فمدرسة‏ ‏الإسكندرية‏ ‏اللاهوتية‏ ‏لم‏ ‏تخرج‏ ‏هراطقة‏ ‏أبدا‏,‏إنما‏ ‏كان‏ ‏أريوس‏ ‏من‏ ‏أصل‏ ‏ليبي‏ ‏تخرج‏ ‏في‏ ‏المدرسة‏ ‏الأنطاكية‏ ‏التي‏ ‏خرجت‏ ‏جميع‏ ‏الهراطقة‏ ‏الذين‏ ‏عرفناهم‏ ‏في‏ ‏الخمسة‏ ‏القرون‏ ‏الأولي‏ ‏من‏ ‏أريوس‏ ‏إلي‏ ‏مقدونيوس‏ ‏إلي‏ ‏نسطور‏ ‏إلي‏ ‏أوطاخي‏,‏كل‏ ‏هؤلاء‏ ‏خرجوا‏ ‏في‏ ‏مدرسة‏ ‏أنطاكية‏ ‏اللاهوتية‏,‏ولم‏ ‏يتخرج‏ ‏في‏ ‏مدرسة‏ ‏الإسكندرية‏ ‏اللاهوتية‏ ‏أحد‏ ‏ممن‏ ‏انحرفوا‏ ‏عن‏ ‏الإيمان‏ ‏الأرثوذكسي‏ ‏فأريوس‏ ‏غريب‏ ‏وإذ‏ ‏كان‏ ‏قسيسا‏ ‏ظهر‏ ‏في‏ ‏الإسكندرية‏ ‏لكن‏ ‏مراجعه‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏أرثوذكسية‏ ‏ولا‏ ‏من‏ ‏كنيسة‏ ‏الإسكندرية‏,‏رجل‏ ‏ليبي‏ ‏تتلمذ‏ ‏روحيا‏ ‏ولاهوتيا‏ ‏علي‏ ‏لوسيانوس‏ ‏مؤسس‏ ‏مدرسة‏ ‏أنطاكية‏ ‏أريوس‏ ‏لم‏ ‏يأت‏ ‏بجديد‏ ‏قال‏ ‏أثناسيوس‏:‏إن‏ ‏آراء‏ ‏أريوس‏ ‏كانت‏ ‏آراء‏ ‏وثنية‏ ‏لأنها‏ ‏آراء‏ ‏الأفلاطونية‏ ‏المحدثة‏ ‏التي‏ ‏نادي‏ ‏بها‏ ‏أفلوطين‏,‏والذي‏ ‏اخترع‏ ‏فكرة‏ ‏مؤداها‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏كائنا‏ ‏متوسطا‏ ‏بين‏ ‏الله‏ ‏والناس‏,‏لأن‏ ‏الله‏ ‏أشرف‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يخلق‏ ‏البشر‏,‏فخلق‏ ‏كائن‏ ‏متوسط‏ ‏يخلق‏ ‏به‏ ‏الناس‏,‏هذا‏ ‏الكائنا‏ ‏المتوسطا‏ ‏مخلوق‏ ‏في‏ ‏نظر‏ ‏الأفلاطونية‏ ‏الجديدة‏,‏ولذلك‏ ‏الأريوسية‏ ‏ليست‏ ‏مسيحية‏ ‏وإنما‏ ‏الأريوسية‏ ‏مبدأ‏ ‏وثني‏ ‏أخذه‏ ‏أريوس‏ ‏من‏ ‏الأفلاطونية‏ ‏الجديدة‏ ‏وألبسه‏ ‏لباسا‏ ‏مسيحيا‏,‏وساق‏ ‏آيات‏ ‏الكتاب‏ ‏المقدس‏ ‏التي‏ ‏أولها‏ ‏تأويلا‏ ‏خاطئا‏ ‏في‏ ‏تفسير‏ ‏هذه‏ ‏النظرية‏,‏وهذا‏ ‏بالضبط‏ ‏حكمنا‏ ‏اليوم‏ ‏علي‏ ‏شهود‏ ‏يهوه‏,‏شهود‏ ‏يهوه‏ ‏هم‏ ‏الأريوسية‏ ‏الجديدة‏,‏لأنهم‏ ‏يضيفوا‏ ‏إلي‏ ‏أفكارهم‏ ‏في‏ ‏لاهوت‏ ‏المسيح‏,‏الكفر‏ ‏بالآخرة‏ ‏فهم‏ ‏لايؤمنون‏ ‏بالآخرة‏.‏شهود‏ ‏يهوه‏ ‏مبدأ‏ ‏صهيوني‏-‏يهودي‏ ‏هم‏ ‏الأريوسية‏ ‏الجديدة‏. ‏أخذت‏ ‏الأريوسية‏ ‏في‏ ‏القرن‏ ‏الرابع‏ ‏تمتد‏,‏ووجدت‏ ‏لها‏ ‏سندا‏,‏لأن‏ ‏الوثنية‏ ‏كانت‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏في‏ ‏الأكثرية‏ ‏ولم‏ ‏تكن‏ ‏المسيحية‏ ‏قد‏ ‏وصلت‏ ‏عدديا‏ ‏إلا‏ ‏إلي‏ ‏عدد‏ ‏محدود‏ ‏ونظم‏ ‏الدولة‏ ‏كانت‏ ‏لاتزال‏ ‏وثنية‏ ‏علي‏ ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏وجود‏ ‏قسطنطين‏ ‏الإمبراطور‏ ‏لكن‏ ‏مازالت‏ ‏الدولة‏ ‏الوثنية‏ ‏في‏ ‏نظمها‏ ‏كذلك‏ ‏اليهود‏ ‏كانوا‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏جالية‏ ‏قوية‏ ‏وانضم‏ ‏اليهود‏ ‏إلي‏ ‏أريوس‏ ‏لأنهم‏ ‏وجدوا‏ ‏المبدأ‏ ‏الأريوسي‏ ‏مبدأ‏ ‏يمكنهم‏ ‏أن‏ ‏يوفقوا‏ ‏عليه‏,‏انضم‏ ‏إلي‏ ‏حركة‏ ‏أريوس‏ ‏عدد‏ ‏كبير‏ ‏من‏ ‏البشر‏,‏أولا‏ ‏من‏ ‏آمن‏ ‏بأريوس‏ ‏وأفكار‏ ‏أريوس‏ ‏ومن‏ ‏خدعوا‏ ‏بأريوس‏ ‏من‏ ‏المسيحيين‏,‏ثم‏ ‏الوثنيون‏ ‏الذين‏ ‏كانوا‏ ‏أغلبية‏ ‏كبري‏ ‏في‏ ‏بلدنا‏ ‏واليهود‏ ‏أيضا‏ ‏كانوا‏ ‏جالية‏ ‏كبيرة‏,‏ثم‏ ‏الدولة‏ ‏انضمت‏ ‏إلي‏ ‏أريوس‏ ‏حتي‏ ‏قسطنطين‏ ‏انضم‏ ‏إلي‏ ‏أريوس‏ ‏ليس‏ ‏من‏ ‏الوجهة‏ ‏الإيمانية‏,‏ولكن‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏حفظ‏ ‏الأمن‏,‏لأن‏ ‏الدولة‏ ‏يهمها‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏مع‏ ‏الأغلبية‏ ‏ضد‏ ‏الأقلية‏ ‏حتي‏ ‏يستتب‏ ‏الأمن‏,‏وكانت‏ ‏الأغلبية‏ ‏مع‏ ‏أريوس‏ ‏لأنه‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏اللباقة‏ ‏ومن‏ ‏الذكاء‏ ‏ومن‏ ‏الفصاحة‏ ‏والبلاغة‏ ‏ومن‏ ‏الحزق‏ ‏ومن‏ ‏المقدرة‏ ‏الخطبية‏ ‏ومما‏ ‏يسموه‏ ‏بالشعبية‏ ‏فكان‏ ‏يندمج‏ ‏في‏ ‏وسط‏ ‏الشوارع‏ ‏والصيادين‏ ‏وفي‏ ‏وسط‏ ‏النوادي‏ ‏مع‏ ‏العامة‏ ‏ومع‏ ‏السوقة‏ ‏حتي‏ ‏مع‏ ‏الأطفال‏,‏فكان‏ ‏يقول‏ ‏للطفل‏ ‏أنت‏ ‏أكبر‏ ‏أو‏ ‏أبوك‏ ‏يقول‏ ‏طبعا‏ ‏أبويا‏,‏يقول‏ ‏له‏ ‏قل‏ ‏للأرثوذكس‏ ‏المغفلين‏,‏قل‏ ‏لأثناسيوس‏ ‏المغفل‏,‏هل‏ ‏معقول‏ ‏يكون‏ ‏الابن‏ ‏مع‏ ‏الآب‏ ‏غير‏ ‏معقول‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏تفكير‏ ‏أريوس‏,‏فكر‏ ‏أن‏ ‏الولادة‏ ‏أو‏ ‏كون‏ ‏المسيح‏ ‏ابن‏ ‏الله‏ ‏بمعني‏ ‏الولادة‏ ‏الجسدية‏ ‏كما‏ ‏نقول‏ ‏إبراهيم‏ ‏ولد‏ ‏إسحق‏,‏طبعا‏ ‏إبراهيم‏ ‏قبل‏ ‏إسحق‏ ‏لكن‏ ‏حاشا‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏ولادة‏ ‏الابن‏ ‏من‏ ‏الآب‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏,‏المسيح‏ ‏ابن‏ ‏الله‏ ‏لأننا‏ ‏رأينا‏ ‏فيه‏ ‏صورة‏ ‏الله‏,‏ليس‏ ‏لأن‏ ‏الله‏ ‏يلد‏,‏الله‏ ‏لايلد‏.‏ما‏ ‏معني‏ ‏أن‏ ‏العالم‏ ‏كله‏ ‏ضدك؟معناها‏ ‏أنك‏ ‏أنت‏ ‏واقف‏ ‏لوحدك‏.‏تصوروا‏ ‏واحد‏ ‏واقف‏ ‏في‏ ‏وسط‏ ‏هذا‏ ‏الجمع‏, ‏محاط‏ ‏بهذه‏ ‏الصعوبات‏ ‏من‏ ‏يقنع؟ومن‏ ‏يكلم؟ومن‏ ‏يناقش؟الدولة‏ ‏كلها‏ ‏بتيجانها‏ ‏وبقوتها‏,‏كانت‏ ‏ضد‏ ‏أثناسيوس‏.‏أثناسيوس‏ ‏نفي‏ ‏خمس‏ ‏مرات‏ ‏وكان‏ ‏الأباطرة‏ ‏بما‏ ‏فيهم‏ ‏قسطنطين‏ ‏يذيقونه‏ ‏مر‏ ‏العذاب‏,46 ‏سنة‏ ‏قضاها‏ ‏علي‏ ‏الكرسي‏ ‏معظمها‏ ‏منفي‏ ‏ومشرد‏ ‏حتي‏ ‏عندما‏ ‏كان‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏كان‏ ‏يذهب‏ ‏في‏ ‏أماكن‏ ‏خفية‏,‏في‏ ‏الأديرة‏ ‏أو‏ ‏في‏ ‏بيوت‏ ‏المؤمنين‏,‏لأن‏ ‏خمسين‏ ‏سنة‏ ‏ضد‏ ‏من؟ضد‏ ‏هذه‏ ‏الأغلبية‏ ‏العظمي‏ ‏عندما‏ ‏قالوا‏ ‏لهالعالم‏ ‏كله‏ ‏ضدكهذه‏ ‏الكلمة‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏سهلة‏ ‏ولم‏ ‏يكن‏ ‏مبالغ‏ ‏فيها‏,‏إنما‏ ‏تدل‏ ‏علي‏ ‏المرارة‏ ‏التي‏ ‏عاش‏ ‏فيها‏ ‏الرجل‏,‏ضع‏ ‏نفسك‏ ‏في‏ ‏نفس‏ ‏الموقف‏,‏أنا‏ ‏أقول‏ ‏أثناسيوس‏ ‏هذا‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏حديدا‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏نحاسا‏ ‏لتهرأ‏,‏ولو‏ ‏كان‏ ‏حجرا‏ ‏لانمحي‏,‏كيف‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏لحم‏ ‏ودم‏,‏وكيف‏ ‏تحمل‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏,‏كيف‏ ‏صمد‏ ‏خمسين‏ ‏سنة‏,‏يصمد‏ ‏أمام‏ ‏قوات‏ ‏مهولة‏ ‏تفوقه‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏أمر‏ ‏ومن‏ ‏كل‏ ‏نوع‏.‏ولذلك‏ ‏عندما‏ ‏قالوأنا‏ ‏بنعمة‏ ‏إلهي‏ ‏ضد‏ ‏العالم‏ ‏سموه‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الذي‏ ‏ضد‏ ‏العالم‏,‏هذه‏ ‏كلمة‏ ‏مرة‏,‏اليوم‏ ‏نقولها‏ ‏علي‏ ‏المنابر‏,‏لكن‏ ‏حاول‏ ‏تفكر‏ ‏وتضع‏ ‏نفسك‏ ‏في‏ ‏نفس‏ ‏الموضع‏,‏أحيانا‏ ‏عندما‏ ‏تجد‏ ‏عددا‏ ‏كبيرا‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏ضدك‏ ‏في‏ ‏موقف‏ ‏معين‏ ‏تصير‏ ‏نفسك‏ ‏تعبانة‏ ‏ومرة‏.‏تصور‏ ‏واحدا‏ ‏لمدة‏ ‏خمسين‏ ‏سنة‏ ‏يصارع‏ ‏هذه‏ ‏المصارعات‏,‏لو‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏أثناسيوس‏ ‏رسولا‏ ‏من‏ ‏الله‏ ‏كيف‏ ‏كان‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يصمد؟أثناسيوس‏ ‏كان‏ ‏يقف‏ ‏لوحده‏,‏وهذا‏ ‏يرينا‏ ‏أن‏ ‏رجل‏ ‏الدين‏ ‏الحق‏ ‏أين‏ ‏يكون؟يكون‏ ‏حيث‏ ‏سيده‏ ‏لأنه‏ ‏خادم‏ ‏لسيده‏.‏


هذا‏ ‏الرجل‏ ‏البطل‏ ‏أثناسيوس‏ ‏الذي‏ ‏ليس‏ ‏لبطولته‏ ‏مثيل‏,‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏الذي‏ ‏صمد‏ ‏أمام‏ ‏العالم‏ ‏كله‏,‏اليوم‏ ‏العالم‏ ‏كله‏ ‏يحترم‏ ‏أثناسيوس‏,‏شرقا‏ ‏وغربا‏ ‏يحني‏ ‏الرأس‏ ‏لأثناسيوس‏ ‏ولكن‏ ‏من‏ ‏تحمل‏ ‏الذي‏ ‏تحمله‏ ‏أثناسيوس؟من‏ ‏الذي‏ ‏عاش‏ ‏المرارة‏ ‏والضيق‏ ‏والأزمات‏ ‏والاضطهادات‏ ‏والتعذيب‏ ‏والاتهامات‏ ‏مرة‏ ‏سافر‏ ‏ليقابل‏ ‏قسطنطين‏ ‏فوجد‏ ‏الإمبراطور‏ ‏تغير‏ ‏من‏ ‏ناحيته‏,‏ورفض‏ ‏الإمبراطور‏ ‏أن‏ ‏يقابل‏ ‏أثناسيوس‏ ‏فاضطر‏ ‏أن‏ ‏يقف‏ ‏في‏ ‏طريق‏ ‏مركبته‏ ‏أمام‏ ‏الخيل‏ ‏التي‏ ‏كادت‏ ‏أن‏ ‏تدوسه‏,‏فأمر‏ ‏الإمبراطور‏ ‏أنه‏ ‏يوقفوا‏ ‏المركبة‏.‏وقال‏ ‏له‏:‏لماذا‏ ‏تقف‏ ‏هنا؟فأجابه‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏الطريقة‏ ‏الوحيدة‏ ‏التي‏ ‏أعرف‏ ‏أن‏ ‏أقابلك‏ ‏بها‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏حاولت‏ ‏أقابلك‏ ‏فلم‏ ‏أستطع‏ ‏وأخذه‏ ‏في‏ ‏المركبة‏ ‏ورجع‏ ‏به‏ ‏إلي‏ ‏البيت‏ ‏ليسمعه‏,‏هذا‏ ‏الإمبراطور‏ ‏قسطنطين‏ ‏الذي‏ ‏نفتخر‏ ‏به‏ ‏في‏ ‏وقت‏ ‏من‏ ‏الأوقات‏ ‏كان‏ ‏ضد‏ ‏أثناسيوس‏ ‏وهو‏ ‏أول‏ ‏من‏ ‏نفي‏ ‏أثناسيوس‏.‏


أي‏ ‏إنسان‏ ‏يتحمل‏ ‏الذي‏ ‏تحمله‏ ‏أثناسيوس‏,‏صحيح‏ ‏أنه‏ ‏رجل‏ ‏خالد‏,‏أثناسيوس‏ ‏الخالد‏ ‏الذي‏ ‏لايموت‏ ‏وتاريخه‏ ‏تاريخ‏ ‏المسيحية‏ ‏كلها‏,‏ولذلك‏ ‏يعد‏ ‏بفخر‏ ‏مؤسس‏ ‏المسيحية‏ ‏الثاني‏ ‏وكلمة‏ ‏رسولي‏ ‏لماذا؟لأنه‏ ‏جاهد‏ ‏جهاد‏ ‏الرسل‏,‏وأخشي‏ ‏أن‏ ‏أقول‏ ‏أعظم‏ ‏من‏ ‏جهاد‏ ‏الرسل‏,‏لأن‏ ‏الرسل‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏في‏ ‏طريقهم‏ ‏العقبات‏ ‏الخبيثة‏ ‏والمتاعب‏ ‏التي‏ ‏لاقاها‏ ‏أثناسيوس‏ ‏لذلك‏ ‏سموه‏ ‏رسولي‏,‏وأيضا‏ ‏سمي‏ ‏بمؤسس‏ ‏المسيحية‏ ‏الثاني‏ ‏لأنهم‏ ‏قالوا‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏وهذا‏ ‏الرأس‏ ‏العنيد‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏لان‏ ‏أو‏ ‏خضع‏ ‏كانت‏ ‏المسيحية‏ ‏انتهت‏ ‏من‏ ‏زمن‏,‏هو‏ ‏الرجل‏ ‏الوحيد‏ ‏العنيد‏ ‏الذي‏ ‏وقف‏ ‏ضد‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الثورات‏ ‏وبفخر‏ ‏يسمي‏ ‏مؤسس‏ ‏المسيحية‏ ‏الثاني‏ ‏بعد‏ ‏المسيح‏.‏


نحن‏ ‏اليوم‏ ‏المسيحيين‏ ‏شرقا‏ ‏وغربا‏ ‏مديونين‏ ‏لأثناسيوس‏,‏لأنه‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏حافظ‏ ‏علي‏ ‏الإيمان‏ ‏كالحارس‏ ‏الأول‏ ‏الأمين‏ ‏للإيمان‏ ‏واليوم‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏في‏ ‏السماء‏ ‏وفي‏ ‏العام‏ ‏الآخر‏ ‏ونرسل‏ ‏إليه‏ ‏التحيات‏ ‏ونرسل‏ ‏إليه‏ ‏الصلوات‏ ‏ونتشفع‏ ‏به‏ ‏جميعا‏ ‏أن‏ ‏يرحم‏ ‏الكنيسة‏,‏وأن‏ ‏يرحم‏ ‏المؤمنين‏,‏وأن‏ ‏يحفظ‏ ‏الله‏ ‏الإيمان‏ ‏المستقيم‏ ‏ثابت‏ ‏إلي‏ ‏التمام‏,‏وأن‏ ‏يحفظنا‏ ‏نحن‏ ‏شعبه‏ ‏ثابتين‏ ‏علي‏ ‏الإيمان‏ ‏الأرثوذكسي‏ ‏إلي‏ ‏النفس‏ ‏الأخير‏.‏ولإلهنا‏ ‏الكرامة‏ ‏والمجد‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏ ‏آمين‏. ‏