مرحباً بكم في مدونة المسيح مخلصي وهى تحتوي على موضوعات مسيحية متعددة بالاضافة الي تاريخ الاباء البطاركة المنقول من موسوعة تاريخ اقباط مصر للمؤرخ عزت اندراوس بالاضافة الي نشر الكثير عن تاريخ الاباء

الأحد، يونيو 14، 2009

الأبدية

يقول رب المجد يسوع : " أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً ً" (يو2:14)، فما هو هذا المكان ؟ وما هى أهم سماته ؟ إنَّه السماء المسكن الذي أعدّه الله لسُكنى قدّيسيه ، ليستريحوا من أتعابهم ، ويتنعموا بعد حياة قد أثقلها المرض وأضناها التعب ذن فالموت وإن كان نهاية إلاَّ أنَّه في نفس الوقت بداية!

إننا على الأرض نأكل من شجرة امتزجت ثمارها بمرارة السقوط، فلولا الخطية ما كان الألم، أمَّا في السماء فلن تكون خطية بعد ، وهكذا تتلاشى نتائج الخطية وما تحمله من ألم .

ماذا فعلت الخطية بالإنسان ؟ أنزلته لمستوى الحيوان ! ولهذا عندما اشتهى أن يأكل أعطاه الله العشـب (تك18:3) ، الذي كان قبلاً طعام الحيوان (تك3:1).  أمَّا في السماء فسنأكل من المن المُخفى وشـجرة الحياة التي في وسط فردوس الله (رؤ7:2).
 
قبل السقوط كان آدم يحيا فرحاً، فما أن سقط حتى ملأ الخوف قلبه لكنَّ القديس يوحنَّا يقول " وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ في مَا بَعْدُ " (رؤ1:21)، فما هو المقصود بالبحر؟ 

أعتقد أنَّ الخوف والاضطراب والقلـق.. لن يكون لهم مكان بعد، وكيف نخاف ونحن بين أحضان أبينا نبع الحُب ومصدر السـلام؟! كما أننا لن نخجـل بسبب عرينا لأننا سنرتدي ثياب الطهارة والبر والتقوى..
يقول مُعلّمنا القديس بولس الرسـول: " يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ.." (1كو42:15-44)، تُرى ما هى سمات جسد القيامة؟ روحانيّ، مُمجد.. سمات كثيرة لَعَلَّ أهمها عدم قابليته للفساد وعدم ميله للخطية .. فالشهوات إذن ستبطل وكل انحراف لن يكون بعد.
لو قلنا إنَّ السماء بيت فهى أجمل بيت في الوجود ، لأنَّها بيت الله ، ولو قلنا أنَّها مدينة فهى واسعة لكي تسع كل المؤمنين، وجميلة، فقد وصف سفر الرؤيا أبوابها - رمزياً- بأنَّها من اللؤلؤ وشوارعها من الذهب، أما أساس سورها قفهو من الحجر الكريم. 

على الأرض نرى أمام أعيننا الأرض وقد تلوّثت بالقاذورات ، وما أكثر الأماكن التي نجستها الخطيـة .. والهواء هو الآخر تدنّس بدخان الحقـد والغيرة .. أمَّا في السماء فسيكون كل شيء طاهراً ، نظيفاً ، جميلاً ...
ولهذا شبّهها يوحنَّا الحبيب بعروس في يوم زفافها كتعبير عن نظافتهـا وحلاوتها .. ولكن جمال العروس هو صورة باهتة لجمال السماء، لأنَّ العروس سيأتي يوم تشيخ ويذبل جمالها، أمَّا جمال السماء فدائم وفى نفس الوقت لا يتغير.
لقد لَعَنَ الله الأرض بسبب خطية آدم (تك17:3) ، ثم لعن قايين بعدما قتل أخاه هابيل (تك10:4) ، لكن ما يُعزينا هو أن السماء لن يكون فيها لعنة (رؤ3:22).
على صفحات الجرائد نقرأ عن أُلوف البشر، الذين يئنون من الفقر ويصرخون من الحرمان لكنّهم في السماء لن يجـوعوا أو يعطشوا ، ولن تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر" لأَنَّ الْحَمَـلَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ " (رؤ16:7،17).
كما أنَّ الله سوف يمسح " كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ " (رؤ17:7)، كتعبير عن العزاء الذي سينالونه عوضاً عن آلامهم المريرة ، التي ذاقوها وهم على الأرض ، وكيف يتألمون ثانية والسـماء لا يكون فيهـا " حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ " (رؤ21: 4).
إذن فالصراخ من الاضطهاد، والوجع من المرض .. كلها آلام لن يكون لها مكان في حياتنا ، لأنَّ السماء لن يكون فيها مال لنحزن على فقـدانه، والأشرار الذين يُعذّبوننا لن يدخـلوا هذا المكان الطاهر ، أمَّا الأمـراض فلن تُصيبنا لأننا سنقوم بأجساد روحانية مُمجدة، غير قابلة للمـرض أو التعب أو حتى الموت مرّة ثانية..
إننا على الأرض كثيراً ما نشكو من الظلام المُخيف، ظلام الليل، المرض، الفشل... ولكن هل فكرت مرّة في مدينة مضيئة على الدوام ؟ لا أظن أنَّ السماء في حاجة إلى شمس أو قمر أو نجوم... لماذا ؟ لأنَّ الرب سوف ينيرها (رؤ5:22)، وما نور السماء الذي سيملأها إلاَّ انعكاساً لنور مجد الله الساكن فيها. 
قد يأتي الليل على الأرض محفوفاً بالظـلام ، ومع الليل تأتي الأخطار... لكن في السماء لن يكون شر ، ولن نسمع عن جريمة قتل أو سرقة .. ومن أين تأتي هذه الأوبئة البشرية والسماء لن يدخلها قاتل أو لص أو زاني؟

على الأرض كثيراً ما نشكو من الجهل، ولولا الإيمان لتشتت عقولنا... ولكن في السماء سوف نعرف كل شيء ونرى كل شيء، ومن هو يا تُرى الذي سيُضيء أذهاننا؟ إنَّه الله ولهذا لن يكون في السـماء غبيّ أو جاهل لأنَّ الجميع سيتعلمون من الله مباشرة.

كم مِن مرّة بكيت حزناً على موت قريب أو صديق؟ ولكن هل فكرت مرّة أنَّك في السماء سوف ترى الملائكة والقديسين الذين لم ترهـم؟ فكم ستكون فرحتنا عندما نحيا معهم ونراهم! وماذا عن رؤية الله؟!!

فلا تحزنوا على كل ما يُصيبكم من تجارب، فعمَّا قريب سينكشح ظلام الألم، فإذا افتقدكم الألم بوجهه القاسيّ، فلا تستقبلوه بـ " لا " بل بـ " نعم "، لأنَّه سيأتي يوم تعيشون في مجد دائم، وعيد لن تنقطع أفراحه، حينئذ